إن من أبرز مظاهر نجاح الثورة – أى ثورة – ومن دلائل مسيرها فى الطريق الصحيح؛ هو القطيعة مع الماضى الذى ثارت عليه.. وهذا هو عين ما تفصح عنه القرارات والخطوات الجسورة، التى اتخذها الرئيس محمد مرسى فى غضون هذا الأسبوع، حيث بدأ بمؤسسة الرئاسة نفسها فأجرى تغييرًا فى قيادات الحرس الجمهورى، ثم أتبع ذلك بإقالة رئيس جهاز المخابرات العامة مراد موافى.. وكانت الخطوة القوية ذات الدلالة الجذرية على هذه القطيعة مع الماضى ورموزه ومشهده السياسى بإلغاء الإعلان الدستورى (المكبل) وإحالة الرأسين الأكبر فى المجلس العسكرى إلى التقاعد: المشير والفريق. وكما قال الرئيس وأقسم فى تعليقه على هذه الخطوة الفارقة – ونوقن أنه صادق فى قسمه – أنها لم تكن موجهة ضد أشخاص ولا لإحراج مؤسسات (وتحديدًا المؤسسة العسكرية فيما تقول دلائل الموقف)، ولكن كانت هذه الخطوة موجهة إلى صالح الوطن ومصلحته العليا وتحقيقًا لأهداف ثورة الشعب فى يناير. وإذا ما ابتدأنا فى تحليل هذه الخطوات التى تجسدت فيها القطيعة مع عهد ما قبل الثورة، فنظرنا إلى إقالة رئيس جهاز المخابرات العامة مراد موافى؛ لوجدنا فى ماضيه ودوره المضاد للثورة والمتوائم مع النظام الفاسد البائد ما يحتم على الرئيس المخلص لموقع مسئوليته عن مستقبل الوطن أن يجتثه ويقصيه عن لعب أى دور فى هذا المستقبل. فمراد موافى كان (دينامو) الثورة المضادة، والذى تجسدت فيه – فى الخفاء – كل مؤامرات ودسائس فلول النظام لإجهاض الثورة المصرية، وقد اجتمعت فى يديه كل خيوط اللعبة القذرة والمؤامرة الدنيئة ذات الفصول المتوالية ضد الثورة.. فهو المتحالف بل الموجه لكل رموز الفساد فى وزارة الداخلية إلى الإهمال والتقصير العمدى حتى وصل المشهد الأمنى إلى حالة من الفراغ المزرى، الذى انعدم معه كل معنى للأمن.. وهو الذى كان لاعبًا أساسيًّا مع رموز جهاز مباحث أمن الدولة المقبور فى اختراق الواقع السياسى المصرى لاختراق الثورة من داخلها وتخريبها ثم القضاء عليها، حتى وصل الحال بمتأمل المشهد السياسى المصرى فى أعقاب الثورة إلى أن يرى شعبًا متناحر الانتماءات والتيارات. كل هذا– وأكثر منه مما لا يسمح المقام بسرد وقائعه – كان داعيًا بشدة إلى إقصاء ذلك التلميذ المخلص لرجل مبارك الأول: عمر سليمان. ثم إذا تأملنا الخطوة الجسورة الفارقة فى القطيعة مع الماضى، والتى تمثلت فى ضربة مزدوجة، كان طرفها الأول إلغاء الإعلان الدستورى (المكبل)، والذى كان وصمة عار فى تاريخ السياسة المصرية، بما انطوى عليه من مظاهر فشل الثورة المصرية بل إجهاضها، فجاء القرار الجسور ليعيد نبض الحياة إلى الثورة وليصحح مسار خطواتها.. وكان الطرف الثانى فى هذه الضربة المزدوجة هو إقصاء الرأسين الكبيرين من رءوس الثورة المضادة، بإحالة المشير والفريق إلى التقاعد، بما يعنيه ذلك من إزاحة المجلس العسكرى عن المشهد السياسى المصرى.. وهذا هو بيت القصيد، لأنه كان بيت الداء فى تخبط مسيرة الثورة حين انقض عليها العسكر فى لعبة سياسية لإجهاض الثورة، وكان هو المطلب الأول للشعب الثائر: أن يقصى العسكر عن السياسة. وعلى جسارة هذه الخطوات وما جسدته تلك القرارات من تصحيح حاسم لمسار الثورة، فإن هناك خطوات وقرارات أخرى ما زال الأفق السياسى المصرى متطلعًا ومتشوقًا إليها، ومترقبًا لها عن قراءة فى مطالب الثورة، بل قراءة فى حكمة التاريخ خطوات وقرارات ندرك تمامًا أنها على أولويات أجندة عمل الرئيس المخلص للشعب ولثورته.