إطلاق برنامج "لقاء الجمعة للأطفال" بمسجد الشامخية ببنها    جوائز تصل ل25 ألف جنيه.. جامعة الأزهر تنظم مسابقة القراءة الحرة للطلاب    محمد الباز: جماعة الإخوان عصابة حكمت مصر    بحضور 400 مشارك .. وكيل أوقاف القليوبية يطلق برنامج لقاء الجمعة للأطفال    "التعليم": مشروع رأس المال الدائم يؤهل الطلاب كرواد أعمال في المستقبل    الكنيسة الأرثوذكسية تحيي ذكرى نياحة الأنبا إيساك    صوامع وشون الاقصر تنتظر توريد 34 ألف طن قمح محلى    وزيرة التعاون الدولي تلتقي نائبة رئيس مجموعة البنك الدولي لبحث الشراكات    شرب وصرف صحي الأقصر تنفى انقطاع المياه .. اليوم    جامعة جنوب الوادي توفر سكن فاخر لمرافقي مصابي الأشقاء الفلسطينيين    فريق حاسبات عين شمس الأول عربياً وأفريقياً في المسابقة العالمية 24 ICPC"    تهديد خطير تتلقاه باريس.. والأمن ينتشر في موقع القنصلية الإيرانية    درعا والسويداء ,, تفاصيل استهداف إسرائيل مواقع عسكرية فى سوريا    القاهرة الإخبارية: تخبط في حكومة نتنياهو بعد الرد الإسرائيلي على إيران    بدء أكبر انتخابات في العالم بالهند.. 10% من سكان الأرض يشاركون    الدوري الألماني يقترب من مقعد خامس في التشامبيونزليج    أخبار الأهلي : ربيعة: لن ننظر إلى التاريخ وهدفنا الفوز على مازيمبي وسط جماهيره    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة.. مباريات اليوم السادس    فرصة أمام آرسنال وليفربول لتضميد الجراح    مشجع وعضو فخري.. الأهلي ينعى صلاح السعدني    ب 16 مليون جنيه.. سقوط متهمين بحوزتهم 36 كيلو هيروين وحشيش بالقليوبية| صور    اخبار التعليم|قرارات جديدة بشأن امتحانات الثانوية العامة .. حسم أزمة تدريس مناهج غير أخلاقية بإحدى المدارس    اصطدام 3 سيارات واشتعال النيران بإحداهم في التجمع الأول    غرق شابين أثناء استحمامهما بمياه النيل أمام قرية أبو صالح ببني سويف    شكوى من انقطاع المياه لمدة 3 أيام بقرية «خوالد أبوشوشة» بقنا    يسرا تنعى صلاح السعدني وتعتذر عن عدم حضور الجنازة    ابن عم الراحل صلاح السعدنى يروى كواليس من حياة عمدة الدراما بكفر القرنين    انتهاء أعمال المرحلة الخامسة من مشروع «حكاية شارع» في مصر الجديدة    يحييه الله حياة طيبة ويكون أطيب الناس عيشا.. خطيب المسجد الحرام: بهذا العمل    دعاء لأبي المتوفي يوم الجمعة.. من أفضل الصدقات    انطلاق 10 قوافل دعوية.. وعلماء الأوقاف يؤكدون: الصدق طريق الفائزين    طريقة قلي الباذنجان الصحية.. النتيجة مدهشة جربها دلوقتي    الصحة: المجتمع المصري أصبح يعاني أمراضا نفسية بسبب الظروف التي مرت بالبلاد    لمحبي الشاي بالحليب.. 