وظائف خالية.. مطلوب محاسبين ومهندسين وعمال إنتاج وأفراد أمن    وزيرا الأوقاف والعمل يضعان حجر الأساس لمسجد جديد ويعلنان مشروعات تطوير برأس غارب    التقديم للصف الأول الثانوي 2025.. رابط التسجيل والأوراق المطلوبة    بتكلفة 850 مليون جنيه.. افتتاح وصلة قطار بلقاس - المنصورة بالدقهلية    توجيه عاجل من الرئيس السيسي بشأن ضحايا حادث المنوفية    سعر الفضة اليوم السبت 28 يونيو 2025| ارتفاع جديد.. وهذا سعر الإيطالي    على مدار عام.. تنفيذ مشروعات استثمارية لتطوير ورفع كفاءة خطوط الإنتاج فى عدد من شركات الإنتاج الحربى.. والمشاركة فى تنفيذ المشروعات القومية والتنموية بالدولة وبمشاركة القطاع الخاص    وزير الزراعة: الصادرات الزراعية المصرية إلى هولندا 500 مليون دولار    تنسيقية شباب الأحزاب تنعى ضحايا حادث الطريق الدائري الإقليمي بالمنوفية    تحديد موعد الكشف الطبي ل ثيو هيرنانديز في الهلال السعودي    وكيل السلام الأممى يرفض انتهاك إسرائيل بالتواجد فى المنطقة العازلة مع سوريا    الافتتاح التجريبى لاستاد النادى المصرى الجديد فى عيد بورسعيد القومى.. تفاصيل    موعد مباراة بالميراس ضد بوتافوجو في كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    أيامه أصبحت معدودة.. تفاصيل العروض الخارجية لضم وسام أبو علي من الأهلي    قبل بيعها في السوق السوداء.. ضبط 6 أطنان أسمدة زراعية مدعمة داخل مخزن بالشرقية    رئيس المنطقة الأزهرية يتفقد لجان امتحانات الثانوية الأزهرية ويطمئن على دعم الطلاب    غلق وتشميع 35 محلا وكافيه غير مرخص فى أسوان    طقس شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا اليوم السبت 28 يونيو 2025 بكفر الشيخ    «الهلال الأحمر»: دراسة حالات أسر ضحايا حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية لتقديم الدعم اللازم    خلال أسبوع.. تحرير أكثر من 330 محضر مخالفات تموينية بمحافظة بني سويف    توثيق تراث فرقة رضا.. خطوة لحماية الهوية الفنية المصرية    فى ذكرى ميلاده.. أبرز مؤلفات عباس العقاد    الليلة شيرين عبد الوهاب وماجدة الرومي وطوطو نجوم حفلات ختام موازين    أسفار الحج (6)..الصفا والمروة وزهرة اللوتس    عيبك أولى بالإصلاح من عيوب الآخرين    محاضرات وجولات توعية خلال حملة التبرع بالدم في المنيا    محافظ الشرقية يفاجئ مستشفى بلبيس المركزى ويحيل عددا من العاملين للتحقيق    عودة الهضبة وعمرو مصطفى للتعاون الفني.. أبرز ملامح ألبوم عمرو دياب الجديد    شيماء عبد الحميد.. من مدرسة الصنايع إلى كلية الهندسة ثم وداع لا يُحتمل    وزير التعليم العالي يتفقد المشروعات الطبية والتعليمية في جامعة دمياط    نجم مانشستر سيتي يكشف خطة بيب جوارديولا للفوز على يوفنتوس    مدرب بالميراس: لن نُغيّر أسلوبنا أمام بوتافوجو وسنسعى لإيقافهم    "زيلينسكي" يعيد تشكيل هيئة أركان الجيش ويعين قائدا جديدا للقوات المشتركة    وزير التعليم العالي ومحافظ دمياط ورئيس جامعة دمياط يفتتحون ويتفقدون عددًا من المشروعات التعليمية والصحية بجامعة دمياط    منظمة أكشن إيد: مراكز توزيع المساعدات تحولت إلى فخ مميت لأهالي