إن الله تعالى أمر بالعدل فى الحكم بين الناس. قال سبحانه مخاطبًا عبده الصالح داود عليه السلام بقوله: "يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ"[ص:26]، وقال سبحانه مخاطبًا عباده المؤمنين ومنهم القضاة: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً" [النساء:135] وقال جل ثناؤه: "وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى"[المائدة:8]. ويقول النبى صلى الله عليه وسلم: القضاة ثلاثة: قاضيان فى النار وقاضٍ فى الجنة. رجل قضى بغير الحق فعلم ذاك فذاك فى النار، وقاض لا يعلم فأهلك حقوق الناس فهو فى النار، وقاضٍ قضى الحق فذلك فى الجنّة.. أما عن المراد بالقضاء فى هذا الحديث، فإن القاضى فى العموم هو من يحكم بين اثنين أو أكثر فى قضية، ويكون حكمه ملزمًا، وهو أعم من القاضى عرفًا، والمقصود هو قاضى المحكمة، وعليه فقضاة الشرع لا شك أنهم داخلون فى هذا الحديث، وهم لا شك أحد ثلاثة أصناف كما فى الحديث " قاضيان فى النار وقاض فى الجنة"، ذلك لأن القضاء منصب عظيم فى الإسلام، ويحتاج إلى العلم بالكتاب والسنة، ومناط الأحكام وواقع الناس. أما قضاة المحاكم الوضعية التى لا تحكم بين الناس بشرع الله، فهؤلاء عملهم غير مشروع أصلاً، ولا يجوز لهم ابتداءً أن ينضموا إلى المحاكم الوضعية التى تحكم بغير شريعة الرحمن، وهؤلاء سواء أصابوا الحق أم لم يصيبوه هم على معصية وشر، بسبب رضاهم بالتحاكم إلى القوانين الوضعية. و قال الدكتور على جمعة - مفتى الجمهورية- إن النوع الأول هو القاضى الذى فى الجنة، فهو من عرف الحق وقضى به، والثانى هو القاضى الذى يعرف الحق ويجور فى الحكم، وده يبقى (قاضى ضلالى) وهو فى النار، والثالث رجل قضى للناس على جهل فهو أيضًا فى النار لأنه (بيطلسأ) القضايا من غير قراءة ولا دراسة متأنية». (جريدة المصرى اليوم الاثنين 30 أغسطس 2010) . وقد ترددت حكايات وطرائف كثيرة شاعت بين العامة والخاصة بشأن القضاء والقضاة. فيحكى أن رجلاً جاء لمنزل القاضى ليلاً وسلمه قفصًا مليئًا بالدجاج، ليحكم له أمام خصم عنيد... علم خصمه بالأمر فأرسل للقاضى ثورًا أصيلاً, وفى مجلس الحكم لاحظ صاحب قفص الدجاج أن القاضى يميل للخصم فتنحنح بصوت شبيه بصوت الدجاج ليذكر القاضى بالقفص... رد القاضى بنحنحة أقوى ومقلدا صوت الثور مشيرًا بيديه للآخر..!! • ومثل الذى يعلم الحق ويقضى على هواه: يقال أن صياداً اصطاد حمامًا؛وبعد ذبحه ونتف ريشه وتنظيفه وتبهيره اتجه إلى الخباز ليشويه له بالفرن؛ وأثناء (الشوى) مر قاضى القرية ليشترى خبزًا فاشتم رائحة الحمام فطلب من الخباز إعطاءه الحمام وطمأنه بالايخاف من صاحب الحمام الذى عاد بعد قليل وسأله عن حمامه فقال له (الخباز) حمامك طار.. حمامك طار؛ وأثناء النقاش دفعه صاحب الحمام فوقع الخباز على امرأة حامل. فى الشهر الرابع فسقط الجنين وسالت الدماء.. التى أخافت الخباز فهرب من زوج المرأة ومن صاحب الحمام وقبل أن يدركوه... لم يجد مايمسك به ويتعلق سوى (ذنب حمار) انقطع بين يديه، فقبض عليه صاحب الحمار، وذهب الثلاثة إلى ذلك القاضى (الذى وجدوه) يتجشأ من التهامه ذلك الحمام. وعندما سمع القاضى شكوى صائد الحمام الذى أتى به مذبوحًا ومنظفًا مبهرًا للخباز الذى ادعى(الحمام طار..طار) فأجابه القاضى بابتسامة قائلاً: إن الحمام يطير بعد الموت، وهناك سابقة مذكورة فى القرآن؛ وقرأ عليه قول الله عز وجل لإبراهيم الخليل عليه السلام (فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءًا ثم ادعهن يأتينك سعياً واعلم أن الله عزيز حكيم). يعنى ياصاحب الحمام الخباز صدقك القول بأن حمامك طار. ثم التفت إلى زوج المرأة التى أسقط الخباز جنينها حين وقع على بطنها.. وسأله عن أى شهر كانت من شهور حملها؟ أجابه إنها كانت فى الشهر الرابع.. فحكم القاضى أن يترك زوج المرأة زوجته عند الخباز ليقوم بزرع جنين بدلاً من الذى سقط!! وعندما يكون الجنين الجديد فى الشهر الرابع.. يعيد الخباز الزوجة لزوجها؛ وفور سماع الزوج بهذا الحكم هرب مع زوجته تاركًا القاضى (ينكش) أسنانه؛ ليسأل القاضى صاحب الحمار عن (قصة ذنب الحمار المقطوع؟!). فابتسم صاحب الحمار قائلاً للقاضى (حمارى ماله ذنب أصلاً) وهرب خوفًا من حكم القاضى الجاهل الجهول.