4 أخطاء يجب تجنبها عند تحضيره    كل ما تريد معرفته عن قانون رعاية حقوق المسنين| إنفوجراف    محافظ أسيوط يعلن ارتفاع معدلات توريد القمح المحلي ل 510 أطنان    احذر| ظهور هذه الأحرف "Lou bott" على شاشة عداد الكهرباء "أبو كارت"    الخشت: تخصص الصيدلة وعلم الأدوية بجامعة القاهرة أصبح ال 64 عالميًا    الأربعاء.. انطلاق مهرجان الفيلم العربي في برلين بمشاركة 50 فيلما عربيا    إقبال جماهيري على جناح مصر في بينالي فينيسيا للفنون 2024    الصحة: فحص 432 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية    1490 طنا.. وصول القافلة السادسة من مساعدات التحالف الوطني لأهالي غزة (صور)    إسعاد يونس تنعى الفنان صلاح السعدني بصورة من كواليس «فوزية البرجوازية»    4 أبراج ما بتعرفش الفشل في الشغل.. الحمل جريء وطموح والقوس مغامر    "رصدته كاميرات المراقبة".. ضبط عاطل سرق مبلغا ماليا من صيدلية بالقليوبية    استشهاد شاب فلسطينى وإصابة 2 بالرصاص خلال عدوان الاحتلال المستمر على مخيم نور شمس شمال الضفة    طريقة تحضير بخاخ الجيوب الأنفية في المنزل    اقتصادية قناة السويس تشارك ب "مؤتمر التعاون والتبادل بين مصر والصين (تشيجيانج)"    ضبط 14799 مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    كشف لغز بلاغات سرقة بالقاهرة وضبط مرتكبيها وإعادة المسروقات.. صور    للبقاء مدى الحياة؟ سكاي: بايرن يجهز عرضا لتمديد عقد موسيالا    رضا عبد العال يعلق على أداء عبد الله السعيد مع الزمالك    فتح ممر إنساني نهاية إبريل.. إعلام عبري: عملية رفح محسومة والسؤال عن توقيتها    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024 وعدد الإجازات المتبقية للمدارس في إبريل ومايو    موعد مباراة الترجي وصن داونز بدوري أبطال أفريقيا    الجامعة العربية توصي مجلس الأمن بالاعتراف بمجلس الأمن وضمها لعضوية المنظمة الدولية    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"سر المعبد" بين ماسونية الهضيبي وعلامة رابعة.. والافتراء على الشيخ الغزالي
نشر في محيط يوم 11 - 10 - 2013

بالأدلة والمستندات: الخرباوي يحرف كلام الغزالي .. ويتجاهل اعتذاره للمرشد الثاني
كتاب "معالم الحق" للغزالي ليس فيه ذكر لانحراف قطب عن طريق البنا..فمن أين أتي الخرباوي بما قال؟
تأثر الغزالي كثيرا حين علم أن الهضيبي أراد أن يدفن مع الفقراء بمقابر الصدقة
"قال لي صديق: أحننت لماضيك ؟قلت: حنيني أبدا إلى العدل والمرحمة!قال: ألم تتناول الهضيبي باللسان الحاد؟
قلت: غضبت فذكرت أسوأ ما علمت.ومن حق الرجل أن أقول عنه: إنه لم يسع إلى قيادة الإخوان ، ولكن الإخوان هم الذين سعوا إليه ، وأن من الظلم تحميله أخطاء هيئة كبيرة مليئة بشتى النزعات والأهواء ..
هذا نص ما كتبه الشيخ محمد الغزالي في كتابه الهام " من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث"..
وللكلمات السابقة أهمية كبرى ونحن نناقش كتاب "سر المعبد" لثروت الخرباوي ، العضو السابق في جماعة الإخوان المسلمين.
الكتاب صدر في 2012 عن دار نهضة مصر ، ويتحدث فيه الخرباوي عن الفترة التي قضاها داخل الإخوان ، حتى تركها عام 2002..
وتناول الجماعة بالعديد من الاتهامات ، لعل أخطرها الزعم بأن الإخوان جماعة نجحت الماسونية في اختراقها.. ورغم أن الخرباوي لم يكن أول من يتهم الإخوان بذلك، إلا العديد من الصحف والمواقع نقلت عنه، وعن كتاب الغزالي، وكأنه الحجة الدامغة.
لاقي "سر المعبد" نجاحا باهرا ، وتوالت طبعاته ، وتهافت عليه جمهور القراء عليه.
