رمضان على الأبواب، كل عام وأنتم بخير، وفي هذا الشهر الكريم تتجاذبك قوى ووسائل مختلفة لشغل وقتك وجعل رمضانك أحلى كل من وجهة نظره، ولعل أوضحها في شهر الصيام هو التلفاز الذي يجتهد القائمون على قنواته بالتسابق على حشو وقت الصائمين بالمسلسلات والبرامج المختلفة التي لا يزدحم بها أي شهر من شهور السنة خلاف شهر العبادة. وبالطبع المسألة مسألة اختيار وحرية كاملة فهناك من يحرص على متابعة كل ما يقدم أو معظمه واصلاً الليل بالنهار أمام تلك الشاشة، مُخلفاً وراءه خير عظيم وكنوز حسنات لا يستطيع الحصول عليها في أي وقت آخر. ولعلي ضد أن يضيع الصائم وقته في هذ الشهر في تلك التفاهات، من وجهة نظري، فالعمر مهما طال قصير وليغتنم كل مسلم الفرصة ويدخر ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، واذكر ما نصحتنا به إحدى المعلمات ونحن في الثانوية العامة، مع اقتراب شهر رمضان وقتها، حيث قالت لنا أن وقت المذاكرة فقط سنة لن نستعيدها أما المسلسلات فسوف تعاد مئات المرات، من وقتها وأنا فقدت ارتباطي بهذا الجهاز. وقد تعجب العالم الدكتور مصطفى محمود، رحمة الله عليه، من عدم احترام عالمنا العربي للشهر الكريم مؤكدا أن والدته كانت تدير التلفاز ليواجه الحائط طوال شهر رمضان، مما جعله ناقما عليها، سافر إلى أمريكا ووجد عامل أمريكي يضع الأقفال على ثلاجة الخمور، فسأله ”لماذا تضع أقفالا على هذه الثلاجة؟؟” فأجابني: “هذه ثلاجة الخمور وقوانين الولاية تمنع بيع الخمور في ليلة ويوم الكريسماس يوم ميلاد المسيح"، فرد عليه :"أليست أمريكا دولة علمانية .. لماذا تتدخل الدولة في شيء مثل ذلك؟ فقال الرجل :”الاحترام.. يجب على الجميع احترام ميلاد المسيح وعدم شرب الخمر في ذلك اليوم حتى وإن لم تكن متدينا .. إذا فقد المجتمع الاحترام فقدنا كل شيء". الاحترام ما طالب به دكتور مصطفى محمود، وهو ما لا يتوافر، لكن للأسف حتى مستوى ما يقدم في مزيد من التدني، فعلى كل فرد أن يحرص على نفسه ومن هو راعي له، فإما يتبع منهج والدة دكتور مصطفى محمود وإما أن يتابع الثمين ويستبعد الغث، فهناك قنوات دينية عديدة راقية تجعل من بيوتنا مجالس علم ترفرف عليها الملائكة بإذن الله. فنجد أن جدولها أيضا يتنوع ما بين برامج للدعاة والتلاوات القرآنية والفقرات التثقيفية، والأمثلة عليها كثيرة، وأكثر ما أتحين الفرصة للسماع له العلامة الدكتور محمد راتب النابلسي، وهو داعية ذو ثقافة عالية، حفظه الله من كل شر، أصنفه كنموذج للداعية الفذ فأخلاقه عنوان لما يُلقيه على مسامع حاضريه، فنبرة صوته الهادئة والتي قد تجبرني في كثير من الأحيان على رفع صوت التلفاز لأتمكن من سماعه تدل على هدوء نفس وسكينة، متعه الله بها، وله مني كل التحية والتقدير والاحترام، ورزقنا المزيد من أمثاله. وبالإضافة إلى طريقته السمحة تلك، فدروسه تعالج واقعنا المعاصر، فقد بحثت كثيرا عن سلسلة حول تربية الأطفال تربية إسلامية صحيحة ولم أجدها بتعمق ووضوح مثلما قدمها هذا العالم الجليل، فلما لا نحرص خلال شهر رمضان على متابعة الدعاة أمثال الشيخ النابلسي الذي يجعل الفرد منا يعشق دينه ويحاول التحلي بالأخلاق. أذكر أيضا برنامج "خواطر" للإعلامي المحترم الخلوق أحمد الشقيري، وهو ما يجذب كافة أفراد الأسرة وخاصة الأطفال فطريقة عرضه مسلية للغاية، وبه كم من المعلومات القيمة، التي تقدم ككبسولات صغيرة جذابة تناقش قضايا عالمنا الإسلامي المعاصر. أتمنى على الله أن يرشدنا إلى ما فيه صلاحنا وصلاح ذريتنا وأحبابنا جميعا، وفي هذا الشهر الكريم لا ندع لأنفسنا مداخل تبعدنا عن طريق الله فشياطين الجن مسلسلة في هذا الشهر، بينما شياطين الأنس فلا.. ولعل هذا الشهر فرصة لتحسين أخلاقنا جميعا والتخلي عن أي أخلاق سيئة خلال هذا الشهر، كالتدخين مثلا. ولعل أهم ما أراه هو التحلي بالأخلاق التي يتخلى عنها البعض بحجة الصيام، فيتوعد الثائرون لمن يحدثهم بالبعد عنهم لأنهم صائمين "ومش ناقصين" ،كما يرددون طيلة الشهر الكريم، ولعل الله في غنى عن صوم من لا يستطيع ضبط أعصابه، ردنا الله وأياكم إلى ديننا الرد الجميل. [email protected]