أثناء حقبة "ملوك الطوائف" في الأندلس ، كان ألفونسو السادس يفرض جزية على هؤلاء الملوك ويهددهم بالغزو إن لم ينصاعوا. وكانوا جزاء إنصياعهم هو مضاعفة الجزية في العام التالي. وكلما إنصاعوا ودفعوا كلما زاد جشع الملك الأسباني ، حيث كان يوظف أموال المسلمين في تجهيز جيش يخوض به "حرب الإسترداد". والمعروف أن ملوك وأمراء الأندلس كانوا يستعينون بالإسبان ضد بعضهم البعض ، وأن الفونسو كان يتفنن في الدس فيما بينهم لمفاقمة الخصومة والعداء. وكان أول ملك دفع جزاء الانصياع هو ذو النون ملك طليطلة الذي أخرجوه منها ذليلا بعد غزوها. وعندما إستولى ألفونسو على طليطلة شعر بقية الملوك بالذعر، وأدركوا حقيقة نيات الإسبان تجاههم ، فقرر ملك إشبيليه الاستعانة بدولة (المرابطون) التي كانت قد تأسست في بلاد المغرب تحت إمارة يوسف بن تاشافين. لم يتردد بن تاشافين في إغاثة إخوانه الأندلسيين ، وعبر المضيق بجيش جرار وإستضافه المعتمد بن عباد ملك إشبيليه في قصره. وفوجئ بن تاشافين وأتباعه بحجم الترف الذي يعيش فيه ملوك الأندلس حتى أنه رفض قبول الشراب المقدم له لأنهم قدموه في أكواب مصنوعة من الذهب والفضة. وفي يوم الجمعة 20 رجب 479 هجرية ، تمكنت جيوش المرابطين والأندلسيين من إلحاق هزيمة ساحقة بجيش ألفونسو السادس في موقعة (الزلاقة) ، حتى أن جيشه الذي كان قوامه خمسين ألف جندي لم يبق منه إلا خمسمائة. وبعد هذ النصر الذي قاده بن تاشافين ، شعر الملوك بالقلق من بقاء القائد المغربي في الأندلس ، وخافوا من أن يطمع في أملاكهم فينتزعها منهم. وعندما تنامى إلى بن تاشافين ما يتردد بين الملوك والعامة ، أعلن أنه سيغادر الأندلس ولكن بعد معاهدة ملوكها وأمرائها على عدم العودة إلى محالفة الأسبان ضد بعضهم البعض وعدم العودة إلى دفع الجزية. عاد ألفونسو إلى تهديد ممالك الأندلس بعد علمه بمغادرة المرابطين ، فعاد الملوك إلى الاستغاثة بجيوش بن تاشافين . هنا لعب الفونسو لعبته مستندا إلى ما وصل إليه من جفوة وقعت بين ملوك الأندلس والمرابطين. وبدأت اللعبة مع أضعف الملوك ، وهو ملك غرناطة ، حيث وجه ألفونسو وزيره إليه قائلا : كم مرة سيأتي المغاربة لنجدتكم قبل أن يقتنعوا بالبقاء وينتزعوا منكم ملككم.. إن الخيار أمامكم هو إما نحن أو هم .. إما دفع الجزية أو فقدان الملك. وإختار الملك الانصياع إلى ألفونسو، وإشتاط بن تاشافين غضبا عندما علم بأن غرناطة نقضت عهدها معه وعادت إلى دفع الجزية ، فسير إليها جيشا عبر المضيق ، إستولى عليها ونفى ملكها إلى المغرب. أثار إستيلاء المرابطين على غرناطة ذعر باقي الممالك وبالذات إشبيليه. وبدلا من الحوار مع بن تاشافين والتنسيق معه ، قام المعتمد ملك إشبيليه بتقوية حصونه ودفاعاته مصمما على صد أية محاولة لانتزاع ملكه قائلا لأبنائه "إنما السلطان من القصر إلى القبر". ثم كانت الطامة الكبرى التي أوقعت به عندما أرسل إلى ألفونسو رسالة يستغيث فيها به من المرابطين ، ووقعت هذه الرسالة في أيدي جنود بن تاشافين ، فتأكد من خيانة ملك أشبيليه أيضا ونقضه للعهد فسير إليه جيشا غزا مملكته ونفاه مع أهله إلى المغرب. هذه هي الدروس التي يعلمنا التاريخ إياها عن عواقب الانصياع إلى الأعداء ، وهي عواقب وخيمة تفاقم من جشع الأعداء ومن كراهية أهل الملة والدين. وعليه فإن إيران عليها أن تصمد أمام الضغوط الموجهة إليها ، وأن تتشدد بحساب فلا تسمح لأية ضغط مثل إحالة ملفها إلى مجلس الأمن بأن يستفزها إلى فعل متهور. وإذا صدر قرار ضدها في مجلس الأمن ، سيكون عليها أن تقاومه بحسم ودبلوماسية تشدد على التمسك بجميع حقوقها. سيكون عليها أيضا أن تحذرمن تقديم أية تنازلات للأوربيين أو لمجلس الأمن ، لأن أميركا ستقبض كل تنازل دون الاعتراف به ، باعتباره خطوة على طريق إنهاك وإضعاف إيران . وعليها أخيرا أن تتيقن بأنه لن يردع البلطجي الأمريكي عنها والبلطجي الإسرائيلي عن (حزب الله) إلا الحفاظ على جميع أوراق القوة والإصرار على جميع الحقوق والتمسك بحق الدفاع عن النفس. [email protected]