وصار صاحبه نجم فضائيات بامتياز.. وحتى الآن، متحدثا عن ماسونية الإخوان، وليس الهضيبي فقط، وماسونية علامة رابعة!!
اعتمد الأستاذ ثروت في اتهامه للإخوان بالماسونية على بعض "الأدلة الاستنباطية" ، وبشكل أكبر على كتاب "قديم" للشيخ محمد الغزالي. لنبدأ الرحلة ، ونقرأ في صفحة 26 من "سر المعبد" ، ونجد الخرباوي يحدثنا عما لفت نظره بأن التنظيم الماسوني يشبه من حيث البناء التنظيمي جماعة الإخوان ، حتى درجات الانتماء للجماعة وجدتها واحدة في التنظيمين !!
هذه الملاحظة تدفعه للعودة إلى الكتاب القديم أو الطبعة القديمة لكتاب الشيخ محمد الغزالي ، ويحمل اسم "ملامح الحق" ، ويتحدث فيه عن أن الهضيبي كان ماسونيا !!
كتب الخرباوي في صفحة 28 نقلا عن كتاب الشيخ الغزالي: "إن سيد قطب انحرف عن طريق البنا ، وأنه لم يشعر أحد بفراغ الميدان من الرجالات المقتدرة في الصف الأول من الجماعة المسماة الإخوان المسلمين إلا يوم قُتل حسن البنا في الأربعين من عمره ، لقد بدا الأقزام على حقيقتهم بعد أن ولي الرجل الذي طالما سد عجزهم , وكان في الصفوف التالية من يصلحون بلا ريب لقيادة الجماعة اليتيمة ، ولكن المتحاقدين الضعاف من أعضاء مكتب الإرشاد حلوا الأزمة ،أو حُلت بأسمائهم الأزمة بأن استقدمت الجماعة رجلا غريبا عنها ليتولي قيادتها.
وأكاد أوقن أن وراء هذا الاستقدام أصابع هيئات سرية عالمية أرادت تدويخ العالم الإسلامي الوليد فتسللت من خلال الثغرات المفتوحة في كيان جماعة هذه حالها وصنعت ما صنعت.
ولقد سمعنا كلاما كثيرا عن انتساب عدد من الماسون بينهم الأستاذ حسن الهضيبي نفسه لجماعة الإخوان ولكنني لا أعرف بالضبط كيف استطاعت هذه الهيئات الكافرة بالإسلام أن تخنق جماعة كبيرة على النحو الذي فعلته ؟ وربما كشف المستقبل أسرار هذه المأساة".
بعد تلك المفاجأة التي يقدمها الخرباوي عن ماسونية حسن الهضيبي وسيد قطب؛ والذي زعم أنه كتب في مجلة "التاج المصري" لسان حال المحفل الماسوني المصري ، وكذلك ماسونية مصطفي السباعي مراقب الإخوان في سوريا ، بعدها يتركنا نمضي عبر صفحات طويلة من كتابه ، ينقلنا من درب إلى أخر ، حتى نحط الرحال في فصل "الماسيو إخواكية" والذي يبدأ من صفحة 229. هنا ، يتحدث الخرباوي عن "شكوكه الاستنباطية" حول اختراق الماسون للإخوان ، فيما لا يملك دليلا حقيقيا يقدمه لجمهوره ، فكل ما يقدمه هو وجود تشابه بين شعار الجماعة وشعار الماسونية!! وكذلك التطابق بين مراسم الدخول في الماسونية وطقوس الانضمام إلى "التنظيم الخاص" للإخوان!!.
في السطور التالية ، نجري مقارنة بين ما كتبه الغزالي وما سطره الخرباوي. من ملامح الحق في البداية نؤكد أن الغزالي لم يصدر يوما كتاب يحمل اسم " من ملامح الحق".. وليس صحيحا أن الإخوان قاموا في السبعينات بتغيير اسمه إلى "من معالم الحق"!!..
فها هي بين أيدينا الطبعة الأولي من الكتاب والصادرة عن "دار الكتاب العربي بمصر" تحمل اسم "من معالم الحق".
