الصب تفضحه عيونه, وجحود الأهل دفع مجنون ليلى إلى العناد وإطلاق صاروخ حكمته الخالدة: "و قد يجمع الله الشتيتين بعدما / يظنان كل الظن أن لا تلاقيا"، وتقول أمى "اللقا نصيب"، فأجيبها: "ليته قريب".. ولا يعرف السمك قيمة الماء إلا خارج الماءِ, ولا نعرف قيمة بلادنا, إلا خارج حدود بلادنا. يعيش الوطن داخلنا ونحن خارجه, تبعثرنا أحزانه, وتشطرنا فضائياته, تقول بلادنا "آه", فيقول الأطباء إن قلوبنا فى خطر, وإنه علينا الحذر من الجلطة, والعناية بضغط الدم, ولا يعرف الطبيب أن العلة هى المحبة, وأن مواجع الأحبة, لها فى القلوب حرائق وسنابل قمح ملتهبة. واستدعانى مقال كتبته فى بداية العام, وحمدت ربى لما ذكرته, وأنا أقرأ عن عفو رئيس الجمهورية عن شخصيات مصرية, أجبرها النظام السابق على العيش فى غربة وحزن, ومنهم الدكتور توفيق الواعى.. .. وعرفته بالكويت فتذكرت سنابل قمح الفيوم, وخير شمس أسيوط, وتذكرت أبى يرحمه الله, وتساءلت: لماذا يظل عالم أزهرى بلغ من العمر حكمته فى عقده الثمانينى, ممنوعا عن عشيقته, وكل ما يرجوه نظرة من وجهها الجميل, وكل طلب الرجل فيما تبقى من عمر- أطال الله عمره - أن يُدفن فى حضن سيدة نساء الحضارات. يقول العاشق الواعى: "سنين طوال وأنا أنتظر انقشاع الأحزان وظهور الإصباح, تساقطت على أمطار من السماء بدون غيوم, فنظرت فوجدتها دموع القمر, لقد أبكت همومى مهجة القمر, لقد سكبت جراحى دما حتى يرتوى عطش فرعون وما ارتوى... آه يا زمن حسبتك تخفف آهاتى.. ومالى من ذنب إليك علمته سوى أن قلت يا بلدى اسلمى.. خرجت أبحث عن دواء يداوى كلومى وجراحى.. أبحث عن مرسى عن ميناء, عن شاطئ ترسو عليه سفينة أحلامى, أبحث عن حب يذهب حزن الأيام, وعند فراقى لبلادى قبل 40 عاما, قلت لها وداعا يا حمامة الحب, ويا مراتع الصبا, ويا ديار الأحبة, وحين استقررت فى الغربة, همست للريح أن تحمل سلامى إليها. .. الدكتور توفيق الواعى رئيس قسم العقيدة والدعوة فى كلية الشريعة بجامعة الكويت سابقا، وعضو جبهة علماء الأزهر, الذى صدر له عفو رياسى وإذن بالعودة. فأهلا يا أيها الطائر الغرد, قد آن للمرتحل المنفى أن يسجد لله شكرا على أرض مطار القاهرة, وأن ينظر للنيل, وأن يطمئن, أن تراب مصر يسعه لو حان الأجل. [email protected]