لا أجد مبررًا للنفخ الزائد فى المظاهرة، التى يعتزم بعض أنصار النظام السابق وقوى طائفية القيام بها اليوم، الجمعة 24 أغسطس، كما أنى أستغرب من حكاية أنها "ثورة"، وإصرار إعلام الفلول من صحف وفضائيات على هذا الوصف باستمرار، ويبدو أن تلك الكلمة أصبحت تفقد حرمتها وهيبتها من كثرة امتهانها، وأذكر أن الناشط محمد أبو حامد، أقام قبل ذلك حوالى اثنين وعشرين ثورة خلال الأشهر السابقة، كل مرة كان يدعو لها عبر الإنترنت ثم يشارك فى "ثورته" بضع عشرات من المجاهيل، وأظن أن ثورته الجديدة غدا ستكون الثورة الثالثة والعشرين من هذه النوعية، وإن كان قد تردد ووصلتنى رسائل بالفعل أنه تم استئجار عدد كبير من البلطجية لافتعال شجارات وأعمال عنف، وعموما لا بأس أن نشهد منه ومن غيره مائة وعشرين "ثورة" أخرى، لكن المهم أن يتم التعبيرعنها بشكل لائق لا يمتهن رمزية أعظم حدث شهدته مصر فى تاريخها الحديث كله، ثورة يناير، لماذا لا يسميها "مظاهرة" أو وقفة احتجاجية، أو مسيرة سلمية، كما أنه ينبغى أن يدرك كل من يشارك فى المظاهرة أن أى استخدام للعنف فيها لا يجوز التسامح معه لا من الشعب ولا من أجهزة الدولة، وإلا تحولنا إلى غابة، وللأمانة فأنا لا أعترض أبدًا على أن يدعو أبو حامد أو غيره من المواطنين والنشطاء والأحزاب إلى تظاهرات احتجاجية وفق أى مفهوم أو موقف يعترضون عليه، فقد قمنا بثورة يناير ضمن ما قمنا من أجله لضمان حق الناس فى التظاهر والتعبير عن الرأى بالكلام والعمل والممارسة والنشر، وقناعتى أنه بقدر حيوية المجتمع وقدرته على الاحتجاج بقدر ما نضمن استقامة السلطة واحترامها لحراك الشارع وغضب الناس، ولكنى أتمنى أن ننتقل إلى مرحلة أخرى من مراحل الاحتجاج، تبتعد عن الفوضى والعشوائية والإضرار بالوطن والآخرين، الذين لا يشاركونا فى "مادة" الاحتجاج أو مضمونه، أو يخالفونا فيه، وهذا لا يكون عبر تنظيم من السلطة ذاتها، وإنما عبر اختيار منا نحن، من الشعب وقواه الحية، بأن يتم الدعوى إلى حوار وطنى عاجل لتنظيم الحق فى التظاهر، ونقل تلك الرؤية، التى يتفق عليها القوى الوطنية إلى معدى الدستور الجديد، وإلى البرلمان الجديد من أجل تحويلها إلى قوانين منظمة للتظاهر، ثورات الشعوب تقع نادرًا فى التاريخ لهدم باطل قديم ولتعديل المسار، وتأتى وفق سياق اجتماعى واقتصادى تراكم عبر عشرات السنين، لا يوجد شعب ولا أمة تأتى كل عدة أشهر لتقول: هيا نعمل ثورة!!، ثم يبدأ المجتمع بعد انتصار الثورة رحلة البناء للدولة والقانون والنظام العام لكى تبدأ عمليات النهوض بالاقتصاد والمؤسسات والصحة والتعليم والقوانين ومستوى معيشة المواطنين، وهذا ما نحتاجه الآن، نحتاج أن تكون هناك ضوابط قانونية للتظاهر، وأن تتم الدعوة إلى التظاهر وفق ترتيبات معلنة، ويلتزم بها أصحابها قانونًا، وأن تكون قانونية المظاهرة بمجرد إخطار وزارة الداخلية بدون انتظار قرار بها، وعلى الجهة الأمنية إذا رأت فى التظاهرة تعطيلا لمصالح أو إضرارا أو مخالفة قانونية أن تلجأ هى للقضاء، لا يتم وقف المظاهرات أو منعها بمجرد قرارات إدارية أو أمنية أبدا، لأن هذا حق دستورى، ومهم أن تلتزم المسيرات أو المظاهرات باحترام النظام العام وعدم تعطيل حركة السير أو مصالح المواطنين، أو الإضرار بالمال العام أو الخاص أو الممتلكات العامة أو الخاصة، وأظن أن هذا يسير جدًا، ودعوا الناس تحكم على المظاهرة وقيمتها وأخلاقيتها، فالمصريون بعد يناير 2011 أصبحوا ناضجين سياسيا وأكثر وعيًا من أن يتلاعب بهم أى سلطة أو حزب سياسى، وتقديرى أن مظاهرات الغد ستكون فاشلة سياسيًا، لأنها انحازت بصراحة ووضوح إلى الرمزية والأشخاص والأفكار والسياسات التى مثلت نظام مبارك، أى أنها مظاهرة ضد ثورة يناير، وباختصار هى فلولية بامتياز، ولذلك نأى بنفسه عنها كل التيارات الوطنية، بما فى ذلك اليسار الوطنى، ولم يبق فيها إلا يسار رفعت السعيد.