تلقيت تهديدًا بالقتل بسبب الزمالك.. ومتمسك بموقفى تجاه «أبوتريكة».. و«كلب» وراء مواظبتى على صلاة الفجر بين رسومات الكاريكاتير و"قفشات" الأفلام عثرنا عليه، فكل شبر في المكان تتجلى فيه بصماته بوضوح، فمن بداية الممر الرخامي المحاط برسوماته الساخرة وتوقيعه المميز، نهايةً بمكتبه المضيء بروح صلاح شاهين، ومصطفى حسين.. وغيرهما، استقبلنا عمرو سليم، ببسمته الودودة، وروحه الشابة، فشتان بين سخريته من الواقع الأليم الذي نعيشه وما يرسمه بقلمه الساحر، فإبداعه وروائح الزمن الجميل أضفى روحًا خاصة على الحوار معه. يقول إن عمله كرسام للكاريكاتير جاء بالصدفة البحتة، "فبعد تخرجي في معهد السينما قسم إخراج ورسوم متحركة، قمت بعمل فيلم اسمه "الدار" عن القضية الفلسطينية، وأخذت الجائزة الأولى في مهرجان القاهرة السينمائي، ثم فكرت في السفر إلى الخارج، لكن والدي كان له رأى آخر، فهو كان رئيس القسم السياسي والتحقيقات الصحفية بمجلة "روزاليوسف"؛ لذا اقترح علي العمل في مجال الصحافة، وقد كان، لكن أول عمل كاريكاتير باسمي كان أيضًا عن طريق الصدفة، عندما طلبت مني شركة دعاية وإعلان، عمل بعض الرسومات الخاصة بها، ففوجئت بأنني أجيد رسم الكاريكاتير الساخر، بل من الممكن أن أجني من ورائه أموالًا طائلة، ومن هنا كانت نقطة انطلاق موهبتي للنور". كانت بداية معرفة الناس به من خلال رسوماته وأعماله الساخرة على صفحات مجلة "روزاليوسف"، والتي كان يشتغل إلى جانب العمل فيها بجريدة "الدستور".. ويتذكر عدما طلب منه عبدالله كمال رئيس تحرير "روزاليوسف" حينها، عمل قسم "كاريكاتير" طبق الأصل من المتواجد في صحيفة الدستور، قائًلاً لي بالنص: "هنعمل اتفاق جنتل مان مع بعض، مبارك وأولاده والجيش خط أحمر، غير ذلك فأنت حر". وعلى الرغم من سقف الحرية المرتفع في سنوات ما بعد ثورة 25يناير، إلا أن التجربة الأصعب بالنسبة له كانت إبان حكم "الإخوان"، فتلك الفترة يرى أنها "أكثر الفترات العصيبة التي مررت بها، رسام كاريكاتير، أثناء فترة حكم مبارك، يعامل ك"رسام معارض"، أما مع تحول حكم مصر إلى ديني، في عهد الإخوان، فقد تم تصنيفي على أنني "كافر"، وحُذفت 4 أو 5% من أعمالي وقتها، لكني أعترف بأنني كنت مسلط الضوء في رسوماتي بشكل خاص على محمد مرسي". أما في عهد مبارك، فيقول إنه "وُجه ضدي بلاغ بإهانة رئيس الجمهورية، من قبل أحد المحامين، والمفاجأة أن البلاغ لم يوجه ضد الكاريكاتير الذي رسمت فيه "قفا مبارك"، كما يُقال، بل كان عن كاريكاتير آخر، لكن الجميل في الأمر أن وكيل النيابة تعامل معي بشكل راقٍ، وأشعرني أنه مساند لي، فهو قال لي، "هوجهلك اتهام أد الدهية بس متترعبش"، ثم جلس يحقق معي لمدة 3 ساعات، وبعدها حُفظ المحضر، وهذا كان أقصى شيء حدث لي أيام "مبارك"، وهو ما يجعلني أندم على هذه الفترة، فكانت أرضًا خصبة بالنسبة لعملي رسام كاريكاتير". ويكشف عن واحدة من أغرب المواقف التي مر بها في عهد مبارك، "تلقيت مكالمة من الإعلامية