غزة    نقل حي ومُباشر لمبارايات الأدوار الإقصائية لكأس العالم للأندية من أمريكا حصريًا على شاشة MBC مصر2    تحذيرات من عواصف وأمطار رعدية في الصين    تحرير 144 مخالفة للمحال غير الملتزمة بقرار مجلس الوزراء بالغلق لترشيد الكهرباء    مصدر فلسطيني مسئول لسكاي نيوز عربية: حماس تضع 4 شروط لقبول صفقة التبادل    رونالدو: لسنا سعداء ولكنني أؤمن بمشروع النصر    "بصورة مع الأهلي".. زيزو يوجه رسالة لعبد الشافي بعد اعتزاله الكرة بقميص الزمالك    نقيب المحامين ينعي ضحايا حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية    قصة كفاح مهندسي مصر من أجل تحقيق حلم.. 8 سنوات تلخص رحلة إنشاء مصيف مطروح.. 25 مليون جنيه تكلفة المشروع    12 أكتوبر.. روبي تحيي حفلا في فرنسا    تحت رعاية وزير الثقافة.. انطلاق التحضيرات لمهرجان أكاديمية الفنون للعرائس    محافظ أسيوط يتفقد المنطقة التكنولوجية وواحة سيليكون بأسيوط الجديدة    السبت 28 يونيو 2025.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع    عاجل| الحكومة تقرر صرف 1500 جنيه لهؤلاء المواطنين بعد شهريين: شوف لتكون منهم    مصر ترحب باتفاق السلام بين الكونجو الديموقراطية ورواندا    ضحى همام.. رحلت قبل أن تفرح بنجاحها في الإعدادية    تعليم المنوفية: إعلان نتيجة الشهادة الإعدادية اليوم عقب اعتمادها من المحافظ    الإسماعيلية تحتفل باليوم العالمي للتبرع بالدم (صور)    مع شروق الشمس.. أفضل الأدعية لبداية يوم جديد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 28-6-2025 في محافظة قنا    رسميًا.. موعد صيام يوم عاشوراء 2025 وأفضل الأدعية المستحبة لمحو ذنوب عام كامل    حزب الجبهة الوطنية يعلن تشكيل أمانة البيئة والتنمية المستدامة    حسام الغمري: «الاختيار» حطم صورة الإخوان أمام العالم (فيديو)    ستجد نفسك في قلب الأحداث.. توقعات برج الجدي اليوم 28 يونيو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يحل الله للمسلم أن يتزوج مسيحية ثم يحرم عليه تهنئتها؟
نشر في المصريون يوم 04 - 05 - 2018

الطيب خلال إلقائه المحاضرة السنوية للمجلس الإسلامي في سنغافورة:
- لم يُسَجِّل التاريخ حالة واحدة دخل فيها المسلمون بلدًا وخيَّروا أهلها بين الدخول في الإسلام أو القتل
- الإسلام دين السلام ليس بين المسلمين فقط.. إنما بين المسلمين وغير المسلمين
- من الجهل الفاضح بالإسلام والقرآن أن يُقال إن علاقة المسلم بغير المسلم أو بالكافر هي علاقة الدم
- القتال في سبيل الله له ضوابط وقيم لو تجاوزها المسلم في دفاعه كان معتديًا
- على المسلم الذي يقتدي بنبيه أن يكون مصدر رحمة لنفسه وللمسلمين وللناس أجمعين
- من المهم جدًا للمسلمين في المجتمعات غير الإسلامية أن يندمجوا في مجتمعاتهم اندماجًا إيجابيًا
ألقى الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، اليوم الجمعة، المحاضرة السنوية للمجلس الإسلامي في سنغافورة، والتي جاءت تحت عنوان " دور الأديان في توحيد الأوطان"، وذلك في إطار زيارة فضيلته الحالية إلى جمهورية سنغافورة، وضمن احتفال المجلس الإسلامي السنغافوري بمرور 50عامًا على تأسيسه.
