يقول علماء السير وأهل التفسير إن نبى الله هارون (عليه السلام) كان محببًا إلى قومه بنى إسرائيل لما اتصف به من لين ورقة، أما موسى عليه السلام فكان مهابًا فى قومه لحزمه وقوته وشدة غضبه، هكذا كان موسى وهارون عليهما السلام، فماذا كان من أمرهما مع قومهما بنى إسرائيل بعد أن خرجوا من مصر؟ ذهب موسى عليه السلام للقاء ربه وترك هارون خليفة لهم، فقام السامرى وعاونه أهل الباطل ممن لم يدخل الإيمان قلوبهم (هل يمكن أن نقول إنهم كانوا يمثلون الدولة العميقة؟، ربما)، قام السامرى بما يشبه الانقلاب واستولى على السلطة، ولم يكتفِ بذلك بل قام بتغيير عقيدة الناس وصنع لهم عجلاً جسدًا له خوار، أما هارون عليه السلام فكان فى حيرة من أمره وخشى إن فعل شيئًا تجاه هذه الجريمة أن تتفرق بنو إسرائيل كما يحكى القرآن بذلك، قال تعالى:{قَالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلا بِرَأْسِى إِنِّى خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِى}[طه: 94]، يقول القرطبى رحمه الله مفسرًا قول هارون: (إنى خشيت أن تقول فرقت بين بنى إسرائيل) أى خشيت أن أخرج وأتركهم وقد أمرتنى أن أخرج معهم، فلو خرجت لاتبعنى قوم ويتخلف مع العجل قوم؛ وربما أدى الأمر إلى سفك الدماء، وخشيت إن زجرتهم أن يقع قتال فتلومنى على ذلك). لم يكتف السامرى ومن معه بما فعلوه، ولم يرضهم سكوت هارون عنهم بل إنهم تطاولوا عليه وآذوه كما حكى القرآن عن ذلك، قال تعالى:{قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِى فَلا تُشْمِتْ بِى الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}[الأعراف: 150]. هكذا كان حال هارون عليه السلام مع قومه، فماذا كان من أمر موسى عليه السلام؟، عاد موسى وقد أوحى إليه بخبر القوم وعبادتهم العجل فرجع إلى قومه غضبان آسفًا، ومع غضبه وقوته وحزمه عادت الأمور لنصابها فاختفى السامرى وخرج من بنى إسرائيل، ولم يستطع عبدة العجل - وكانوا كثرة - مواجهة موسى لحزمه وقوته، ولم يتفرق بنو إسرائيل بل كان الحزم والشدة سببًا فى تجمعهم ووحدتهم. هكذا حكى القرآن لنا قصة موسى وهارون، وهكذا تدار المجتمعات والدول، ليس بالحب وحده، بل تدار الدول بالعدل والحزم، وهكذا قال عثمان بن عفان رضى الله عنه منذ سنين طويلة: (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، فهناك أناس لا يصلح معهم مواعظ القرآن إنما يصلحهم قوة السلطان. إننا لا ندعوك يا سيادة الرئيس إلى الاستبداد، كلا وحاشا، بل ندعوك إلى تحقيق العدل وسيادة دولة القانون، والذى من أجلها كانت ثورة 25 يناير. إن الظلم، سيادة الرئيس، هو وضع الشىء فى غير موضعه، ورحمتك وتواضعك مع من يستحقون العقوبة لهو ظلم بَيّن، نريدك يا سيادة الرئيس أن تكون كأبى بكر تضرب على يد القوى الغاشم حتى تأخذ الحق منه فترده على الضعيف المظلوم، ولن يكون ذلك ما لم تأخذ حق كرامتك؛ لأنك منذ أصبحت رئيسًا منتخبًا صارت كرامتك كرامتنا، فأقدم ولا تخش شيئًا، فالشعوب تحب وتهاب العادل الحازم، ولهذا أحب الناس عمر بن الخطاب رضى الله عنه ليس لعدله فقط بل لحزمه وقوته. سيادة الرئيس.. كن موسى عليه السلام فى عدله وحزمه، ولا تكن فرعون. [email protected]