رغم الثراء العربي البشري والمادي فإنه أدمن الفرجة من النافذة الضيقة على ما يجري في محيطه. أحداث دولية وإقليمية كثيرة لا يملك القدرة على التأثير فيها بسبب سياسة الانكفاء على الذات التي امتدت لعدة عقود، ظنا بأنها سبيل التنمية و التقدم والسلام، وقد ثبت خطأ ذلك كما تبين الخريطة الجيوسياسية الحالية للشرق الأوسط. دعنا نقفز مباشرة على النتائج لندرك أننا كعرب مجرد متفرجين رغم أن ما نتفرج عليه يخصنا بالدرجة الأولى. نبدأ بالانتخابات اللبنانية التي لعبت فيها إيران الدور الأول وتحكمت في نتائجها عبر سيطرة وكلائها على ما يسمى الثلث المعطل في البرلمان الذي يمكنه تعطيل القرارات المصيرية التي تعتمد على ثلثي الأصوات ومنها انتخاب رئيس الجمهورية. الاحتفاء الطائفي بالنتائج التي ظهرت في سلوك وكلاء إيران "حزب الله" تبين مدى الإصرار على التغلغل الإقليمي والتمدد في مناطق صارت قواعد نفوذ لها. الاحتفالات الطائفية شديدة العداء ضد الاختلاف الديني والمذهبي يبين بوضوح حقيقة ما يريده حكم الآيات من المنطقة العربية. كذلك يجب الاعتراف أننا بدورنا كعرب غائبون تماما عن التأثير، فقد خسرنا ساحتنا الحضارية الممثلة في لبنان. وإذا كانت نتائج الانتخابات لا تقلقنا فنحن لسنا غائبين فقط بل مغيبين أيضا. لا أحد يمكنه أن يجادل بوجودنا في قضية انسحاب الولاياتالمتحدة مع الاتفاق النووي مع إيران. لقد كنا نتفرج أيضا وكان ما يجري أمام الكواليس وخلفها عمل أميركي إسرائيلي محض. هل سنظل نتفرج من الزاوية الضيقة على مواجهة محتملة بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي من جهة وإيران من جهة فوق أرضنا العربية سواء كانت مباشرة أو بواسطة وكلاء. ما قاله الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بأن حرب الوكلاء انتهت وستبدأ حرب الأصلاء قد يكون له أبعاد حقيقية، لكن الأخطر من كل ذلك أن مدننا وحواضرنا ستكون ساحة هذا الصراع، وأن سوريا التي تحولت إلى أطلال قد لا تكون الضحية الوحيدة. في العراق.. إيران هي الموجودة وحدها منذ انتهى أمر صدام حسين. لقد دخلنا في تحالف دولي للقضاء على ذلك السفاح دون أن نحسب حسابنا ونجهز أنفسنا للمرحلة التي ستعقبه فكان أن تسلم وكلاء إيران هذه الدولة العربية الكبيرة والغنية ليقدموها طبقا لذيذا للفرس ليتمتعوا بانتقامهم التاريخي من العرب. ثم امتدت الكماشة إلى اليمن عبر وكيلهم هناك "الحوثي" والذي حول انقلابه ذلك البلد العربي الراسخ الجذور إلى أطلال جديدة. المشكلة أن سياستنا الخارجية تتدخل ببطء شديد وبعد خراب مالطا، وما يتم من تدخلات لا يكون بشكل مستقل خدمة لمصالحنا العربية، وإنما في إطار التداخلات الإقليمية التي لسنا من بينها، ومن ثم نكون وقود صراعاتها شئنا أم أبينا. هل يخرج ساستنا من النافذة الضيقة إلى فضاء أرحب لإنقاذ أمتهم وترتيب مصالحها.. أم أن مصيرنا سيظل معلقا بالقوى الكبرى الدولية والإقليمية؟! [email protected]