الأمير عبد القادر بن محى الدين أشهر من قاد لواء المقاومة ضد المحتل الفرنسى للدفاع عن الوطن، وبعد مؤسس دولة الجزائر الحديثة، ولد فى مثل هذا اليوم عام 1808، لأسرة تمتد جذورها إلى النبى محمد صلى الله عليه وسلم. عندما تولى عبد القادر الإمارة كانت الوضعية الاقتصادية والاجتماعية صعبة، لم يكن له المال الكافى لإقامة دعائم الدولة إضافة، كان له معارضون لإمارته، ولكنه لم يفقد الأمل إذ كان يدعو باستمرار إلى وحدة الصفوف وترك الخلافات الداخلية ونبذ الأغراض الشخصية، كان يعتبر منصبه تكليفا لا تشريفا، وفي نداء له بمسجد معسكر خطب قائلا: «إذا كنت قد رضيت بالإمارة، فإنما ليكون لى حق السير فى الطليعة والسير بكم فى المعارك فى سبيل الله.. الإمارة ليست هدفى فأنا مستعد لطاعة أيّ قائد آخر ترونه أجدر منّى وأقدر على قيادتكم شريطة أن يلتزم خدمة الدّين وتحرير الوطن». كان الأمير يرمى إلى هدفين: تكوين جيش منظم وتأسيس دولة موحّدة، وكان مساعدوه فى هذه المهمة مخلصين.. وبذل وأعوانه جهدًا كبيرًا لاستتباب الأمن، فبفضل نظام الشرطة الذى أنشأه قُضِى على قُطّاع الطرق الذين كانوا يهجمون على المسافرين ويتعدّون على الحرمات، فأصبح الناس يتنقّلون فى أمان وانعدمت السرقات، كما قام بإصلاحات اجتماعية كثيرة، فقد حارب الفساد الخلقى بشدّة، ومنع الخمر والميسر منعًا باتًا ومنع التدخين ليبعد المجتمع عن التبذير، كما منع استعمال الذهب والفضة للرّجال لأنّه كان يكره حياة البذح والميوعة. ألقت سلطات المحتل القبض عليه وأرسلته إلى فرنسا، وفى سجون فرنسا عانى من الإهانة والتضييق حتى عام 1852م، ثم استدعاه نابليون الثالث بعد توليه الحكم، وأكرم نزله، وأقام له المآدب الفاخرة ليقابل وزراء ووجهاء فرنسا، ويتناول الأمير كل الشئون السياسية والعسكرية والعلمية، مما أثار إعجاب الجميع بذكائه وخبرته، ودُعى الأمير لكى يتخذ من فرنسا وطنًا ثانيًا له، ولكنه رفض، ورحل إلى الشرق براتب من الحكومة الفرنسية. استقر به المقام فى دمشق منذ عام 1856 م، وفيها أخذ مكانة بين الوجهاء والعلماء، وقام بالتدريس فى المسجد الأموى كما قام بالتدريس قبل ذلك فى المدرسة الأشرفية، وفى المدرسة الحقيقية. وفى عام 1860 اندلعت شرارة الفتنة بين المسلمين والمسيحيين فى الشام، وكان للأمير دور فعال فى حماية أكثر من 15 ألف من المسيحيين، إذ استضافهم فى منازله. لم يكن الأمير عبد القادر قائدًا عسكريًا وحسب، ولكن له مؤلفات وأقوال كبيرة في الشعر تبرز إبداعه ورقة إحساسه مع زوجه فى دمشق ومكانته الأدبية والروحية، وله أيضًا كتاب "المواقف" وغيره. وافاه الأجل بدمشق فى منتصف ليلة 23 مايو سنة 1883 عن عمر يناهز 76 عامًا، ودفن بجوار الشيخ ابن عربى بالصالحية بدمشق حسب وصيته.