أنتمي إلي جيل استوعب وجدانه الوطني نشيدا غنته أم كلثوم وألفه صلاح جاهين ولحنه كمال الطويل، رددته الجماهير المصرية والعربية إبان العدوان الثلاثي علي بورسعيد عام1956 وما بعده يبدأ النشيد: والله زمان يا سلاحي.. اشتقت لك في كفاحي انهض وقول أنا صاحي.. ياحرب والله زمان ولا أدري السبب الذي جعلني استرجع دائما هذا النشيد كلما مرت بنا الأيام والأحداث بعد الغزو الانجلو أمريكي علي العراق، ثم اقتربت منا كما أني لا أدري السبب الذي يجعلني أردد معه نشيدا اخر لذات الفنانة العظيمة، أم كلثوم، وعلي ما أتذكر من ألحان الموسيقار الراحل رياض السنباطي، وهو نشيد، بغداد يا قلعة الأسود. وبلا شك لا يعود السبب إلي مجرد إحساس عارم بالعروبة والوطنية علي الطريقة الرومانسية الحالمة، وإنما قد يعود السبب إلي حالة من القلق الشخصي، الذي لا أستطيع التخلص أو الهروب منه، علي الأرض التي نعيش عليها وعلي العلم الذي يستظل به كل المصريين، وهي حالة يشاركني فيها الكثير من الأحباء والأصدقاء، وكنت أتصور أنها حالة تستوعب دائرتها أعدادا أكبر من أحبائي وأصدقائي المقربين، خاصة اذا كان هذا العدد الأكبر من المنخرطين في العمل السياسي، ألا نقع جميعا تحت ذات الظروف التي تحيط بمنطقتنا العربية التي تعوم علي بحيرات من دماء المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ وشباب؟ ألا نقع جميعا تحت ذات الظروف التي لاندري بالضبط.. بالضبط.. ماذا سيتمخض عنها من نتائج بعد شهر أو بعد عام أو حتي بعد أسبوع واحد من وقوعها. كانت هذه هي حالتي الوجدانية وأنا أقدم علي المشاركة في انتخابات عام2005 في ذات الدائرة التي خضت فيها انتخابات عام2000 وهي دائرة بولاق أبو العلا، الدائرة رقم17 بمحافظة القاهرة للفوز بمقعد الفئات، وهي الدائرة التي تحتضن أرضها مؤسسة الأهرام التي ما أزال أشرف بالانتماء إلي أسرة تحريرها. ودائرة بولاق أبو العلا من الدوائر القاهرية التاريخية الانتاجية والمالية والسكانية الكثيفة القديمة، ويعود تاريخها إلي تاريخ القاهرة ذاتها، دائرة تضم منطقة تجارية تسعي إليه الأسر من كل محافظات القاهرة الكبري الثلاث لشراء احتياجاتها من الأقمشة والملبوسات بأسعار تنخفض كثيرا عن أسعار السوق العادية، وهي منطقة وكالة البلح، وفي الدائرة مئات الورش الصناعية والمتوسطة والصغيرة كما أن بها بعض الصناعات الكبيرة نسبيا، تضم سوق عمل متنوعة ولاتزال ورشها وصناعاتها تمثل المدرسة الحقيقية والعملية للتلمذة الصناعية التقليدية، وبها تجارة خشب وحديد وخردة وقطع غيار السيارات تشغل وحداتها التجارية والصناعية هذه الاف الايدي العاملة، وبها أعداد هائلة من خريجي الجامعات وحاملي الدرجات العلمية، يعمل البعض منهم في حرف لم يتعلموها في دراستهم لمجرد توفير الدخل، ويستمر عدد هائل في حالة بطالة، تضم رجال أعمال كبارا جدا جدا كما تضم فقراء المنازل الآيلة للسقوط، في جزئها الفقير لاتزال النساء يحملن المياه من الحنفيات العامة إلي منازلهن. في صباح كل يوم نجد عشرات الفتيات العاملات الخارجات من بولاق أبو العلا متجهات للعمل في المحال التجارية الخاصة الصغيرة في وسط البلد، منهن من تحمل شهادة متوسطة وأخري من تخرجت في الجامعة، ومع الوقت يتراجع عدد حاملات الشهادات المتوسطة امام عدد حاملات الشهادات العليا، يقبلن جميعا العمل بأجر يومي لأنهن لم يجدن فرصة عمل أخري يسهمن بها في إعالة أسرهن. مشكلة أهالي بولاق أبو العلا أنهم يعيشون في حالة قلق من انكماش الرقعة التي يعيشون عليها، يقولون ان التخطيط الجديد للدائرة سيأكل بولاق قطعة بعد أخري، لايزال الكثيرون يتذكرون شياخة الترجمان التي أزيلت بالكامل بحجة التطوير والتحديث، دائرة مغرية للآخرين لانها تقع بين كورنيش النيل الجميل وشارع الجلاء مساحة أرض جزء من وسط العاصمة، مغرية للبيع وللشراء. استمرت علاقتي بالدائرة بعد الانتخابات الفائتة.. ولكن بحرص شديد خوفا علي كل من يتصل بي أو أتصل به خاصة بعد كل الملاحقات الأمنية التي عانيت منها في انتخابات عام2000، كما كنت أحاول متابعة نشاط عضوي الدائرة الفائزين في انتخابات عام2000، في جلسات مجلس الشعب خاصة في المناقشات التي كانت تدور حول التعديلات الأساسية في القوانين المختلفة! باختصار.. هذه هي الدائرة التي خضت فيها انتخابات عام2000 ثم2005. في هذه الانتخابات الأخيرة كنت مرشحة لمقعد الفئات ضمن أربعة مرشحين أحدهم محام واثنان من رجال الأعمال اما مقعد العمال فتنافس عليه خمسة مرشحين، من المرشحين التسعة، الفئات، والعمال كنت الوحيدة المنتمية لجبهة الأحزاب عن حزب التجمع بجانب مرشح اخر لمقعد العمال مستقل حقيقي حقيقي حقيقي.. وهو رجل شجاع، ضرير، أما باقي المرشحين السبعة، من فئات وعمال فكانوا جميعا أعضاء في الحزب الوطني، وكأننا كنا في أحد المجتمعات الانتخابية للحزب الوطني ولكن في خارج أحد مقاره، كلهم وطني، ولكن.. واحد وطني أصلي واخر وطني مستقل هكذا والله العظيم بلا مبالغة. والحالة رغم غرابتها تتكرر في كل الدوائر. في بداية الحملة الانتخابية وفي أحد الأيام الرهيبة التي تفجرت فيها سيارات مفخخة في عدة أحياء في بغداد، شاركت في مناقشة سياسية مع مجموعة من أبناء الدائرة، دارت المناقشة حول توقعات الأحداث في سوريا عقب صدور تقرير ديتليف ميليس الخاص باغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان، وكانت مناقشة ثرية للغاية، أعقبتها مناقشة أخري عن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد والتي تشعل مشكلة البطالة في صفوف الشباب والشابات وعند مغادرة المكان، عرجت علي الجانب من الشارع الجديد، أحد الشوارع الاساسية في الدائرة، الذي يطل علي شارع26 يوليو. فسمعت ضجيج موسيقي سألت كارم هاشم زميلي في جريدة الأهرام مش ده شعبان عبدالرحيم؟ أجابني نعم انه شريط دعائي ألفه ولحنه المطرب الشعبي لاحد مرشحي الفئات وتدور به السيارات علي كل شياخات الدائرة. -------------------------------------------------------------------------- الاهرام