وفيما يلي نص المحاضرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله والصَّلاةُ والسَّلام على سيِّدنا رسولِ الله وعلى آله وصحبه.
الجمعُ الكريمُ!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد؛
فيطيبُ لي أن أبدأ حديثي إليكُم بتقديم خالصِ الشُّكرِ والتَّقديرِ لدولةِ سنغافورة رئيسةً وحكومةً وشعبًا على الدعوة الكريمة، وعلى حُسن الاستقبالِ وكَرَم الضِّيافةِ والحفاوةِ بي وبوَفدِ الأزهرِ المرافِقِ.
وأوَدُّ أن أُوضِّحَ في بداية محاضرتي أيضًا أن زيارتي لسنغافورة ليس المقصودُ بها زيارة المسلمين فقط؛ بل هي زيارةٌ لشعبِ سنغافورة "مسلمين وغير مسلمين"، من أجلِ تدعيمِ وَحدَتِهم العظيمة، وعَيشِهم المشتَرَكِ، وتقديمهم نموذَجًا رائعًا للأخوَّة في الوَطَن وفي الإنسانيَّةِ، والعملِ يدًا واحدةً من أجلِ مُجتمَعٍ راقٍ مُتقدِّمٍ وقويٍّ.
جئتُ لأحيِّي هذا النّموذَج الذي ضرَب أحسنَ الأمثلةِ في تحقيقِ السَّلامِ المجتمعي بين أفرادِ الشَّعب، وبينه وبين الشُّعوبِ المجاوِرَة، وأسألُ الله تعالى أن يُديم على هذا البلد أَمنَها وسلامتَها، وأن يَمُنَّ على البلادِ أجمع نِعمةَ الأمن والسَّلام.
أيها الحفل الكريم!
الحديثُ عن قتلِ النَّاس باسمِ الأديانِ، والذي عُرِف مؤخَّرًا بظاهرة الإرهابِ، حديثٌ طويلٌ مُحزِنٌ، ولا تتَّسِعُ لبيانِه محاضَرةٌ ولا محاضراتٍ، وأعتقدُ أنني لو استطعتُ أن أوضِّحَ براءَ الدِّينِ، أيِّ دينٍ من هذه الجرائم المنكَرَة التي تُرتَكَبُ باسمِه وتحت لا فِتَتِه - فإنِّي أكون قد وُفِّقْتُ في تحقيق الهدفِ من هذه الزِّيارة.
وما أقولُه هنا عن الدِّين الذي أعتنِقُه، يَنطبِقُ في معناه على الأديان الإلهيَّة الأخرى السَّابقةِ على الإسلامِ، وهي أديان وأومِنُ بها وبأنبيائها ورُسُلِها وكُتُبِها السَّماويَّة المُنزَلَةِ، إيمانا مساويا لإيماني بديني..
وسوفَ أُلخِّصُ محاضرتي فيما يُشبِهُ نقاطًا أو فقراتٍ ينبَنِي بعضُها على بعضٍ، مؤيَّدة بشواهدَ من القرآن الكريم في آيات واضحةِ المعنى وضوحَ الشَّمس في رابعةِ النَّهار.
