هل الرئيس محمد مرسى "واهم" فى مقترحه خلال القمة الإسلامية فى مكة بشأن حل الأزمة فى سوريا؟ للتوضيح هى لم تعد أزمة كما يروج النظام المجرم، بل هى حرب إبادة يشنها على شعب يطالب بالحرية، فالمجازر متواصلة ومتصاعدة منذ أكثر من عام ونصف العام، وقد بلغ ضحايا أحدث مجزرة فى "داريا" 440 شهيدًا.. تقديرى أن مرسى "حالم" و"واهم" بالفعل بإمكانية الوصول لحل بمقترحه تشكيل لجنة رباعية تضم إلى جانب مصر كلا من إيران والسعودية وتركيا، وجود إيران بالذات بموقفها الداعم بقوة للأسد كفيل بعدم التوصل لأى حل، بل إدخال هذه اللجنة فى فاصل جديد من استهلاك الوقت بينما القتل مستمر، اللهم إلا إذا كانت لدى مرسى إشارات من طهران بالتجاوب معه، لكن ما يدفع للتشاؤم أن تصريحات الإيرانيين حتى اللحظة غير مبشرة حيث تشدد على ضرورة دعم بشار وعدم السماح بإسقاطه، فهل هى مجرد تصريحات بينما ما يجرى فى الغرف المغلقة شيء آخر؟، بمعنى هل أيقنت طهران أن حليفها مآله السقوط بعد الإصرار الإعجازى للثوار بمواصلة النضال مهما كانت فداحة التضحيات؟، وهل أيقنت أيضًا أن بشار بآلته العسكرية غير قادر على الحسم رغم تجاوزه كل الخطوط الحمراء فى استخدام الأسلحة الثقيلة والطائرات فى ارتكاب المجازر؟، وهل أيقنت كذلك أن شعبيتها عربيًا وإسلاميًا ومعها أداتها حزب الله صارت فى الحضيض، بجانب تزايد عزلتها وتفاقم أزماتها الداخلية جراء الحصار الغربى عليها؟. لكن هل يمكن أن تضحى إيران بحليفها الاستراتيجى فى المنطقة والذى من خلاله تمددت وهيمنت وسيطرت وعظمت من قدرات حزب الله مقابل علاقات جيدة مع مصر، أو تحالف معها ؟، وهل إذا تم ذلك لها فى القاهرة يمكن أن يعوض خسارتها فى دمشق؟، وهل تضمن استمرار العلاقات الجيدة، أو التحالف، إذا تغير مرسى، فى بلد لم تعد صناعة القرار فيه حكرًا على شخص الرئيس، بل هناك مؤسسات، ورأى عام، ومجتمع مدني، وعلاقات وحسابات عربية ودولية متشابكة ومعقدة، بعكس سوريا حيث حكم الفرد الذى يقيم تحالفات مع أى نظام دون اعتبار لرغبات الشعب أو المؤسسات؟. تقديرى أن مبادرة مرسى قد تكون قفزة فى الهواء، وسلبياتها أن طهران ستستثمر ذلك التحرك الجديد العقيم بالادعاء أن هناك حلولاً سياسية تبحث للتخفيف من الضغوط على حليفها، وربما كسر عزلته العربية، والخطير أن دول المركز فى المنطقة ستجد نفسها من حيث لا تريد توفر غطاء للنظام فى مواصلة مجازره، والخوف من تخلخل الإجماع العربى - باستثناءات محدودة - بضرورة رحيل الأسد حسب مبادرات وقرارات الجامعة، كما سيكون ذلك خذلاناً للثورة ولنضالها وللشهداء الذين يتساقطون بينما الواجب يحتم عدم استهلاك مزيد من الوقت دون فائدة والضغط لتشكيل موقف دولى جاد لإنقاذ الشعب بأحد أمرين هما: 1- التدخل العسكرى خارج مجلس الأمن. 