ناقد فني: دراما خيالية تسئ لأهل الجنوب أثارت الدراما الصعيدية التي تعرض خلال شهر رمضان لهذا العام، غضب الكثير من أهالي الصعيد، ممن رأوا أنها لا تتطابق مع الواقع. إذ اعتبروا أن الدراما التي تقدم عن الصعيد خيالية ولا تمت للواقع بصلة وأن الهدف الأساسي منها ربح الأموال فقط، فيما وصفها ناقد فني بأنها "دراما خيالية تسئ إلى الصعيد أولاً ثم إلى مصر ثانيًا". وتعرض قنوات مصرية وعربية، عددًا من المسلسلات الصعيدية في رمضان هذا العام، من أهمها مسلسل "نسر الصعيد" الذي يقوم ببطولته محمد رمضان، ومسلسل "طايع" بطولة عمرو يوسف، ومسلسل "سلسال الدم" بطولة عبلة كامل، وغيرها من الأعمال الفنية. تامر المصري مدرس لغة عربية من سوهاج، قال إن "الدراما تبالغ في تجسيد حياة الصعايدة، وتتناسى أنهم مصريون من الأساس". وأضاف: "الصعيدي ليس كائنًا منفصلاً عن مصر وأحداثها، بل بالعكس هو شخص مؤثر في الأحداث، ويواكب تطورات التكنولوجيا". وأشار المصري إلى أن "اللهجات التي تقدمها الدراما المصرية تحمل أخطاء كثيرة، فلكل محافظة لها لهجتها الخاصة، فلا توجد اللهجة الصعيدي "اللي على بعضها"، فمحافظة قنا لها لهجتها الخاصة وسوهاج وأسوان وبني سويف وغيرها من محافظات الصعيد، لكل منها لهجتها الخاصة". وأكد أنه لابد أن يستعين مخرجو الدراما الصعيدية بمتخصصين من أجل تدارك هذه الأخطاء، والتوقف عن تقديم الصعيد في صورة الوضع في سبعينات القرن الماضي. من جانبه، قال رجب فاضل – مهندس زراعي – من سوهاج، إن "الدراما الصعيدية كلها تزييف للواقع، فأول كذبة أنها تشير إلى أن غير أبناء العائلات الكبرى من الممكن أن يدخلوا كليات الشرطة ولكن الحقيقة هو أن أبناء العائلات الكبرى فقط هي التي يحق لها ذلك". وأشار خطاب إلى أن "هناك عائلات محترمة لا تستطيع إدخال أبنائها كليات الشرطة بالرغم من وجود كوادر علمية فيها"، ملاحظًا أن "الدراما تجسد الصعايدة على أنهم متخلفون في حين أن الصعايدة في قمة الرقي والتحضر". زكريا عثمان – موظف- يقول إن "الدراما خدعت المجتمع الصعيدي والمصري والعربي في واقع الصعيد، من خلال إظهار حياة الرفاهية المبالغ فيها ونمط الحياة العصرية، والتركيز على الغنى الفاحش، وإظهار الصعيد على أنه واحة وجنة، بينما في الحقيقة هو من أشد الأقطار المصرية سوءًا وفقرًا وحرمانًا من الخدمات". وأضاف عثمان أن "الدولة اتجهت لإظهار الصعيد بهذا المظهر من عهد الرئيس الأسبق مبارك وظهر ذلك بترديد كلمة السرايا.. سراية رفيع العزايزي، (في إشارة إلى شخصية ممدوح عبدالعليم، في مسلسل "الضوء الشارد")، وسراية وهبي السوالمي تاجر المخدرات، وزكريا أبو العمدة اللي كان بيمثله رياض الخولي، ودور محمود ياسين في صابر الطحاوي، ومظهر العائلات الثرية القوية وتجارة السلاح والمخدرات والآثار". وتابع: "باختصار كتاب الدراما أظهروا الصعيد في الغالب بشخصية عزت حنفي الذي جسده الممثل أحمد السقا". واستدرك: "التناول بهذه الطريقة كان له أثره النفسي على بعض الصعايدة الذين يفتخرون بالصعيد، ليس من خلال الإنجازات ولكن من خلال الانتماء إلى مجتمع فلان الذي ظهر في مسلسل أو فيلم، وجعل المجتمع ينظر للصعيد نظرة مختلفة تأثرًا بحياة الدراما". من جانبه، قال الدكتور خالد عاشور الناقد الفني: "لا تقدم الدراما الصعيدية خاصة ما يمت إلى الصعيد بأي صلة، فلا الصعيد الذي تقدمه هو صعيدنا، ولا اللهجة هي لهجتنا، الاستسهال في هذه الأعمال الدرامية ربما نابع عن جهل متعمد أحيانًا، وربما عن تعمد في إظهار الصعايدة بهذا الشكل، وهم المهمشون في أي نظام وأفقر المحافظات هي محافظات الصعيد: قناوسوهاج والمنيا". وأضاف عاشور ل "المصريون":" أرى أن التوسع الهائل في الدراما الصعيدية لسببين خائبين في اعتقادي، أولهما: إزاحة وهم اهتمامهم بالقاهرة وحدها، وأظن ثانيهما ضمان جذب الناس بما تحويه مثل هذه الدراما من أزياء فلكلورية ولهجات حادة صارخة وتقاليد عجيبة وأحداث أكثر إثارة في حضور السلاح والمخدرات والآثار.. وكلها مما تفضّل الدراما حضوره وتؤثره على ما عداه ولو كان تقليديًا بائسًا". وأشار عاشور إلى "ارتباط الصعايدة، عند أكثر المصريين والعرب، بمعنيين متناقضين هما النكتة التي تثير الضحك، والفواجع الثأرية التي تثير البكاء، هذا الموروث الخاطئ الذميم هو ما جعلهم يتوقعون نسب مشاهدة أعلى ولا يندمون على مال ولا جهد أنفقوهما مهما كانا". ولفت إلى أن "الزى الصعيدي تغير، والعادات والتقاليد ذهبتا ما بين تطور واندثار، والثأر مضت أيامه الكبرى التي أضاء سماواتها رصاصُه، والمخدرات لم تكن يومًا ثقافة خالصة للصعيد ولا تهريب الآثار للأمانة، أما اللهجة فظلت كما هي، لكن بطريقتها لا بطريقة الدراما الملتوية الفجة، وبعض الصعايدة استبدلوا بها القاهرية". واختتم: "صعيدهم الذي يعرضونه في الدراما ليس صعيدنا الذي عشنا فيه ولا الدراما التي تعرضه أمينه على عرضه وعلى حياة الصعايدة، إنها دراما خيالية تسئ إلى الصعيد أولاً ثم إلى مصر ثانيًا".