ثم عاد الغزالي إصداره في طبعة مزيدة ومنقحة كما جاء على غلاف الطبعة الثالثة الصادرة عن "دار الكتب الحديثة".. وصار اسمه "من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث". الغزالي تحدث عن الهضيبي في فصل حمل اسم "السمع والطاعة" ، وفيه نري هجوما ضاريا من الشيخ على المرشد الثاني لخلاف كان بينهما ، شق صف الإخوان في 1953 ، وكان سببا في فصل الغزالي من الجماعة ، ومعه عبد الرحمن السندي وأحمد عادل كمال وصالح عشماوي وأحمد حسن زكي ومحمود الصباغ.
لكن لا يوجد في الفصل أي ذكر لسيد قطب ولا انحرافه عن توجه الجماعة.. أو ما ذكره الخرباوي في حديثه لأحدي الفضائيات بأن الغزالي قال أن مصطفي السباعي كان ماسونيا!!
نقلب في صفحات الفصل حتى نصل إلى صفحة 267 ونقرأ :"وكان حسن البنا من طراز فريد في دأبه ونصبه ، وكانت ثروته الطائلة من المواهب المتعددة تجعله المالك الأوحد لزمام التوجيه والتنفيذ في شئون الجماعة ، فلم يشعر أحد بفراغ الميدان من الرجولات المقتدرة في الصف الأول من جماعة الإخوان المسلمين إلا يوم قًتل حسن في الأربعين من عمره .... لقد بدا الأقزام على حقيقتهم بعد أن ولي الرجل الذي طالما سد عجزهم...وكان في الصفوف التالية من يصلحون بلا ريب لقيادة الجماعة اليتيمة .
ولكن المتحاقدين الضعاف من أعضاء مكتب الإرشاد حلوا الأزمة ، أو حُلت بأسمائهم الأزمة بأن استقدمت الجماعة رجلا غريبا عنها ليتولي قيادتها.
وأكاد أوقن أن وراء هذا الاستقدام أصابع هيئات سرية عالمية أرادت تدويخ العالم الإسلامي الوليد فتسللت من خلال الثغرات المفتوحة في كيان جماعة هذه حالها وصنعت ما صنعت.
ولقد سمعنا كلاما كثيرا عن انتساب عدد من الماسون بينهم الأستاذ حسن الهضيبي نفسه لجماعة الإخوان ولكنني لا أعرف بالضبط كيف استطاعت هذه الهيئات الكافرة بالإسلام أن تخنق جماعة كبيرة على النحو الذي فعلته ؟ وربما كشف المستقبل أسرار هذه المأساة".
انتهي ما نقلناه عن الغزالي..فأين ما ذكره الخرباوي من أن الغزالي اتهم سيد قطب بالانحراف عن طريق حسن البنا؟!!
ها هو الكتاب بين أيدينا ، الطبعة الأولي والثالثة، ولا يوجد أي ذكر لسيد قطب.ولا نعلم من أين أتي الخرباوي باتهام الغزالي لسيد قطب بالانحراف عن طريق البنا!!
حديث الغاضب
قد يقول قائل: ولكنك أثبت هنا صحة ما كتبه الخرباوي نقلا عن الشيخ الغزالي بأن حسن الهضيبي كان ماسونيا!!لكي ندرك مغزي كلمات الغزالي، لابد من معرفة السياق التاريخي، والأحداث التي حدثت في أوائل الخمسينات من القرن الماضي.
مات حسن البنا مقتولا عام 1949 ، وظل الإخوان بلا مرشد فترة من الزمن، حتى تم اختيار الهضيبي مرشدا، رغم كونه من خارج الجماعة كما رأي الغزالي. كان الغزالي لا يري الهضيبي كفئا للمنصب الخطير، فكتب: " لقد جاء حسن الهضيبي وهو أحدث الناس عهدا بدعوة الإخوان المسلمين ، فأراد أن يكون أقدم الناس فيها بإخراج غيره .. وجاء قزما بين عمالقة .. فشاء أن يكون عملاقا بين أقزام ".. وفي موضع أخر يكتب " وقلت: أما نتخير رجلا له فضل علم وتربية ، ليأخذ بنواصي الإخوان إلى الخير؟".