وأوَّلُ حقيقةٍ قرآنيَّةٍ تُطالعُنا في هذا الموضوع هو بيان موقِعِ الإسلام من الأديانِ السَّابقةِ عليه، وأقربُها زمنًا منه: المسيحيَّةُ ومِن قَبلها اليهوديَّة.. وفي هذا الموقف تُقرِّرُ آياتُ القرآن الكريمِ أنَّه لا توجد – في منطق القرآن الكريم - أديانٌ مختلفةٌ، ولكن توجد رسالاتٌ إلهيَّةٌ، تُعبِّرُ عن دِينٍ إلهيٍّ واحدٍ، كان الإسلامُ هو الحلقةُ الأخيرةُ فيه، وممَّا يجب التَّنَبُّه له هنا أن كلمةَ "الإسلام" التي ورَدَت في القرآنِ خمس مرَّاتٍ فقط، وكذلك كلمة "مسلمين" لا يُقصَدُ بها – غالبا - الرِّسالةَ التي نزَلَت على نبيِّ الإسلامِ تحديدًا، وإنَّما يُقصَدُ بها الدِّين الإلهي الذي اختارَه الله لهدايةِ الإنسانيَّةِ كلِّها منذُ بدءِ الخليقةِ وإلى انتهاءِ الزَّمان والمكان..
ومن هنا أطلقَ القرآنُ لفظَ "مسلم" على نُوح، وعلى إبراهيم، وعلى يعقوب وأبنائه، وعلى موسى وعيسى ومحمد عليهم جميعا أفضل الصلاة والسلام.
وحين يقرر الإسلام ذلك؛ فليس أمامنا في فهم معنى هذه الآيات إلا فهمٌ واحدٌ، هو: أن الإسلام في القرآن يطلق على دين واحد مشترك بين الأنبياء جميعا، وأن الحلقة الأخيرة من هذا الدين هي رسالة الإسلام التي نزلت على محمد خاتم الأنبياء والمرسلين(). بل إن شريعة الإسلام هي – في أكثر مناحيها – متطابقة مع الشرائع السابقة().
ولا شك أن ها هنا وَحدَةً عُضويَّةً بين الرِّسالاتِ الإلهيَّةِ السَّابقةِ ورسالةِ الإسلامِ الأخيرةِ.
ثم هناك وِحدَةٌ عضويَّةٌ أخرى تربط نبيَّ الإسلام بإخوته السابقين عليه من الأنبياء والمرسلين()، وهي علاقة الأخوة التي عَبَّرَ عنها نبيّ الإسلام صلى الله عليه وسلم بقوله: "أنا أولى الناس بعيسى بن مريم، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد". والإخوة لعَلَّات هم: الإخوة من أب واحد وأمهات شتى، والأب الواحد في هذه الصورة الجميلة هو هذا الدين الإلهي الواحد الذي ينتسبون إليه جميعا بِنَسَبٍ واحد لا اختلاف فيه، والأمهات التي تُفرِّقُهم هي الأزمنة والأمكنة.
والشيء نفسه يقال على صلة القرآن بالكتب الإلهية السابقة، بحيث نقرأ في القرآن ما يدلنا على أن الإنجيل مصدق للتوراة ومؤيد لها، وأن القرآن مصدق ومؤيد للإنجيل والتوراة.
النقطة الثانية:
ما هي علاقة المسلمين بغير المسلمين؟ هل هي علاقة إخوة إنسانية، أو عداوة متبادلة؟
لو بحثنا عن الإجابة لهذا السؤال من نصوص القرآن الكريم فسوف نجد الإجابة في هذا الكتاب المنزل تنبني على أصول ثلاثة، أو حقائق ثلاث تشكل جوهر نظرية الإسلام في القرآن الكريم.
الحقيقة الأولى: هي ما يمكن أن نسميها "حقيقة الاختلاف الكوني"، وتعني باختصار شديد: أن الله تعالى لو أراد أن خَلْق الناس على دين واحد، وعرق واحد، ولغة واحدة، لفعل ولتحقَّقَت إرادته ومشيئته، لكنه لم يشأ ذلك، وشاء عَكسَه وهو خَلق الناس مختلفين في الأديان والأعراق واللغات: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} [هود: 118-119] ويتبع اختلاف الناس في العقيدة والعرق واللغة اختلافهم بالضرورة في العقول والتصورات والأحاسيس والمشاعر..
وخلاصة هذا الأصل: أن القرآن يقرر اختلاف الناس في الاعتقادات وفي الأفكار والمشاعر والسلوك، وأن هذا الاختلاف سنة إلهية، وأنه باق فيهم إلى يوم القيامة..
