الجديد فى دراما شهر رمضان هذا العام ليس العدد الكبير للأعمال التى عرضتها الشاشات على غير ما هو متوقع فى بلد يمرّ بضائقة اقتصادية شديدة، إنما الجديد هو مساحة قلة الأدب الكبيرة التى تضمنها عدد من تلك الأعمال. قلة الأدب لم تقتصر على الشتائم والألفاظ البذيئة التى لا تراعى الأخلاق والقيم والتقاليد المعروفة عن الدراما التليفزيونية المصرية فقط، إنما هناك المشاهد الجنسية التى أصبحت أكثر صراحة وأطول وقتًا التى ربما تتفوّق فى إيحاءاتها على بعض المشاهد فى الأفلام السينمائية. إذا كان صنّاع هذا النوع من الدراما سيبرّرون أفعالهم بأنها حرية الإبداع، فإن الإبداع ليس فى الوقاحة إنما فى النص الجيّد والأداء المتميّز والإخراج المُبهر والقيمة الفنية للعمل والرسالة التى يطرحها. وإذا كان ذلك هو فهم صنّاع الدراما لمُناخ الحرية بعد الثورة فإن استثمار هذا المُناخ بهذا الشكل هو أكبر إساءة للثورة، فالثورة لا تعنى أن ينزلق الفن إلى الأسوأ حتى لو كانت شرائح فى المجتمع تمارس مثل هذا السلوك، بل الثورة والتغيير يفترض أن يقودا المجتمع لمزيد من الرقى فى القول والفعل. كاتب الدراما الذى يجلس فى غرفته وهو منفصلٌ عن مجتمعه ليكتب كل هذه البذاءات، هل يظن أن الناس ستُصفق له وتُحييه على هذا الانحطاط؟ بالطبع لا، لأن الردّ عليه هو الاستهجان والبحث عن أعمال نظيفة، ولا أبالغ إذا قلت أن طفلتى الصغيرة ذات ال7 أعوام باتت تدرك كل ما يخدش الحياء، وهى لا إراديًا عندما تسمع لفظًا بذيئًا أو ترى مشهدًا غير ملائم فإنها تنتقل إلى قناة أخرى. يجب على المؤلفين ألا يترجموا مُناخ الحرية والإبداع بهذه الفجاجة التى تضرب قيم المجتمع المصرى المُحافظ بطبعه، وكذلك قيم من يتابع أعمالنا من مجتمعات عربية، أم أنهم يُعاندون أو يستفزون الإسلاميين مثلاً بمثل هذه الكتابة الدخيلة على تاريخ الدراما المتميّز لأنهم صاروا فى السلطة؟، ألا يدرون أنهم بذلك يستعدون المجتمع عليهم، ويجعلون الناس تتمسك بالإسلاميين باعتبارهم يدعون للفضيلة؟، الإبداع ليس فى السقوط إنما فى السمو بوجدان وعقول الناس. فى السينما وما تحتويه من مشاهد مُثيرة فإن صنّاعها يقولون إن قرار الذهاب إلى دور العرض هو شأن خاص، أى أن مشاهدة الفيلم ليست مفروضة على أحد رغم أن هذا المبرر سقط بعد تزايد الفضائيات المفتوحة التى تبثّ أفلامًا سينمائية فقط، لكن الدراما التليفزيونية لا تستأذن من أحد، فهى تقتحم بيوتنا اقتحامًا، والتليفزيون صار لا غنى عنه، والمسلسلات بالذات هى أكبر تسلية وترفيه للمصريين، وبالتالى يجب مراعاة أن تكون الأعمال لائقة، لا تنتهك الحرمات والقيم ولا تُثير التقزز والاشمئزاز، فلا يعقل مثلاً أن تقرأ ممثلة سورة وآيات قرآنية وهى ترتدى قميص نوم وصدرها عارٍ، ولا يعقل أن تكون مشاهد السرير والحبوب المنشطة هى المسيطرة على أحد الأعمال، ولا يعقل أن يقول زوج لزوجته "يا بنت الجزمة"، ويتكرّر هذا اللفظ فى أعمال عديدة وهو واحد من الشتائم الكثيرة المتنوّعة المأخوذة من قاع المجتمع، وكذلك تقول راقصة لأخرى "يا كلبة، يا زبالة، يا واطية"، وتتكرّر هذه البذاءات مرات، ويقول آخر "يا وسخ، والوساخة"، وإلى آخر قاموس الشتائم الذى يضعه المؤلفون أمامهم ليغرفوا منه كما يشاءون بزعم أن ذلك من علامات الإبداع والحرية. هل نندم على زمن مبارك، فلم يكن هناك تدنٍ وفحش فى الحوارات والمشاهد فى الدراما إلى هذه الدرجة؟، هل نحن لا نستحق الحرية أم نفهم الحرية بأنها الفوضى التى تضرب البلاد فى مختلف المجالات؟، لكن الأخطر هو فى الدراما التى تجذب ملايين المشاهدين، ثم تُعاد مرات ومرات، وخطورة ذلك أن المضمون الساقط قد يؤثر على فئات فى المجتمع ويجعل سلوكياتهم تنزلق لأسفل بدل أن ترتقى بهم للأعلى. أين جهاز الرقابة؟، هل تخلى عن دوره؟، أم أنه يوافق على هذا التدنى فى الذوق والسلوك؟. نحن لسنا فى الغرب، الرقابة لابد أن تكون حاضرة دومًا ومن دون إرهابها، نعم، تكون منفتحة ومتفهمة لكن فى حدود معقولة، ولا بد أن يتدخل المقص لحذف كل ما يسىء ويخدش الحياء العام لأن عدم فعل ذلك سيشوّه الحرية والإبداع الحقيقى وسيضعهما فى قفص الاتهام أيضًا. [email protected]