اختلفت رؤية الرجلان حول العديد من الأمور، ومنها موقف الإخوان من ثورة 1952 ، فقد كان الغزالي يري ضرورة عدم الصدام معها ، ويري الخير في رجالها.. وجرت أحداث سماها الإخوان ب"محاولة الانقلاب على المرشد" نهاية عام 1953 ، وانتهي الأمر بفصل الغزالي من الجماعة ، رغم كونه من القيادات ذات الطراز الرفيع.
وغضب فذكر أسوأ ما علم عن الهضيبي..ولنربط هنا بين حديث الغزالي مع صديق له:قال: ألم تتناول الهضيبي باللسان الحاد؟ قلت: غضبت فذكرت أسوأ ما علمت. وبين كلماته التي اتهم فيها الهضيبي بالماسونية "ولقد سمعنا كلاما كثيرا عن انتساب عدد من الماسون بينهم الأستاذ الهضيبي نفسه لجماعة الإخوان "..لقد سمع الغزالي عن انتساب عدد من الماسون بينهم الهضيبي للإخوان.. سمع ولم يكن يملك دليلا واحدا على ما قاله..وما دفعة ليكتب ما كتب هو الغضب الذي استولى عليه ، فأورده هذا المورد ، ليذكر كل السيئات التي وصلت إلى سمعه عن الهضيبي.
الحاشية المهملة
ولكن: هل أنت تتهم هنا الغزالي بالرعونة والتسرع وإلقاء التهم جزافا؟قلنا أن فصل السمع والطاعة كان هجوما شرسا على الهضيبي.. نقرأ مثلا:" وكما ينسب الفلاحون في ريفنا طائفة من الكرامات الخارقة إلى أصحاب القبور المدفونين في قراهم ، أخذ المضللون من الإخوان يشيدون بكفايات المرشد الجديد .. فإذا اصطاف بالإسكندرية قالوا: يتعهد الدعوة في الثغر ! وإذا ذهب إلى لبنان – لأن هواءها أنقي- قالوا: يحرس قضايا العرب ، ويشجع المرابطين في القدس تجاه اليهود !.... وإذا اختفي عن العيون قالوا: أوي إلى الغار كما أختفي النبي صلي الله عليه وسلم في أعين الكفار.. وطبيعي أن رجلا من هذا الطراز المحظوظ لن يضمر في نفسه إلا التنقص لكل ذي مكانة أو قدرة في جماعة الإخوان المسلمين.
ذلك أنه لم يأت عن تقدير للسبق والوفاء ، وبعد الهمة وعموم النفع فكيف يقدر صفات لم ينظر إليها قط عند استجلابه؟." عند هذه النقطة وضع الشيخ الغزالي علامة تشى إلى وجود تعقيب منه أسفل الصفحة ، أهمله الخرباوي تماما .. يقول الغزالي في الحاشية المهملة:" في هذه الصفحات مرارة تبلغ حد القسوة ، وكان يجب ألا يتأدى الغضب بصاحبه إلى هذا المدى ، بيد أن ذلك – للأسف – ما حدث ، وقد عاد المؤلف إلى نفسه يحاسبها وتحاسبه في حديث أثبته آخر هذا الباب".
فالغزالي كان سريع الغضب..يقول الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه " الشيخ الغزالي كما عرفته ".."صحيح أنه أخُذ على الشيخ أنه سريع الغضب ، وأنه إذا غضب هاج كالبحر ، حتى يُغرق ، وثار كالبركان حتى يُحِرق !
وقد ظهر هذا في خلافه مع الأستاذ الهضيبي – المرشد الثاني للإخوان – وما كتبه عنه في مجلة الدعوة ، ونشر في كتابيه "في موكب الدعوة " و"من معالم الحق".
