مثلما يدعو الكثيرون الله فى هذا الشهر الفضيل، أن يوفقهم ويعينهم على حسن العبادة والطاعة وقبول صالح الأعمال والأقوال، يسأل الكثير منا ربهم أيضًا الستر وتحمل نفقات وأعباء هذا الشهر المادية المرهقة، التى يتم صرفها على العزومات المتبادلة، تلك العزومات التى تعتبر من أهم الطقوس والعادات فى عالمنا العربى والإسلامى، فهذا الشهر يعد أفضل مناخ لصلة الأرحام وتبادل الزيارات، ولم شمل العائلات والأصدقاء، حيث يتجمع الأطفال يلعبون ويمرحون ويُكَوِّن شباب كل عائلة مجموعات وحلقات طبقًا للمرحلة العمرية، كما يتسامر الأجداد والآباء والأمهات ويتبادلون ويتجاذبون أطراف الحديث حول ذكرياتهم فى هذا الشهر الكريم. تحرص معظم العائلات كل الحرص على إقامة تلك العزومات رغم غلاء الأسعار الفاحش وعدم وجود رقابة عليها من قبل الحكومة، لدرجة أن البعض يوفر ويتنازل عن بعض المطالب كى يتمكن من الادخار سنويًا ثمن تلك العزومات حفاظًا على هذه الطقوس ورغبة فى استمرارها، بينما يلجأ البعض مضطرًا إلى الدخول فيما يسمى "بالجمعية" ليدخر من العام للعام مبلغًا يساعده على تحمل تكلفة العزومات!! لا شك أن ربات البيوت عليهن العبء والضغط الأكبر لتجهيز هذه العزومات من الألف إلى الياء، فالكثير منهن يعتبرنها شرًا لا بد منه أو التعب اللذيذ، حيث يقمن أولًا بتحديد عدد العزومات ووضع قوائم للمأكولات والمشروبات والحلوى لتحديد سعرها مبدأيًا تمهيدًا لشرائها من المحال والأسواق، التى غالبًا ما تكون مزدحمة للغاية ومرهقة جدًا خصوصًا مع الارتفاع الشديد فى درجات الحرارة خلال السنوات الأخيرة.. وما إن ينتهين من عملية الشراء الذى يظل مستمرًا طول شهر رمضان فيبدأن الإعداد والطبخ واضعين فى الاعتبار مسألة الكم والكيف وتلبية رغبات المعزومين فردًا فردًا من حيث مقدار الملح والسكر وغيرها من الثوابت والعادات، التى يتمسك بها البعض حتى إن كانوا معزومين! ولم يقتصر الأمر على مجرد تجهيز العزومات فحسب بل تأتى المرحلة الأهم بعد انتهاء العزومات، وهى مرحلة تنظيف البيت وغسل الأوانى والأطباق، وكل ما تم استخدامه أثناء العزومة.. الأمر الذى يتعب ويرهق كل ربة منزل ويجعلها تعانى صحيًا عدة أيام خاصة إن كانت حاملًا أو ترضع أو لها أطفال صغار، كما يجعلها غير قادرة على صلاة القيام أو قراءة بعض أجزاء من القرآن والاستمتاع بروحانيات ونفحات هذا الشهر الإيمانية لانشغالها معظم الوقت بما هو أدنى!! المؤسف والمؤلم فى نفس الوقت أن أموالًا طائلة تُنفَق على هذه العزومات ببذخ وتبذير وتكلُف مبالغ فيه كى تظهر كل عائلة فى أحسن صورة وسيرة فيما بعد.. وكأن الأمر بمثابة سباق سنوى يتبارى فيه الجميع ليثبت كل منهم للآخر أنه الأكرم والأفضل!! غير عابئين بكميات الأكل الكبيرة، التى تتبقى والتى غالبًا ما يكون مآلها ومستقرها الأخير فى سلات المهملات، رغم كثرة الفقراء والمساكين الجائعين والمحتاجين فى بلدنا، والذين من الممكن أن يكونوا على بعد أمتار قليلة من هذه العزومات المهيبة!! أتمنى أن يأتى اليوم الذى تتغير فيه بعض العادات السيئة فى هذه العزومات وحبذا لو تمت اللقاءات العائلية بعد صلاة التراويح مع تناول بعض الحلوى والمشروبات تخفيفًا من معاناة الأسر وحتى لا يضيع شهر رمضان الفضيل هدرًا وهباء فيما لا ينفع بل يضر. [email protected]