رغم أن نظام الملالى حرص طيلة سنوات طويلة على كسب تأييد الجماعات الإسلامية وخاصة جماعة الإخوان المسلمين له ولسياساته، إلا أن الربيع العربى تسبب فى ابتعاد الإسلاميين وجماعة الإخوان عن إيران وربيبتها حزب الله خاصة بعد خيانة إيران للثورة السورية. فمع بداية الربيع العربى أيدت إيران وباركت الثورة ضد بن على ومبارك وعلى صالح والبحرين، وحاولت أن تمد عباءتها على تلك الثورات فلم يقبل بها إلا الحوثيون فى اليمن والجمعيات الشيعية فى دوار اللؤلؤة بالبحرين، أما ثوار تونس ومصر وعلى رأسهم الإخوان المسلمون، فقد أعلنوا رفضهم للوصاية الإيرانية أوالاقتداء بالثورة الخمينية. وتصاعد هذا الخلاف وتعمق مع تورط إيران وحزب الله من منطلق طائفى بتأييد جرائم نظام بشار الأسد بحق الثورة السورية، هذا التورط الذى شمل الدعم المعنوى والسياسى، والدعم المادى بالمال والعتاد والرجال، فأصبحت جماعة الإخوان فى الإعلام الإيرانى أتباعاً وأذناباً للصيونية والاستكبار العالمى، ولذلك دعمت إيران المرشح الناصرى حمدين صباحى ضد مرشح الإخوان محمد مرسى، فى انتخابات الرئاسة، واتهمت جهاتٌ سورية خالد مشعل بتسريب أسرار عسكرية سورية لإسرائيل مقابل الإفراج عن أسرى فلسطينيين (مجلة الوطن العربى، 1/8/2012). ولما وجدت إيران أن الإسلاميين وصلوا للحكم فى بعض البلاد العربية وأنهم لن يستلهموا التجربة الإيرانية البئيسة فى الحكم، وإنما عيونهم تتجه صوب تركيا وماليزيا وسنغافورة لرؤية تجربتها عن كثب والاستفادة ممّا يتلاءم مع بلدانهم، زمجرت إيران ودمدمت وبدأت تهاجم حكومات الإسلاميين فى مصر وتونس والمغرب، وتروج لكذبة سياسية تبتزهم بها. فها هى مجلة الغدير الشيعية اللبنانية العدد 59 صيف 2012 تنشر مقالاً لسامر عبدالله بعنوان "الإسلام والعلاقات الخارجية" يقول فى خاتمته: "إن فلسطين ستكون المعيار الفاصل، الذى سيوضح مدى الالتزام بالبعد الإسلامى الحقيقى لهذه التيارات، إلى جانب الموقف العام من الصراع العربى الإسرائيلى؛ فهل ستكتفى هذه الحركات متى توطدت سلطاتها الدستورية، فى المطالبة بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وفق القرارات الدولية، أم ستطالب بكامل فلسطين وترفض الاعتراف بإسرائيل؟ إلى جانب سؤال آخر يتعلق بالنظرة الإسلامية العربية لإيران، فهل ستكون إيران صديقة للحكومات العربية– الإسلامية الجديدة، أم سينشأ صراع عربى – فارسى جديد، أو بالأحرى صراع مذهبى سنى شيعى يغذيه الغرب، ويسجل نقاطاً لصالح مفهوم الأمن القومى الإسرائيلى لما سيحدثه من شرذمة وتصدع كبيرين؟". وعلى نفس المنوال يكتب فهمى هويدى - حليف إيران الذى لا تهزه دماء آلاف الضحايا فى العراق ولبنان وسوريا-: "لقد أصبحت العلاقة مع إيران أحد معايير استقلال القرار السياسى المصرى.. الأمر الذى يسوغ لنا أن نقول إن قرار مصر تطبيع العلاقات مع طهران، سيكون إعلانًا عن انعتاقها من أسر التبعية وانتقالها إلى فضاء الاستقلال المنشود" (السبيل 13/8/ 2012). ولو حللنا هذه الكذبة السمجة لخرجنا بالنتائج التالية: تزعم إيران أن قضية فلسطين هى المعيار الثابت الذى يوضح مدى الالتزام بالبعد الإسلامى الحقيقى للتيارات الإسلامية وخاصة الإخوان المسلمين، فما هو مدى التزام إيران وحلفائها حزب الله وسوريا بقضية فلسطين؟ أليست علاقات إيران بإسرائيل مستمرة منذ فضيحة إيران غيت؟ هذه العلاقة، التى وصفها الشاه بأنها "تشبه تلك القائمة بين عاشقين يعيشان قصة حب غير شرعية"، ولقد روى أبو الحسن بنى صدر، وغيره تفاصيل صفقات السلاح من إسرائيل، التى أذن بها الخمينى، والتى منها شراء نظام الملالى ما استولى عليه الجيش الإسرائيلى من المقاومة الفلسطينية فى بيروت سنة 1982 بقيمة 100 مليون دولار لحرب العراق! ولا تزال لليوم تجرى العديد من الصفقات بين إيران وإسرائيل منها: شراء إيران 150 طنًا من مادة كلوريد التايونيل، التى تدخل فى صناعة غاز الخردل، من رجل أعمال إسرائيلى بين عامى 1990 - 1994. ومنها شراء الإيرانيين 22 عربة مزودة بمعدات خاصة بالحرب الكيماوية من القوات الجوية الإسرائيلية. ومنها شراء إيران معدات من شركة "إلبيت" الإسرائيلية وبموافقة وزارة الدفاع الإسرائيلية، بلغت قيمتها أكثر من 50 مليون دولار فى الفترة 1980 - 1990. ومنها أن شركة "رابين تيكس" الإسرائيلية باعت لإيران معدات للوقاية من الحرائق وبموافقة وزارة الدفاع الإسرائيلية. ومنها التشاور حول مشروع إسرائيلى لنقل الغاز الطبيعى من إيران إلى إسرائيل عبر تركيا فى يناير 2007. ومنها قيام إسرائيل بدفع تعويضات مالية لإيران نتيجة مستحقات نفطية كانت عليها لإيران إبّان حكم الشاه!! واتضح لاحقاً أن إسرائيل تشترى النفط الإيرانى عبر وسطاء وبعلم الطرفين الإسرائيلى والإيرانى. ومنها مشاركة ثلاثة مهندسين إسرائيليين لمدة 20 يومًا فى ترميم بنى تحتية قريبة من المنشأة النووية فى مدينة بوشهر الإيرانية التى تضررت من هزات أرضية. ومنها شراء الإيرانيين قطع غيار إسرائيلية للمعدات الزراعية خصوصًا فى مجال زراعة القطن والبذور لزراعة الخضار وأجهزة رى. ومنها شراء أجهزة إنذار إسرائيلية لسيارات الحكومة والشرطة الإيرانية ومنها سيارة نجاد!!! فهذه بعض نتف من حقيقة الموقف، الذى تقفه إيران من قضية فلسطين وعدوان إسرائيل، أما حلفاء إيران كالنظام السورى وحزب الله فليسوا أحسن حالاً. فالنظام المجرم فى سوريا يلتزم بسلامة إسرائيل طيلة أكثر من 40 سنة، ومع ذلك يبقى موقفه عند الإيرانيين مشرفاً.. وحين غزا الإسرائيليون بيروت فى عام 1982 بقى جيش النظام فى بيروت يصيد العصافير. أما حزب الله ألم يعقد تفاهمات نيسان مع إسرائيل كحال الأنظمة العربية والتزم بها؟ أليس ملتزماً بعدم المشاركة فى القضية الفلسطينية فى قصر عمله على الأراضى اللبنانية؟ لماذا يحق لحلفاء إيران من ممالأة إسرائيل مالا يحق لغيرهم؟ أما الكذبة الثانية، وهى أن العلاقات مع إيران هى معيار الاستقلال، فهذه سماجة وقحة، مطلوب أن تشعل إيران المنطقة طائفيًا فى العراق ولبنان والبحرين واليمن وسوريا والخليج وتحتل جزر الإمارات وتتدخل فى شئون العرب وتمارس الخيانة مع الأمريكان فى العراق وأفغانستان، ثم نطالب نحن بحسن الجوار والعلاقة؟؟ إيران وحلفاؤها ينفذون وبدقة السياسة الإسرائيلية (ما هو لى فهو لى وحدى، وما هو لك فهو موضع تفاوض وتقاسم)، فهم يريدون من الحركات الإسلامية وخاصة الإخوان المسلمين أن يكونوا تبعاً وأذناباً لهم، ولو تطلب ذلك الانخلاع عن القيم الإسلامية ونبذ الأخلاق وارتكاب الجرائم بحق الأهل والجيران، كما يفعل اليوم أحمد جبريل فى قتل الفلسطينيين والسوريين إرضاء لإيران وبشار، وهى عادة قديمة لشبيحة النظام الأسدى. هذا ما تريده إيران من الإسلاميين والإخوان وإلاّ سلطت عليهم أبواقها الإعلامية كالمنار والعالم والميادين فجعلتهم عملاء وجواسيس وخونة!! هذه هى سياسة الابتزاز الإيرانية مع الحركات الإسلامية: إن لم تكن عميلاً لها فأنت عميل للأمريكان والصهاينة. وإذا كان الإخوان فى مصر والأردن وحماس لم يرضخوا بعد لهذا الابتزاز الإيرانى، إلا أن حركة النهضة فى تونس يبدو أنها وقعت فى الفخ فدعت حزب الله لمؤتمرها العام، وصرح الغنوشى مؤخراً بتمجيد إيران وخامنئى، وقام المتشيعون بتونس بدعوة سمير قنطار، مؤيد بشار الأسد، تحت شعار نصرة القدس!!