وهذا ما لا يجحده الشيخ الغزالي ، وما يعلمه من نفسه ، ويعلمه من عايشه وعاشره....ثم إن من صفات الشيخ الغزالي أنه – إن كان سريع الغضب – فهو سريع الفيء ، رجاع إلى الحق إذا تبين له ، ولا يبالي أن يعلن خطأه على الناس علانية ، وهذه شجاعة لا تتوافر إلا للقليل النادر من الناس.
فهو شجاع عندما يهاجم ما يعتقده خطأ ، شجاع عندما يعترف بأنه لم يحالفه الصواب فيما كان قد رآه".
حديث النفس والعودة
لكن ما هو الحديث الذي أثبته الغزالي في نهاية الفصل، ويهدم ما يقوله الخرباوي بأن الشيخ الغزالي لم يعتذر للهضيبي، وأن الإخوان هم من قاموا بحذف كلماته عن المرشد؟.
في نهاية فصل "السمع والطاعة" يقول الغزالي:"هممت - غير مرة – أن أطوي هذا الذي كتبته في السمع والطاعة بعد الأحداث الجسام التي قرعت أبناؤها الآذان ، وأغنت مرارتها عن كل تبيان.لكني آثرت أن أرويها كما وقعت في إبانها لأمور:منها إنصاف الحقيقة العارية ، وذكرها للتاريخ العدل. فلعل المتأمل فيها بعد انقضائها يجد فيها معاني لا نٌدركها – نحن المعاصرين لها.
ومنها قمع الغرور الذي يستولي على أغلب العاملين في البيئات الدينية ، فيشط بعضهم بعيدا عن مرضاة الله وعن إقناع العقلاء ..... " الفقرات التي أثبتناها للشيخ الغزالي ، مر عليها الأستاذ ثروت الخرباوي تماما ، رغم أنني أنقل من الطبعة الأولي للكتاب والتي صدرت في منتصف الخمسينات من القرن الماضي.
وفيها يقول الشيخ بأن أراد أكثر من مرة أن يطوي ما كتبه في فصل "السمع والطاعة" مبينا أن سبب رغبته في طي ما كتبه "بعد الأحداث الجسام التي قرعت أبناؤها الآذان ، وأغنت مرارتها عن كل تبيان" دون أن يوضح صراحة ما هي تلك الأحداث؟هل يقصد الاعتقالات التي أصابت الإخوان ، وكل معارضي النظام الحاكم آنذاك؟! هل يقصد السجون التي فتحت أبوابها اللعينة تستقبل كل من يهمس بكلمة معارضة للحاكم الفرد؟ وفي الطبعة الثالثة أعاد الغزالي إثبات الفقرات السابقة ، وأضاف إليها كلمات في منتهي الأهمية ، وأيضا نالت تجاهل الأستاذ الخرباوي.
" ومضت سنون عجاف ، واستمكنت القوي الشريرة من خناق الإسلام ، وغاب في ظلمات السجون ألوف وألوف من الشباب المؤمن بربه ، الغيور على دينه ، وخلا للشيطان الرجيم يذرع البلاد شرقا وغربا دون تهيب أو خشية ..وانقطع الهتاف لله ، وانطفأ الحماس للحق ، وتقلب في مهاد الذل من أعلي ولاءه للقرآن ونبيه ، واصطلح الإلحاد والشرك على سحق التوحيد ورجاله ، وأمسي الانتماء للإسلام مثلبة تنكس الرءوس ، وتبيح الأعراض ، وترخص الحرمات..!!