منى الشاذلي لي، وقالت بالنص "دكتور زكريا عزمي كلمني وقالي خلى عمرو يهدي شوية، وهو بيهاجمنا ليه كل يوم، بس طمنيه أنه مفيش أي حاجة ضده"، وهو ما أدهشني، فلم تكن هناك علاقة تربطني من بعيد أو قريب ب"زكريا عزمي"، لكن هذا الأمر لم يجعلني أتوقف عن الرسم بل استغللت ذلك، وأخذت أعمل كل يوم "كاريكاتير" أقوى من قبل، وهو شيء يجب أن أشكر عليه جريدة "المصري اليوم". لكن رسام الكاريكاتير يستطيع في كل الأحوال التغلب على القيود التي قد تفرض عليه، وهو أمر لا ينكره سليم: "عند النظر إلى الجيل الذهبي للكاريكاتير في مصر في فترة الستينيات، نجد أن هؤلاء العباقرة تحايلوا على الرقابة وقتها ونجحوا في ذلك، بل أخرجوا لنا أعمالًا شديدة السخرية، والمعارضة تعلمنا منها، ويمكن حتى إعادة نشرها الآن وستكون معبرة للغاية، فإذا كانوا هؤلاء تحايلوا على ما هو أصعب، فنحن بالتأكيد نستطع ذلك". وربما بسبب هذا التأثير، يفسر سليم في بعض الأحيان حجب الكاريكاتير لأنه صداه أقوى لدى الناس، ويمثل إزعاجًا أقوى من المقال، "لذا عند سؤالي دائمًا "لماذا لم تحذف مقالات تحدثت مثلًا عن "غلاء البنزين" بينما يحذف كاريكاتير لنفس السبب"، أقول لهم "لأن الكاريكاتير أوضح ويصل للشارع بشكل أسرع ويشاهد أكثر من المقالات والأخبار". سليم المعروف بانتمائه الكروي للزمالك لا يفوت هجومًا ضد غريمه الأهلي وهو ما تكرر مرارًا، لكن رسوماته الهجومية ضد محمد أبوتريكة تعد هي الأشرس وتغضب كثيرًا من محبي اللاعب السابق، الذي يتمتع بشعبية هائلة بين المصريين. إلا أنه لايزال مصرًا على موقفه منه، "عدم نزوله إلى مصر عند وفاة والده، لم أستطيع تمريره له، فمن وجهة نظري، أن الأفضل أنه كان يحضر عزاء والده، حتى لو كان سيقبض عليه؛ لأنه بالتأكيد لن يبقي طوال عمره في السجن، فالأب لن يموت سوى مرة واحدة في العمر، فضلًا عن أنه إذا نزل وقتها كان سيكسب تعاطف الجماهير". وكشف سليم عن تعرضه لتهديد عقب رسمه ل"كاريكاتير" ضد الزمالك، "فوجئت برئيس الزمالك يتصل بي في يوم وهددني بالقتل، فأغلقت المكالمة، ولم اهتم بكلامه وقتها، لكن أصدقاء لي نصحوني برفع قضية ضده لحفظ حقي". على الرغم من النجاح الكبير الذي حققه وانتشاره الواسع في، لكن سليم يقول: "أحد أكبر أحلامي عمل "جورنال" يومي سياسي ساخر، برسومات الكاريكاتير فقط، وهذا الحلم كان طور الإنشاء أثناء عملي مع إبراهيم عيسى في الدستور، فهو كان يفكر في نفس الاتجاه، فخلال فترة عملي هناك كنا نقوم بعمل ما يعادل 70 "كاريكاتير" في العدد الواحد، فكنت أحرص على عمل تجربة تشبه مجلة "صباح الخير" في الدستور، لكن هذا الحلم يتوقف الآن على ناشر أو ممول". وحول الكلب الذي يستخدمه في رسوماته الكاريكاتورية، يعتبره سليم رمزًا للمعارضة، "فأنا لديّ قصة عشق مع الكلاب بشكل شخصي، وأنا لدي كلب في المنزل، وفي أحد الأيام جاء هذا الكلب وأخذ يتمسح في قدمي وقت أذان الفجر، ومن حينها وأنا أواظب على صلاة الفجر حاضرًا في المسجد".