قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء"رواه مسلم، "الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي"(الزيادة للترمذىّ) صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقد بدأ الإسلام غريبا في مكة، دون ناصر أو معين إلا الله، وعزم رسوله صلي الله عليه وسلم علي المضي في الطريق مهما كانت العقبات، و كان ما كان من محن وابتلاء، ثم كان ما كان من النصر والتمكين حسب وعد الله سبحانه "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض" النور 55، ثم كان التوسع والانتشار في الأرض، والثروة والقوة و المنعة، ومعها العلم و الفقه والحديث. ذلك إبّان الدولتين الأموية والعباسية الأولي. وفي تلك الأثناء، في تخف واستحياء حينا، وفي إسفار وتحدّ اكثر الأحيان، بدأت البدع تتخذ طريقها إلى عقول الناس وحياتهم عجبا! ففي القرن الأول أطلّت بدعة الخروج برأسها، وفي القرن الثاني ظهرت بدعتيّ الاعتزال والإرجاء، وبدأت بوادر الصوفية تظهر في طبقة الزهاد والعباد. وما أن طرق القرن الثالث أبواب الزمن حتى كانت كل تلك البدع قد بدأت تعمل عملها المدمر، وتنخر في البنيان الإسلامي المكين. ثم أخذت السنن الربانية طريقها المقدور، وبدأت غربة الإسلام تزداد مع انتشار البدع وانحسار السنن، ثم حلّت الطامة حين انحسرت شمس الخلافة عن أرض الإسلام، وانهارت الدولة العثمانية. هنالك انضاف الانحراف السياسيّ إلى الانحراف الفكريّ، وتآمرت الحكومات مع أصحاب الفكر الفاسد ليجعلوا المسلم أكثر غربة في أرضه وبين أهله وشيعته، فكان الزمان زمان الغربة بحق. ثم انضاف إلى ذلك الأمر من فساد الزمان، ما في البلاد من وسائل الفسق والإفساد مما يحرم فيها وذريته، من دواعيّ الصلاح والإرشاد، فكان المكان مكان الغربة بحق. اجتمعت الغربتان، إذن، علي المسلمين، غربة الزمان وغربة المكان، فأصبحوا يعانون من الغربة بكل ما تحمل الكلمة من معان، خاصة في هذه الأيام التي اختلط فيها الحابل والنابل، وضاعت معالم الحق، وصار المعروف منكرا والمنكر معروفا. لهذا فقد وجب علي المسلمين، أن يعملوا جهدهم ليزيلوا آثار هذه الغربة المضاعفة ما استطاعوا. والطريق إلى ذلك هو الالتصاق بالمسجد قدر الطاقة، بالمداومة علي الصلاة في الجماعة، لمن يقدر عليها، وحضور الجلسات والحلقات العلمية و المحاضرات، للاستزادة من المعرفة، فقد صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: ""ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة" رواه مسلم، ومساعدة المسلمين ما استطاع إليه سبيلا، فان الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. ثم هل أدلكم علي أمر يقيم صرح الأخوة، وينفي الغربة، ويقصّر الطريق، أن يكون المسلمون عملهم خالصا لله سبحانه، دون وساطة من ابتغاء الدنيا بمالها وسلطانها، فإن خلط عمل الدنيا بالآخرة لا يأتي بخير، وإنما هو خدعة من خدع الشيطان يخلط فيها الأوراق، ويهيئ للمسكين الذي يقع في هذه الخدعة أنه إنما يؤدى عملا لله ولا بأس من يكون له نصيب من الدنيا عن هذا الطريق، كراتب شهريّ أو غطاء لمشروع شخصي أو ما شابه من هذا البلاء الدنيوى، وللشيطان في إمرار هذه الحيل ما لا يرده إلا أولوا عزم، وكم من ذوى النيات الحسنة انزلقوا في هذا المنحدر. أي، والله، إن هذا لهو الطريق ...إخلاص النية لله ثم صالح العمل وإن لنا لرجعة إلى ذلك الأمر إن شاء الله تعالي.