صاحب محل أسماك: «لازم كلنا نقف مع بعض عشان خاطر البلد تتقدم.. لأن البلد دى لو وقعت إحنا كلنا هنتبهدل» أم أحمد: «بنتاجر مع الله وبنقدم كل يوم صنف مختلف».. والمترددون: «حتى لو عايزين وجبتين بيدونا» مطعم سورى ب 6 أكتوبر يخصص ركنًا للوجبات المجانية محل فى «أبوقير»: كشرى وحواوشى مجانًا للمحتاجين صاحب مطعم «وصاية»: أرباحى لم تتأثر بل بالعكس فى ازدياد يصطف العشرات من الفقراء والمحتاجين أمام أبواب مسجد السيدة زينب فى انتظار المحسنين وأصحاب النذور، قد يكون النذر "رغيف لحم" أو "فول نابت"، ليس مهمًا ما يحمله، لكن الأهم أنه يسد رمق جوعهم ويكفيهم شر تسول الطعام. إلا أن هناك من يكفى هؤلاء ذل السؤال والانتظار بالساعات أمام أبواب المسجد في انتظار الطعام، بلا أي مقابل، فقط ابتغاء الأجر من الله تعالى وحده. "نطعمكم لوجه الله.. لا نريد جزاءً ولا شكورًا.. لوجه الله تعالى وجبة غدا.. وجبة عشا طوال العام"، كلمات بسيطة خطت على ورقة على مدخل محل بسيط لبيع الأسماك واللحوم والمحل يحمل اسم "كافيار"، ليس بعيدًا عن مسجد السيدة زينب، وقريبًا من مسجد أحمد بن طولون، وتحديدًا أمام مدرسة بن طولون للتربية الفكرية بعد مستشفى "الحوض المرصود". المتاجرة مع الله "بنتاجر مع الله".. قالتها "أم أحمد"، وهي شابة ثلاثينية مسئولة عن المحل وتوزيع الوجبات، لديها طفلان أحمد وندى، تقول إن صاحب المطعم وهو أحمد موسى (40 عامًا)، يرفض تمامًا الظهور الإعلامى أو التحدث عن الخير الذى يقوم به. وتشير إلى أنه يتمنى أن تنتشر الفكرة بين أصحاب المحلات، إذ أنه دائمًا يقول: "لازم يتكاتف الجميع لمساعدة الفقراء، لازم كلنا نقف مع بعض عشان خاطر البلد تتقدم، لأن البلد دى لو وقعت إحنا كلنا هنتبهدل، ولو الناس كلها محطتش إيديها فى إيد بعض لله وساعدنا بعضنا كلنا هنقع، ولو كل صاحب مطعم طلع على الأقل 10 وجبات فى اليوم اللى هما هيتحسبوا عليه بسعر الجملة مش هنلاقى فقير ولا مشرد فى الشارع". بداية الحكاية قصة الوجبات المجانية - كما تروي - "بدأت قبل نحو 7 أو 8 سنوات، كان في البداية محلًا لبيع الأسماك المشوية وعندما أكرم الله الحاج (أحمد)، صاحب المحل ورزقه زاد، دارت برأسه فكرة وهى أن يتاجر مع الله وأن يجعل هناك نصيب للفقراء من أمواله وكانت أفضل طريق هى الوجبات المجانية التى يحتاج إليها الناس أكثر من غيرها، فطبيعى أى حد ربنا يرزقه بشغل لازم يطلع حاجة لله، كنا شغالين سمك وطلعنا وجبات بسيطة من السمك، والوجبات دى حاجة أساسية عندنا، لكن فكرنا مش معقول كل يوم سمك، فعملنا بالمحل جزء خاص بالوجبات، وأصبحت شيئًا أساسيًا عندنا كل يوم". وتكمل قائلة: "كل يوم صنف أكل مختلف، المهم لازم كل يوم يكون فيه وجبة مختلفة، زى أى بيت مصري، وفى رمضان بنطلع أكثر من 100 وجبة فى اليوم". طاهى الوجبات "أم أحمد" تقول إن المسئول عن الوجبات هو "أبو خالد"، وهو يقوم بتجهيزها يوميًا، فهو يبدأ في عملية الإعداد لها في ساعة مبكرة من الصباح حتى تكون جاهزة ويتسلمهت الناس بعد صلاة الظهر، وينتهي الغداء بعد صلاة العصر ثم نستعد لوجبة العشاء التي تنتهي عندما نغلق المحل في الساعة 9 أو 10 مساء، حسب