قال طارق عامر محافظ البنك المركزي إنه لن يتم السماح بالكشف عن حسابات العملاء لمصلحة الضرائب، حيث إننا أمناء لمدخرات المواطنين بالبنوك. عامر يرد بذلك على رئيس مصلحة الضرائب عماد سامي الذي تحدث عن مقترح لتعديل القانون بما يسمح لوزير المالية بالكشف عن الحسابات المصرفية للشركات والأفراد في خطوة تهدف للحد من التهرب الضريبي. رئيس المصلحة عاد بعد اللغط الذي أثاره هذا التصريح إلى القول إن ما نشر على لسانه قد تمت صياغته على خلاف المقصود، وأن هذا اللغط من شأنه الإضرار بالحصيلة الضريبية والمساس باستقرار القطاع المصرفي الذي يعد محركا رئيسيا للاقتصاد القومي (الأهرام 27 أغسطس). الرجل يضرب القطاع المصرفي في مقتل ثم يتراجع بأن تصريحه صيغ على غير المقصود. أصحاب الودائع سيرتعبون سواء كانت الصياغة صحيحة أم لا، خصوصا أن محافظ البنك المركزي تدخل على الفور ليؤكد أن هذا الاقتراح لن يلقى قبولا من البنك ولن يوافق على تعديل قانون البنوك في هذا الشأن. والمعنى أن هناك اقتراحا فعلا، هو الذي جاء في تصريح رئيس المصلحة، وأن وقع مثل هذه التصريحات غير المسئولة خطير، لأنها تخلق أجواء من الريبة بشأن سرية الحسابات المصرفية وإمكانية مطاردتها ضريبيا. هل لا يدرك رئيس مصلحة الضرائب هذه الحساسية وأن مجرد اللجوء إلى التدخل التقليدي برمي المسئولية على "الصياغة" لانقاذ ما يمكن انقاذه، لن يجدي شيئا، فالمال يهرب سريعا، وأصحاب الودائع، خصوصا الصغار الذين يحفظون أموالهم في البنوك، قد يفكرون بحفظها "تحت البلاطة" معتبرين أنها وعاء أكثر أمنا من البنوك، رغم أنهم لن يجنوا أي عوائد في تلك الحالة، لكنهم سيكونون في منأى من فرض ضريبة تستهدف ودائعهم. أتمنى من القابعين على رأس المناصب الاقتصادية الحساسة التأني في التصريحات وفهم أبعادها جيدا وقياس أضرارها المحتملة. تصريح واحد سيكون بمثابة كارثة لو لم تضبط عباراته جيدا. الأفيد هنا لرئيس مصلحة الضرائب أن يعيد هيكلة مؤسسته، فلا يعقل أن العاملين فيها يعتمدون على الملفات الورقية الضخمة التي تأخذ حيزا كبيرا من مساحة مكاتبهم، وحينما تذهب لتدفع ضريبتك في أي فرع للضرائب العقارية - على سبيل المثال - تفاجأ بملفات لم يعد لها وجود في العالم إلا عندنا. يظل الموظف يبحث عن الاسم وقتا طويلا وقد لا يجده، ثم يقدر ضريبتك حسب اجتهاده دون الاستناد على أرقام محددة، فيخرج التقدير جزافيا أحيانا، وأحيانا أخرى أقل من الحقيقي، والأدهى أنك بعد أن تدفع ضريبتك تكون غير مطمئن بأنها محفوظة فعلا وغير معرضة للضياع. أين هي الحكومة الالكترونية ونقل هذا الأرشيف الضريبي الضخم بمعاملاته إلى أجهزة الكمبيوتر؟!.. دفع أحدهم ضريبته ثم سأل الموظف المختص عن موعد استلامه للشهادة الضريبية، فجاءه الرد صادما: ليس قبل ثلاثة شهور!! بالطبع رحلة الأوراق العتيقة لابد أن تأخذ ذلك الزمن الطويل وأكثر منه، فلا زالت مصلحة الضرائب تركب جملا من العصور الوسطى! [email protected]