الحقيقة الثانية التي تترتب منطقيا على الحقيقة الأولى: هي حقيقة حرية الاعتقاد التي كفلها القرآن للإنسان أيا كان نوع هذه العقيدة، وأيا كان قُربها أو بعدها من الدين الإلهي الصحيح؛ فحُريَّةُ الاعتقاد هي الوجه الآخر لحقيقة الاختلاف، ولا يُعقل في الحكمة الإلهية أن يُخبرنا الله بأنه خلق عباده مختلفين ثم يطلب منا أن نحشرهم على دين واحد، ونصادر عليهم حرياتهم في الاعتقاد في أديان أخرى، فهذا عبث لا يليق بحكمة الله تعالى، أضف إلى ذلك أن هذا التعارض بين إقرار الاختلاف في موضع ومصادرته في موضعٍ آخر يؤدِّي إلى القول بتناقض القرآن الكريم وهو مما لا يتصوره العقل في جناب الحكمة والعدالة الإلهية.. والقرآن مملوء بالآيات التي تقرر حرية الاعتقاد..، في مقدمتها، {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}، {لا إكراه في الدين} ، {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا
الحقيقة الثانية هي: ما يُسمَّى بحقيقة التعارف والتكامل، وتعني أن العلاقة بين المختَلِفينَ الذين يملكون حرياتهم لا يصح أن تكون علاقة صراع ومغالبة؛ لأن علاقة الصِّراع إنما تعني القضاء على الآخر المختلف، ولا تنتهي هذه العلاقة إلَّا بإبادة أحد الطرفين المتصارعين، وفرض الرؤية الواحدة أو الثقافة الواحدة التي يُختلف عليها.. وهنا يقرر القرآن الكريم أن علاقة الناس في إطار حق الاختلاف ومشروعيته – هي علاقة التعارف وهي: علاقة السلم والتعاون والتكامل.
وإذن فمن الجهل الفاضح بالإسلام والقرآن أن يُقال إن علاقة المسلم بغير المسلم أو بالكافر هي علاقة الدم، أو يُقال: إن الإسلام دين سيف وذبح ومطاردة الآخرين وإكراه الناس على الإسلام وإلَّا طارت رقابهم، وقد تعلَّمنا في الأزهر الشريف في أبواب الفقه أنَّ عِلَّةَ القِتال في الإسلام ليست هي الكفر وإنما هي العدوان على المسلمين، ومن قال من غير ذلك من العلماء مردود عليه من كبار الأئمة المحققين، الذين نقضوا هذا الرأي المخالف، بأدلة من المعقول والمنقول، وقالوا: إن الحالة الوحيدة التي يجب على المسلم أن يحمل فيها سلاحه ويُقاتل غيره هي حالة اعتداء الغير على المسلمين، سواء كان الاعتداء على العقيدة أو الأرض أو المال أو العِرض، فهاهنا يجب الدفاع عن هذه الحرمات، وهذا ما تفرضه كل شرائع الحق والعدل، ولأن الحرب في الإسلام استثناء واضطرار فقد نهى الله المسلمين –إذا كُتِب عليهم القتال- أن يجاوزوا الحق في الدفاع عن أنفسهم، وسمَّى هذا التجاوز بالاعتداء فقال في القرآن الكريم: ?وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ? [البقرة: 190]، فالقتالُ في سبيل الله له ضوابط وقيم لو تجاوزها المسلم في دفاعه كان معتديًا، والله يكره المعتدين ويمقتهم.. والمتأمِّلُ في أوَّل آيةٍ تأذن للمسلمين في قتال أعدائهم هي قوله تعالى: ?أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز? [الحج 39-40]. وهذه الآية تُثبِتُ بجلاء أنَّ أوَّل أسباب مشروعية القتال في الإسلام هو: نصرة المظلومين وتمكينهم من حقهم في حياة آمنة مثل غيرهم، وأن الإسلام يوجب الحرب للدفاع عن الأديان السماوية، وليس عن دين الإسلام وحده ضد عدوان أعداء هذه الأديان. وهذا يُفهَمُ من ذِكْر دُور عبادة اليهود والمسيحيين مع المسجد الذي هو دار عبادة المسلمين.