إقبال الناس، وبنعمل أكل بزيادة عاملين حسابنا على 100 وجبة يوميًا، ولو حسينا قبل العصر أن الأكل هيقل بنعمل كمالة عندنا مطبخ جوه فى عينين كبار بنجهز بسرعة ونكمل الأكل للناس". زوار المحل دائمًا متجددون "فيه سكان من المنطقة متعودين ييجوا كتير عندنا وخلاص عرفناهم لكن كمان فى ناس من بره بيكونوا عابرى سبيل بييجوا ياخدوا نصيبهم، اللى بييجى مش بنسأل وراه محتاج ولا لأ طالما طرق بابى مش هسأله صادق ولا لأ، إحنا بنعمل علشان خاطر ربنا، يمكن ربنا بيرزقنى علشان بدى للناس، واللى بييجى ممكن يكون وحيد ياخد وجبة واحدة أو سيدة لها أسرة بديها بعدد أفراد أسرتها". تؤكد "أم أحمد"، أن الوجبات التى يتم تجهيزها ليست بالضرورة "غالية" أو مكلفة، قائلة: "مش بنعمل جمبرى ومش بنعمل سمك كل يوم، لكن ممكن يوم مكرونة باللحمة المفرومة، ممكن خضار بلحمة برز بمخلل ورغيفين عيش، كفتة وعيش ومخلل، وعدس، وهنعمل كشرى قريب، ممكن يوم فراخ ويوم سمك ويوم عدس يوم بطاطس مهروسة بالبيض ممكن سجق إسكندرانى الأكل بتاعنا الحرش، أكل البيت المصرى العادى مش كل يوم بياكل لحمة وفراخ المهم كل يوم أكل مختلف والله لما بنعمل عدس الناس بتبسط أوي، الأكل أهم حاجة نضيف وطعمه حلو، إحنا بناكل من الأكل اللى بنطلعه وجبات للناس". نرفض التبرعات وتقول "أم أحمد": "نرفض التبرعات من أى إنسان ونقول لمن يريد التبرع.. فيه 600 باب وطريقة ممكن تساعد بيها الناس ومش مساعدة لا ده من فضل ربنا اللى عايز يساعد يعمل هو بنفسه اللى يقدر عليه، هى حاجة إحنا بنعملها بينا وبين ربنا، وربنا بيسخرنا علشان نساعد الناس، وربنا كارمنا من فضله الحمد لله وده أقل واجب ممكن نعمله ونرد بيه فضل ربنا علينا". وجهت "أم أحمد" رسالة خير إلى من هو فى استطاعته مساعدة الناس أن "يلجأ إلى أى باب يتمكن من خلاله من مساعدة الناس واللى عايز يعمل هيعمل باللى يقدر عليه لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، المهم نعمل اللى نقدر عليه". المترددون "تحسبهم أغنياء من التعفف"، قول ينطبق على رواد مطعم الوجبات المجانية، بعضهم يتقدم لأخذ الوجبات فى استحياء وتعفف، والبعض يأخذ دون أن يطلب، لكن تبدو على ملامح الجميع العزة. رفض الجميع التصوير أو حتى ذكر اسمه إلا أن الكل أجمع على أن المكان نظيف ولا يتأخر عليهم حتى لو طلبوا زيادة الوجبة إلى اثنتين أو ثلاثة. وقالت إحدى المترددات: "اللى أنا عايزاه بخده بخد لأولادى كمان، وكل يوم، ومعاملتهم كويسة جدا". وأضافت أخرى: "عمرهم ما قالوا لنا لأ، وفى رمضان بأخذ وجبتين كمان". وتابعت ثالثة: "ناس محترمة جدا فى معاملتهم معانا، والحاج الله يبارك له، دايما بيعاملنا حلو". ويقول سامح ويعمل بقهوة بجوار المحل ل"المصريون": "بنشوف كتير بتيجى تاخد وجبات وعمرهم ما قالوا لحد لأ مافيش، ولا النهارده خلصنا بدري، منتهى الاحترام فى تعاملهم مع الناس، سواء كان الحاج أحمد صاحب المكان ولا عم خالد اللى بيعمل الأكل، أو أم أحمد كلهم ناس محترمة أوى مع الناس". وقال شحاتة صاحب محل لإصلاح الأجهزة الإلكترونية بجوار محل الوجبات: "الراجل بيعمل خير الله ربنا يبارك له، بيأكل ناس كتير ودايما بيتعامل كويس مع الناس اللى بتجيله". 