من وصفه ب"أديب الدعوة" إلى اتهام المرشد بالماسونية.. جملة تلخص علاقة الشيخ محمد الغزالى، العالم والمفكر الإسلامي بجماعة الإخوان المسلمين، والتي كان أحد أعضائها قبل الانشقاق عنها متمردًا على مبدأ "السمع والطاعة". وتحل اليوم 9 مارس الذكرى ال23 لوفاة أحد أهم أعلام الفكر الإسلامي في النصف الثاني من القرن العشرين؛ والذي عُرف عنه تجديده في الفكر الاسلامي ونبذ التشدد الديني ورفض التطرف والغلو في النظرة لجميع الأشياء. عُرف "الغزالي" بأسلوبه الأدبي الرصين في الكتابة، ولقبه حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ب"أديب الدعوة"، واشتهر بجرأته وانتقاد الأنظمة الحاكمة في العالم الإسلامي، مما تسبب له في العديد من المشاكل له سواء أثناء إقامته في مصر أو في السعودية. نشأته وتعليمه وُلد "الغزالي" في 22 سبتمبر 1917, في قرية "نكلا العنب" بإيتاى البارود بمحافظة البحيرة, سماه والده بهذا الاسم تيمنًا ب"أبو حامد الغزالي"، أحد أشهر علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري، حيث رأى في منامه الشيخ الغزالي وقال له "أنه سوف ينجب ولدا ونصحه أن يسميه على اسمه الغزالي فما كان من الأب إلا أن عمل بما رآه في منامه". أتم حفظ القرآن الكريم وهو في سن العاشرة بكتّاب القرية، وقال الغزالي عن ذلك: "كنت أتدرب على إجادة الحفظ بالتلاوة في غُدُوِّي ورواحي، وأختم القرآن في تتابع صلواتي، وقبل نومي، وفي وحدتي، وأذكر أنني ختمته أثناء اعتقالي، فقد كان القرآن مؤنسًا في تلك الوحدة الموحشة". التحق بمعهد الإسكندرية الديني الابتدائي، وظل به حتى حصل منه على شهادة الكفاءة ثم الشهادة الثانوية الأزهرية, ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة سنة 1937م، والتحق بكلية أصول الدين بالأزهر. علاقته بالإخوان انضم في شبابه إلى جماعة الإخوان المسلمين وتأثر بمؤسسها حسن البنا، وبدأت كتاباته في مجلة "الإخوان المسلمين" أثناء دراسته بالسنة الثالثة في الكلية, بعد تعرفه على "البنا" وظل الأخير يشجعه على الكتابة حتى تخرّج بعد أربع سنوات في سنة (1360 ه / 1941). فى عام 1945 كتب حسن البنا إلى محمد الغزالى: "أخى العزيز الشيخ محمد الغزالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، قرأت مقالك: الإخوان المسلمون والأحزاب، فى العدد الأخير من مجلة الإخوان، فطربت لعبارته الجزلة ومعانيه الدقيقة وأدبه العف الرصين، هكذا يجب أن تكتبوا أيها الإخوان المسلمون، اكتب دائمًا وروح القدس يؤيدك، والله معك، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، أطلق بعدها البنا على الشيخ الغزالى لقب "أديب الدعوة"، واستطاع استمالته وإقناعه بالانضمام للجماعة. اعتقل الغزالي مع من اعتقلوا بعد حلّ جماعة الإخوان المسلمين سنة 1948، وأودع في معتقل الطور. سافر إلى الجزائر سنة 1984 م للتدريس في جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة, درس فيها رفقة العديد من الشيوخ كالشيخ يوسف القرضاوي والشيخ البوطي حتى تسعينيات القرن العشرين. انشقاقه عن الجماعة بعد سنة 1952 نشب خلاف بين الغزالي وحسن الهضيبي، مرشد جماعة الإخوان المسلمين وقتها، خرج على إثره الغزالي من الجماعة. هاجم "الغزالي" مبدأ السمع والطاعة عند الجماعة، وقال في كتابه "فى موكب الدعوة" إن الماسونية العالمية نجحت فى زرع الهضيبى فى منصب المرشد العام. ويقول الشيخ محمد الغزالى فى كتابه "من معالم الحق فى كفاحنا الإسلامى الحديث" الطبعة الثانية 1963، الناشر دار الكتب الحديثة: "استقدمت الجماعة رجلًا غريبا عنها ليتولى قيادتها وأكاد أوقن أن من وراء هذا الاستقدام أصابع هيئات سرية عالمية أرادت تدويخ النشاط الإسلامى الوليد فتسللت من خلال الثغرات المفتوحة فى كيان جماعة هذا حالها وصنعت ما صنعت، ولقد سمعنا كلامًا كثيرًا عن انتساب عدد من الماسون بينهم الأستاذ حسن الهضيبى نفسه لجماعة الإخوان ولكنى لا أعرف بالضبط كيف استطاعت هذه الهيئات الكافرة بالإسلام أن تخنق جماعة كبيرة على النحو الذى فعلته، وربما كشف المستقبل أسرار هذه المأساة". وتراجع الغزالى فى ما بعد عن اتهام الهضيبى بالماسونية، حيث قام بحذف تلك الفقرات من الكتاب فى طبعاته اللاحقة، لكنه لم يتراجع عما قاله عن السمع والطاعة، كما أنه لم ينضم من جديد للجماعة. وفضل حينها أن يخدم الإسلام من بابه الأوسع لا من باب الجماعات الضيق، لأنه رأى أن الأمة لن تتقدم إلا بترك الحزبية والجماعات، وقال الغزالي:"إنما الذى يعنينى أمر آخر هو الأهم والأخطر، عند الله وعند الناس، أمر الإسلام نفسه". وفاته توفي يوم السبت 20 شوال 1416 ه الموافق 9 مارس 1996م في الرياض في السعودية أثناء مشاركته في مؤتمر حول الإسلام وتحديات العصر الذي نظمه الحرس الوطني في فعالياته الثقافية السنوية المعروفة ب (المهرجان الوطني للتراث والثقافة الجنادرية) ودفن بمقبرة البقيع بالمدينة المنورة،بناء على وصيته.