والدليلُ على أن الحرب في شريعة الإسلام إنما هي لدفع العدوان وليس لإكراه الناس على اعتناق الإسلام أمران:
1- الأول: أن البلاد التي فتحها الإسلام كان المسلمون يخيِّرون أهلَها بين الدخول في الإسلام إذا أرادوا ذلك، أو البقاءِ على أديانهم وشعائرهم ومعابدهم وعاداتهم وتقاليدهم، مع تَعَهُّد المسلمين تَعهُّدًا شرعيًّا بضمان حريَّتهم كاملة في اعتقاداتهم، وحراسة الدولة لكنائسهم، ومعاملتهم بالقاعدة التي نحفظها وهي: «لهم ما لنا وعليهم ما علينا».. ولم يُسَجِّل التاريخ حالة واحدة دخل فيها المسلمون بلدًا وخيَّروا أهلها بين الدخول في الإسلام أو القتل أو التهجير القسري من البلاد.
2- الأمر الثاني: أن الإسلام يحرم على المسلم أن يقتل في جيش الأعداء الطفل والمرأة والرَّجُل الضَّعيف والأعمى والمُقْعَد والعُمَّال والزُّرَّاع والرُّهبان، وعِلَّة تحريم قتلهم؛ أنهم وأمثالهم لا يحملون السلاح ولا يمثلون عدوانًا مباشرًا على المسلمين، لذلك حَرُم قتلهم، لأن «العدوان» غير متحقق فيهم، بل نقرأ في وصايا قادة جيوش المسلمين: حرمة قتل الحيوان في جيش الأعداء، اللَّهُمَّ إلَّا لضرورة الأكل، وكذلك يحرُم حرق الأشجار وتفريق النحل وهدم المباني والبيوت..
الحفل الكريم!
إذا أردنا أن نلخص كلماتنا عن الإسلام في هذه الأمسية فإني أقول: الإسلام دين السلام ليس بين المسلمين فقط، بل بين المسلمين وغير المسلمين، ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم بعثه الله رحمة للعالمين، ولم يقل القرآن: رحمة للعالمين، بل قال: {للعالمين}، و"العالمين" جمع "عالم"، والعوالم أربعة كما نعرف: عالَم الإنسان، وعالَم الحيوان، وعالَم النبات، وعالَم الجماد.
وعلى المسلم الذي يقتدي بنبيه أن يكون مصدر رحمة لنفسه وللمسلمين وللناس أجمعين.
وإذا كان الإسلام دين رحمة لكل العوالم؛ فمن المنطقي أن يحرم إراقة الدماء، ولا يبيحها إلا حين تكون حقا للآخر، والذين يقتلون باسم الإسلام مجرمون مفسدون في الأرض، وعقوبتهم معلومة من القرآن الكريم.
والإسلام دين يسر في عقيدته وشريعته وأحكامه، وقد أكد القرآن هذا اليسر في موضعين، وبكلمات متماثلة، فقال: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}، وفي موضع آخر: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}.
والإسلام دين الأخوة الإنسانية، وهذا هو الإمام علي كرم الله وجهه، يقول ناصحا المسلم: "الناس إما أخ لك في الدين، وأو نظير لك في الإنسانية"، وإذا كانت الأخوة الدينية ترتِّب على المؤمنين حقوقا وواجبات؛ فإن الأخوة الإنسانية ترتب على الناس حقوقا وواجبات أيضا..
