الدعوة إلى القمة الاستثنائية واحدة من مبادرات خادم الحرمين الشريفين، التى تتجلى فى ملامحها الحب الذى يحتضنه قلبه الكبير للشعوب العربية، ممزوج بحرصه الشديد على مصالح الأمة. نعم لقد استقبلنا شهر رمضان الكريم بفرحة عامة، وزادنا فرحًا مواكبة هذه الدعوة لهذا الشهر الكريم، الدعوة التى من شأنها تعزيز الأخوة العربية الإسلامية، وجمع شتات الكلمة التى فقدت جل الأحرف والنقاط، فلن يصححها إلاَّ تحقيق الهدف المرجو والذى يرمى إليه الملك الإنسان.. فقد تعودت الأمة العربية والإسلامية على احتضان مكةالمكرمة الملتقيات الأخوية لحل المشكلات وتقريب وجهات النظر، وكم شهدت هذه الأرض الطاهرة من المواقف النبيلة، وها هى تنتظر اللقاء العربى الإسلامى الاستثنائى الأهم فى تاريخ القيادات خصوصًا ما بعد الربيع العربى الساخن الذى أطاح بأربعة زعماء يشتركون فى النمط الفكرى، وأسلوب إدارة شئون بلادهم بإستراتيجية موحدة تهدف إلى امتلاك السلطة وتوريثها، والعمل على سلب شخصية المواطن وتجويعه، وجعله فريسة للأمراض المختلفة التى تغلغلت فى جسده، مع تقليص فرص العلاج وانعدام الدواء فى ظل الفساد الذى لقى المناخ الآمن؛ لينخر فى جذور المؤسسة المدنية من أجل تعزيز فرص البقاء على كرسى الرئاسة.. وقد تحقق لهم ذلك لولا الله ثم صرخة (بو عزيزى) التى أيقظت النائم من رقاده فكانت العاصفة. إن هذه الدعوة المباركة تشير بجدارة إلى حنكة الملك ورؤيته السياسية الثاقبة، وقراءته لواقع المستقبل الذى يستوجب من القيادات الإسلامية التعاضد للحاجة الملحة التى تفرضها المخاطر والمستجدات التى تحيط بعالمنا الإسلامى.. فهى فرصة لتحقيق الأمل الذى طال انتظاره لنكون أمة واحدة تتصدى لتلك المخاطر المحدقة بنا، لاسيما أنها تأتى فى العشر الأواخر من شهر التسامح.. فقطعًا ستكون الأنفس متهيئة لتقبل الحقائق التى أفسدت روح العلاقات فيما بين الدول، وإدراك مستقبل الواقع الذى تنتظره الأمة، والاعتراف بمرارة الماضى دون مكابرة، والاستفادة من الأخطاء التى عصفت بقيادات سابقة كان لها من التعالى والكبرياء النصيب الأوفر.. فمنهم من هلك، ومنهم من فى السجن مسلوب الإرادة والحرية حتى لو لم يكبل بالسلاسل والحديد، وهذه عبرة لمن يعتبر.. قال تعالى: (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف فى قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيدهم وأيدى المؤمنين فاعتبروا يا أولى الأبصار). لا شك أن الغليان لازال فى ثورته، فمن المهم الاستحواذ عليه وإطفائه بتحقيق ما يمكن على أرض الواقع.. إن التحديات التى ستواجه القمة الإسلامية الاستثنائية لن تكون عائقًا فى استيعاب محتوى الملفات المثقلة بهموم الأمة الإسلامية، وليس صعبًا التعامل معها بروح الأخوة ونسيان الماضى بما يحمله من جروح مؤلمة فى جسد العلاقات العربية.. هى فرصة لإعادة اللحمة العربية الإسلامية التى تواكب السياسة العصرية التى خرجت من جحر الثورات التى اقتلعت رموز مربع الفرقة العربية الإسلامية، وأنجبت قيادات جديدة شهدت لها الشعوب بالصلاح والنزاهة والقدرة على إعادة بناء ما أفسده الدهر، ولعل أجيالنا القادمة تتغنى بقول الشاعر: بلاد العرب أوطانى من الشام لعبدانى ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان نعم.. هذه أمنية كل عربى مسلم أن تتوحد الصفوف، وترفع كلمة التوحيد لتكون المسئولية مشتركة تحاكى المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية إقليميًا ودوليًا، ويكون لها تأثير إيجابى بما يخدم مصالح أمتنا، ويعود بالنفع والفائدة على شعوبها، واستعادة الهيبة الإسلامية، والارتقاء بمكانتها، والخروج من دائرة استقبال ما يملى عليها دون معارضة أو تغيير. نعم.. إن معايير نجاح هذه القمة متوفرة بسخاء، فالوقت، والمكان، والحاجة.. عوامل مهمة لتحقيق النجاح، بالإضافة إلى قبول هذه القمة على مستوى القيادات السياسية والشعبية.. قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).. الآية نسأل الله أن يحقق لنا ذلك لنكون شوكة قوية فى نحور الأعداء لا تنثنى أبدًا.