حتى عصر يوم الخميس الماضى، كان الإحباط قد تمكن منى، وأنا أرى الرئيس المنتخب يتعرض لموجة غير مسبوقة من الإهانات والبذاءات تصدر من أراذل الناس وأحقرهم، بذاءات تجاوزت شخص الرئيس لتصل إلى شعب مصر الذى اختاره، وتمس هيبة الدولة التى يرأسها بصفته رمزها وكبيرها وممثلها أمام العالم. رأيت فى الرئيس شخصا عاجزا عن تطهير الإعلام المصرى من العناصر الفاسدة التى تضلل الرأى العام، وتسىء إليه بشكل متعمد، بل وتحقره وتهينه، ورأيته عاجزا عن تطويع وزارة الداخلية لتؤدى دورها الذى يتفق وإرادته ويحقق أهدافه، ثم تنازل عن قناعاته وسمح لبعض الفلول بالانضمام للوزارة الجديدة، ورأيت مصر وقد فجر فيها الكذبة من الفاسدين والمضللين ودعاة الفوضى، ووجدتهم وقد جهروا بكفرهم وإغوائهم للشعب وما من رادع لهم. بدأت أشعر بالخزى من الرجل الذى تصل إليه هذه البذاءات دون أن يحرك ساكنا، ووصل الأمر أن يهدده كائن يدعى توفيق عكاشة ويحذره من حضور جنازة شهداء سيناء، ثم نفاجأ بعدم حضور الرئيس بالفعل، ووجدنا الجنازة قد تحولت إلى فوضى وساحة حرب، ربما قد تصل لحد الاقتتال لو كان الرئيس قد حضرها. المناضل القومى البعثى الناصرى القذافى الأسدى الشفيقى، حضر الجنازة وكأنها فرح ابن عمدة بلدهم، فجاء بمن حملوه على أعناقهم وظل يهتف ضد الرئيس وحكومته بلا أدنى مبرر، فقط لإرضاء الراعى الرسمى لحملة مناهضة الرئيس مرسى وإسقاطه، المدعو نجيب ساويرس (عائلته من أصل يونانى جاءت مصر فى القرن ال 19). المناضل القومى البعثى الناصرى القذافى الأسدى الشفيقى، ومعه هذا الكائن العكاشى الذى يظهر ليلا فى عشوائيات الفضاء كالشيطان ينفث سمومه أمام الملايين، والثالث الذى بدأ حياته محفظا للقرآن فى مسجد الحصرى، لكن غضب الله عليه فأضله عن سواء السبيل، فارتمى فى أحضان ساويرس، ورضع من ثدييه كراهيته للإسلام وكل ما يتعلق به، والتقت إرادة الثلاثة مع بعضهم، ووفقا لمخططهم كان من المنتظر أن يتم التعرض لشخص الرئيس وإهانته أمام العالم، وتواطأ معهم قائد الشرطة العسكرية، وقائد الحرس الجمهورى، ومدير المخابرات، وقائد الأمن المركزى، ومدير أمن القاهرة، فتم التعدى على رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل، وعلى رموز أخرى مثل الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح والشيخ حافظ سلامة والأستاذ نادر بكار، ولم يتحرك رجل أمن واحد لتعقب المعتدين والقبض عليهم. بعد هذا المشهد، تملكنى اليأس والإحباط، وبدأت أشعر بالخزى لأنى انتخبت هذا الرجل ليكون رئيسا لمصر، إذ بدا ضعيفا متهاونا فى حق نفسه وفى حق بلده عليه من تحقيق الهيبة اللازمة له بصفته رئيس جمهورية مصر العربية، رغم علمه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمن القوى خير عند الله من المؤمن الضعيف"، والفرق بين التسامح والتهاون شعرة، الفرق بين تنازل القادرين وعجز الضعفاء شعرة، فاختلطت الأمور عندنا وبتنا عاجزين عن تفسير ما يجرى، هل هو ضعف وعجز أم صبر الأقوياء وعفو القادرين؟ وكنت أحيانا أراه "متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة". وأذكر أنه فى عام 1997 وأثناء اجتماع الدكتور كمال الجنزورى رئيس وزراء مصر وقتها برؤساء تحرير الصحف، تجاوز المدعو عادل حمودة فى الحوار فإذا بالجنزورى يخبط بيده على طاولة الاجتماع ويصيح فيه: "إلزم حدودك.. إنت بتتكلم مع رئيس حكومة جمهورية مصر العربية.."، فلزم الأخير حدوده وجلس كالجرذ دون أن يفتح فمه بكلمة واحدة. كنت على وشك أن أطلب فى مقال هذا الأسبوع من الرئيس أن يترك موقعه، وأبدى أسفى لأنى انتخبته، حتى كان عصر يوم الخميس الماضى، حين فاجأ الرئيس العالم بقرارات كانت بكل المقاييس مفاجأة لى ولكل مصر بل ولكل العالم، فالرجل قد هب مزمجرا عن غضبه، بعدما جرى ما جرى فى جنازة الشهداء يوم الثلاثاء الماضى، فالرئيس كان فى طريقه بالفعل متجها لحضور الجنازة فى مسجد آل رشدان، لكن فريق مكتب الرئيس (وهم من أهل الثقة بالطبع) طلبوا منه إلغاء حضوره للجنازة والعودة للقصر الجمهورى فورا دون إبطاء، بالرغم من تأكيدات قائد العسكرية، ومدير المخابرات، وقائد الحرس الجمهورى، ومدير أمن القاهرة، وقائد الأمن المركزى، للرئيس أن الموقف على الأرض آمن تماما، وأن كل الأمور تحت السيطرة. أصر فريق الرئيس على موقفهم ورفضوا كل محاولات وحجج المخابرات والشرطة العسكرية بقدرتهم على تأمين الرئيس، فقد كانت مصادر فريق الرئاسة على الأرض وهى عدد من شباب الثورة والإخوان بالإضافة إلى أحد أعضاء الفريق كان موجودا بنفسه على الأرض لرصد الواقع، وأدرك أن هناك خطة لإهانة الرئيس قد تنتهى بصدام وخسائر كبيرة، يتخذ منها الفلول "سبوبة" لمزيد من الهجوم على الرئيس، فضلا عن صدى ذلك عالميا. قرر الرئيس الانصياع لنصيحة فريق مكتبه، وعاد لقصر الإتحادية، لتتوالى بعد ذلك أخبار الاعتداءات على الشرفاء مما أثار غضب الرئيس بشدة خصوصا ما عرفه من الاعتداء على شيخ المقاومة حافظ سلامة والدكتور هشام قنديل والدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح. بعد دقائق من أحداث جنازة الشهداء وصلت تقارير متلفزة وصور تكشف حجم الترتيب المعد وسوء التنظيم ونوعية الحضور والهتافات وما تم توزيعه من أوراق، وهنا تأكد الرئيس من صدق نصيحة فريق مكتبه وأنه كان فخا معدا بإحكام لإحراج الرئيس ورئيس الوزراء أمام شعبه والعالم والترويج لفكرة الفوضى فى مصر، مما يضع اقتصاد مصر واستقرارها فى مهب الريح، فقرر على الفور "التعجيل" بإصدار قرارات التطهير التى تعتبر بداية لطريق طويل وشائك، والتى لاقت استحسان أغلبية الشعب، بل خرج الآلاف يعلنون تأييدهم له، وما زلنا ننتظر من الرئيس المزيد للقضاء تماما على دولة الفساد العميقة. [email protected]