مصرع أركان النظام السورى فى حادث تفجيرٍ فريدٍ من نوعِه عبرةٌ وعِظة لكل الطغاة الذين يذيقون شعوبهم الويلات ويمارسون حرب إبادةٍ بشعةٍ ضد عشَّاق الحرية دون هوادةٍ، غير مبالين بقانونٍ أو خلق أو ضمير.. لم يدرك هؤلاء الطغاة- وعلى رأسهم بشار الأسد- أنَّ رياح الثورة طالت كل مكان فى سوريا، وأنَّ الشعب يصرّ على تحرير بلاده من الاستبداد مهمَا كلَّفه ذلك من دماء وأرواح.. الشعب قامَ وانتفض وقطع خطَّ الرجعة إلى الذلّ والهوان مرة أخرى. لم يدرك الطغاة شيئًا من ذلك ولم يتَّعظوا بمصير المستبدين فى تونس ومصر وليبيا واليمن.. ولأنَّ قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة راحُوا يحرقون الأرض ويغتصبون العِرض ويقيمون المجازر فى كل مكان من سوريا.. واليوم يطلبون منا أن نذرف دموعًا على قتلاهم الذين تَمزّقت أشلاؤهم فى عملية التفجير.. نَسِى هؤلاء أنهم ما تركوا ذرَّة من تعاطف أو رحمة فى قلوب الشعوب.. ولو رحموا شعوبهم لرحمتهم القنابل والتفجيرات. وفى نفس اليوم والساعة من مقتل أركان النظام السورى جاء نبأ وفاة اللواء عمر سليمان الرئيس السابق لجهاز المخابرات المصرية، إضافةً لوفاة نائب رئيس المخابرات الخارجية فى الموساد الإسرائيلى ومسئول كبير فى المخابرات الإيرانية.. بما ألقى بظلال الشكّ أن الجميع كانوا مجتمعين فى مقرّ الأمن القومى بدمشق من أجل ذبح وإبادة الشعب السورى، فإذا بالتفجير يطال الجميع.. المعلومات الوارِدة من الجيش السورى الحرّ الذى نفَّذ عملية التفجير تؤكّد ذلك.. والبعض تحدَّث عن عملية نقل الجثث إلى أمريكا والنمسا وطهران لإخفاء الحقائق. على كلٍّ، سواء كانت الرواية صحيحة أو مبالغًا فيها، فإننا نرفض الشماتة أو التشفِّى فى موت أحد؛ لأنها ليست من شِيم المسلمين، لكن ما جرى فى دمشق هو ثمن طبيعى للطغيان الذى لا يزال يُمارس بحق السوريين.. وهو جزاء عادل لكل من يشارك فى قمع وقهر الشعوب. لكننا نعجب كلَّ العجب من أولئك الذين يريدون تَزْييف التاريخ مصورين للرأى العالم الطغاة على أنَّهم أبطال مغاوير.. وهو ما حدث عند وفاة عمر سليمان الذى صوَّره البعض- زورًا وبهتانًا- على أنَّه بطل قومى، والرجل لا يعدو إلا أن يكون أحد أركان الطغيان فى نظام مبارك المخلوع الذى جرَف مصر سياسيًا وثقافيًا.. وعاشت البلاد فى ظلّه أبشع سنوات الانحطاط والعمالة لأمريكا وإسرائيل، وعمر سليمان قدَّم خدمات جليلة لأمريكا فى حربها المزعومة ضدَّ الإرهاب؛ فطارد وعذَّب الإسلاميين دون مقابل، وشارك فى حصار وضرب غزة حتى كتَبت صحيفة «هآرتس» بالبنط العريض على صدر صفحاتها: «عمر سليمان الجنرال الذى لم يذرف دمعةً خلال حملة الرصاص المصبوب». ويكفى سليمان- الرجل الوفى لمبارك- أنَّ جهاز المخابرات تغيرت مهمته فى عهده من مكافحة التجسُّس الإسرائيلى إلى تعذيب ومطاردة الإسلاميين، ولعل أبرز عمليات التعذيب والقتل التى أشرف عليها قضية الشيخ طلعت فؤاد قاسم اللاجئ المصرى فى الدنمارك، الذى كان متحدثًا باسم الجماعة الإسلامية فى التسعينيات. وهى أمثلة قليلة من تاريخ عمر سليمان، الذى أفضَى إلى ربِّه.. هو وغيره من أركان الطغيان السورى.. لكن تَبْقى العِبْرة والعظة خالدة إلى يوم القيامة "الجزاء من جنس العمل".