2 - إذا كانت أمريكا لا ترغب، أو تخشى التدخل، فالبديل الذى تأخر طويلاً هو إقامة مناطق آمنة محظورة على الطيران السورى، وتسليح الجيش الحر، وعندئذ لن يصمد الأسد أيامًا. ما يحلم به مرسى لن ينتج شيئًا لأن هناك اقتراحات ومبادرات كثيرة سبقت ما يقوله اليوم طرحتها الجامعة العربية، ومجلس الأمن، ومؤتمر جنيف، ومؤتمرات أصدقاء سوريا، و"التعاون الإسلامى"، علاوة على نصائح بلدان عربية ودولية وبعضها كان على علاقة طيبة بالنظام السورى وتأثيرها عليه أكبر من مصر لكنه لم يتجاوب معها، بل كان يتظاهر بالموافقة ثم يتعمد إفشالها بنهجه الأمنى الدموى لأنه ينكر أساسًا أن هناك شعبًا له مطالب كانت إصلاحية فى فترة، ثم لما لم يستجب لأى منها وواصل القتل فإن الشعب صعد مطالبه إلى إسقاط النظام، وحتى اليوم ورغم الانشقاقات العسكرية والسياسية فى صفوفه إلا أنه لا يرى ما يحدث غير مجموعات إرهابية مسلحة تنفذ مخططًا كونيًا تديره إسرائيل وأمريكا يستهدف سوريا والمقاومة، وهو نفس المنطق الذى تتبناه إيران التى يغازلها مرسى ويتصور أنها ستكون جزءًا من الحل وليس المشكلة!. أى حل حقيقى مقبول لا بد أن يبنى على رحيل الأسد عن السلطة، بينما الأسد وحليفه الإيرانى ليسا فى وارد قبول ذلك، وطهران لا ترى سوريا بقيادة جديدة تفقد معها نفوذها فيها حيث لن تسلمها البلد كما فعل الأسد، لأن تمددها فى المنطقة سيتوقف كما ستفقد الحماية لأداتها حزب الله، وما استثمرته إيران طوال 30 عامًا فى سوريا ولبنان يصعب أن تفرط فيه اليوم فى لحظة من أجل عيون مرسي، أو التقارب مع مصر. وعندما تقول إيران إنها ستطرح على قمة عدم الانحياز مبادرة مغرية لحل الأزمة يصعب رفضها فلا يتوقع أن يكون أول بند فيها استضافتها للأسد، بل هى ستبنى على أساس بقائه وإطلاق حوار بينه وبين المعارضة، وهو نفس الكلام الذى طرح عشرات المرات، ولم ينتج شيئاً، فالأسد لن يتزحزح عن مكانه لأنه يعتقد أن سوريا ملكية خاصة له، والثوار والجيش الحر وصلا إلى مرحلة يستحيل عليهم فيها الموافقة على حل مع بقاء الأسد خصوصًا مع كل الدماء التى تسيل. لا ينسى مرسى أنه رئيس ينتمى للإخوان المسلمين، وإخوان سوريا هم جزء من المعارضة التى تقاتل الأسد، والإخوان هم الذين سحقهم الأسد الأب فى مجزرة حماة 1982، ويعتبرهم النظام البعثى أشد أعدائه، ومجرد الانتماء للإخوان عقوبته فى سوريا الإعدام، والأسد لم يهنئ مرسى بالفوز لأنه إخوانى، فهل يعقل أن يتجاوب معه؟. الموقف المصرى تجاه الثورة السورية غاية فى الرداءة سواء فى عهد المجلس العسكرى، أو فى عهد الرئيس الثورى حيث لم يتطور ولم ينصف الدم السورى للآن، بل كان مخزيًا عندما قالت القاهرة قبل قمة مكة إنها ضد التدخل العسكري، ولو من باب الضغط، وهو موقف لا يليق بمصر الثورة التى أسقطت طاغية بينما طاغية دمشق أشرس وأكثر قمعًا وسفكًا للدماء بالوراثة.