والإسلام دين ينهى عن الغلو والتشدد، ويحذر من التطرف في الفهم، لما يترتب على ذلك من تضييق على الناس في دين الله، ودين الله يسر لا عسر.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إيذاء أهل الكتاب أو ظلمهم فقال: "ألا من ظلم معاهَدا أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه، فأنا خصمه يوم القيامة".. وقال في حديث آخر: "من قتل معاهَدًا لم يَرِح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما"..
وأنا أعجب من هؤلاء الذين لا يأكلون طعام أهل الكتاب، وهو يقرأون صباح مساء: {اليوم أحل لكم الطيباتُ وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم}، ومن حق المسلم أن يطمئن إلى اللحم الذي يقدم: إذا كان مذبوحا فيأكله، أو بطريقة أخرى غير الذبح فيعتذر عن أكله.
وأعجب كذلك من الذين يحرمون تهنئة المسيحيين في أعيادهم وهو يقرأون صباح مساء قوله تعالى في نفس الآية السابقة: {والمحصنات من المؤمنات والمحصناتُ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}، أي: أحل الله للمسلمين الزواج من المحصنات من أهل الكتاب، فهل يعقل أن يحل الله للمسلم أن يتخذ زوجة مسيحية يبادلها المودة والرحمة، ثم يحرم عليه أن يهنئها بأعيادها!؟
وقد تقولون: هذا الذي تقول يتعلق بمعاملة أهل الكتاب، فماذا عن معاملة المسلم لغير أهل الكتاب؟
والجواب هو قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين}، وإذن فمطلوب من المسلم شرعا أن يتعامل مع الناس جميعا بالبر وبالقسط الذي هو العدل؛ لأن الله يحب الذين يتعاملون مع غيرهم بهذه الأخلاق.
السيدات والسادة:
من المهم جدا في هذا العصر أن نفهم القرآن والحديث النبوي فهما صحيحا أولا قبل أن ننزل به إلى واقع الناس، ومن المهم جدا للمسلمين الذين يعيشون في مجتمعات غير إسلامية، أو مجتمعات تتعدد فيها الأديان والأعراق، أن يندمجوا في مجتمعاتهم اندماجا إيجابيا، وأعني بالاندماج الإيجابي الانخراط في المجتمع، مع التمسك بما يحفظ عقيدتهم وشريعتهم، والمحافظة على هويتهم وأيضا بما يجعلهم أعضاء فاعلين في مجتمعاتهم، يسهمون في تنميتها واحترام القوانين، وأديان الآخرين وعقائدهم وتقاليدهم، واعلموا أن احترام عقيدة الآخر شيء ، والإيمان بها شيء آخر مختلف تماما.
وليس المطلوب للمسلم مع غيره إلا الحوار الإيجابي البناء الذي عبر عنه القرآن {بالتي هي أحسن}، وعلينا أن نعلم أنه: لا حوار في العقائد؛ لأن الحوار في العقائد صراع منهي عنه، وأن نبحث عن المشتركات الإنسانية بين المؤمنين وغير المؤمنين، فقد خلقنا الله لنتعارف كما مر في أول الكلام، لا لنتصارع أو ليقتل بعضنا بعضا...ويعجبني قول أبي عَمرٍو ابن الصلاح (ت.643ه) -رحمه الله – في استدلاله على المسلم يحرم عليه قتل الكفار المسالمين: "ما خلقهم الله ليأمر بقتلهم"، فهذا عبث لا يليق بالحكمة الإلهية، وكلامه هذا إشارة إلى قوله تعالى في سورة التغابن: {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن، ولله بما تعملون بصير}، [التغابن: 2].
وقد قدم الله الكافر على المؤمن في الآية، والحكمة في ذلك – كما يقول المفسرون – لأن الكفار أكثر عددا من المؤمنين.
هذا ما أردت أن أدور حوله في كلمتي هذه.. وأعلم أني قد أطلت عليكم...ولكن يشفع لي صبركم على سماعي، وأجر الصابرين كما هو معلوم عظيم وبغير حساب.
شكرا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.