ونظرت فإذا وجه الحياة دميم ، وملامح المجتمع منكرة ، وأزمة الإيمان طاحنة ، وتذكرت قول أم المؤمنين عائشة:ذهب الذين يعاش في أكنافهم .. وبقيت في خلف كجلد الأجرب" الآن.. وبعد أن إبان الغزالي عن تعاطفه مع الإخوان في محنتهم..يقدم اعتذارا صريحا للهضيبي..اعتذار كتبه في عام 1963 .. في قمة قوة العهد الناصري..اعتذر للهضيبي الذي شن عليه حربا في فصل "السمع والطاعة" فكانت كلماته كنيران البركان تحرق وتشوي.. وبعد أن استكانت النفس..وزال الغضب..وانكشفت السحب القاتمة.. وبدت من ورائها شمس الحقيقة..وعرف أن الهضيبي كان على الحق فيما اختلفا عليه..فكتب الغزالي يقول: "قال لي صديق: أحننت لماضيك ؟قلت: حنيني أبدا إلى العدل والمرحمة!قال: ألم تتناول الهضيبي باللسان الحاد؟ قلت: غضبت فذكرت أسوأ ما علمت.
ومن حق الرجل أن أقول عنه: إنه لم يسع إلى قيادة الإخوان ، ولكن الإخوان هم الذين سعوا إليه ، وأن من الظلم تحميله أخطاء هيئة كبيرة مليئة بشتى النزعات والأهواء ..ومن حقه أن يعرف الناس عنه أن تحمل بصلابة وبأس كل ما نزل به ، فلم يضرع ولم يتراجع ، وبقي في شيخوخته المثقلة عميق الإيمان ، واسع الأمل حتى خرج من السجن ..الحق يقال.. إن صبره الذي أعز الإيمان ، رفعه في نفسي , ويغفر الله لنا أجمعين ...!" أي كلمات تُكتب بعد الذي قاله الغزالي في حق الهضيبي؟.. بعد محنة السجن ويقص علينا الشيخ يوسف القرضاوي هذا الموقف ، الذي حكاه له الدكتور مالك الشعار، القاضي الشرعي بلبنان .. قال : كنا في جنازة أظنها كانت لزوجة الإمام الشهيد حسن البنا ، والتقي فيها الأستاذ الهضيبي والشيخ الغزالي ، فما راعني إلا رأيت الغزالي ، يحاول أن يمسك بيد الهضيبي ، يريد أن يقبلها .. والهضيبي يأبي ، والشيخ يصر ، فازددت والله إكبارا وإجلالا للغزالي على هذا التواضع العجيب ، مع أنه كان في ذلك الحين ملء الأسماع والأبصار.
ولكن هكذا تكون أنفس الدعاة الكبار! وكان مما هز الشيخ الغزالي وقدره من مواقف الأستاذ الهضيبي ، أنه أوصي في مرض موته أن يدفن في مقابر الصدقة ، التي يدفن فيها الفقراء والغرباء ! وهو من هو في منزلة ومنصبا وجاها. فإنما إن دل على شيء يدل على أن الرجل من الله بمكان أي مكان!
وقد سجل هذه المأثرة للرجل الكبير ، مقدرا ومتأثرا في بعض كتبه فقال:من أيام مات الأستاذ حسن الهضيبي وبلغتني وصيته: لقد أوصي أن يدفن خفية ، لا إعلان ولا مواكب , وطلب أن يواري جثمانه في مقابر الصدقة..وعقدت لساني دهشة , وأنا أسمع العبارة الأخيرة في مقابر الصدقة!
إنني أعرف حسن الهضيبي ، وقد أصلحت ما بيني وبينه قبل أن يموت بنحو عامين.. في نفس هذا الرجل ترفع وأنفه لا يتكلفها ، وهو إذا اعتقد شيئا استمات فيه دون لف أو مكر..قلت: ولم مقابر الصدقة؟!ولم يغب عنى الجواب.
لقد كان مستشارا راسخ المكانة، رفيع الهامة.لو اشتغل بمهاجمة الشريعة الإسلامية لنال جائزة الدولة التقديرية التي نالها غيره. ولو خدم الغزو الثقافي لعاش في شيخوخته موفور الراحة , مكفول الرزق.
ولكنه خدم الإسلام ، فتجرع الصاب والعلقم ! طعن مع الدين الجريح . وأهين مع الدين المهان! فأراد أن تصحبه هذه المكانة في منقلبه إلى الله !فليدفن في مقابر الصدقة مع النكرات التي لا يباليها المجتمع!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.