6 أكتوبر "فاعل خير" أما السوري محمد عبد الكريم، وهو صاحب مطعم في مدينة 6أكتوبر، فقد خصص مكانًا داخل المطعم مكتوبًا عليها "فاعل خير"، مخصص للسندوتشات والوجبات المطعم، التي يشترها "الزبون" ومن ثم يتركها فيه، حتى يستفيد منها من يحتاج إليها. ويضع المطعم لوحة كبيرة مكتوبًا عليها "فاعل خير - طعام مجاني - اسحب الإيصال واذهب إلى الكاشير"، وما عليك إلا أن تسحب الوجبة التي ترغب في تناولها، وتذهب إلى "الكاشير"، بدون أن تجرح مشاعرك فقيرًا أو محتاجًا. وقد تجاوب العديد من رواد المطعم مع الفكرة التي بفضلها تم مساعدة العشرات من المحتاجين، وتوفير جميع المأكولات التي لايملكون شراءها. أبوقير.. "كشرى وحواوشى مجانًا للمحتاجين" أمير وأيمن التهامي، صاحبا محل للمأكولات في "أبو قير" بالإسكندرية، وضعا لافتة على باب المحل: "إذا لم تستطِع شراء الطعام اطلبه مجانًا"، والمحل يقدم وجبات "كشري وحواوشي ومشويات وسندوتشات" للمحتاجين مجانًا منذ بداية افتتاحه. وقال "أمير"، منذ افتتاح المحل: "قررنا أن يكون هناك شيء "لوجه الله"، ونقدم وجبات يختارها طالب الطعام حسب اختياره، دون أن نفرض عليه نوعًا معينًا، وهي تُقدم مجانًا في أي وقت، وحتى لا يشعر أحد من طالبي الوجبات بالحرج، قام العاملون بتسمية الطلب "يافطة"؛ يقولها طالب الوجبة لأحد العاملين، ويعطيه على الفور طلبه بالمجان". المندرة.. "إذا لم يكن لديك مال فلا تستحِ" "إذا لم يكن لديك مال؛ فلا تستحِ وتترك عائلتك بلا طعام، تفضل.. خذ ما تحتاجه إلى أبنائك من عندي.. فرزقي ورزقك على الله"، كلمات كتبها الحاج "فرج" بالمندرة في الإسكندرية؛ لمساعدة المحتاجين، والذي يقول إنه فكر في مساعدة الفقراء والمحتاجين؛ عبر تقديم وجبات مجانية لهم، وهي تجارة مع الله. "خد ما يكفيك.. الطعام مجانى" وقام محمد حسني، صاحب محل للملابس الرياضية بشارع السلطان حسين، بتقديم وجبات لغير القادرين؛ كصدقة جارية، وقام بوضع صندوق خشبي أمام محله يضع فيه ما يقرب من 50 وجبة جافة يوميًا ويدون على الصندوق: "خد ما يكفيك.. الطعام مجاني"، والوجبة تتكون من "رغيفي فينو، وقطعتين من جبن المثلثات، وثمرة طماطم أو فاكهة، إضافةً إلى علبة عصير أو فطيرة صغيرة"، مؤكدًا أنه لم يقبل تبرعات نقدية من الناس. "وصاية".. وجبات مجانية لغير القادرين "سلسلة محلات وصاية تقدم وجبات مجانًا لغير القادرين"، هكذا كتب نور السيد، الحاصل على بكالوريوس تربية رياضية، وصاحب سلسلة مطاعم كشري "وصاية" على المحل، قائلاً إن ما دفعه للإقدام على هذه الخطوة؛ هو تعرض عدد كبير من المواطنين للحرج، عندما يحضرون إلى المطعم، فمنهم من يقوم بالانسحاب بعد أن يجلس، ويطلب وجبة "كشري"، ورغم ضعف سعرها، إلا أنه ينسحب قبل أن تصل إليه، بينما يأكل آخر ويغادر المطعم دون أن يدفع ثمن ما تناوله، وآخر يقف أمام المطعم ليشاهد الزبائن أثناء تناول وجباتهم داخل المطعم. وقال إنه منذ تنفيذ الفكرة أرباحه لم تتأثر، ودخله لم ينقص؛ بل الأرباح في ازدياد، قائلًا: "ربنا بارك في الرزق والتجارة مع الله مربحة، وسوف أستمر في هذه التجارة مهما واجهت من صعوبات".