قالها هيرودوت الفيلسوف القديم (مصر هبة النيل), أي أن النيل سبب لوجود مصر, لأن الحياة دائماً تكون حول المياه, وأي تهديد لسريان المياه يعتبر تهديداً للحياة لمن يعيش حولها, وهو الخطر القادم الماحق لحياة المصريين ولا يجدي معه التهوين من الأمر ودفن الر أس في الرمال ومحاولات الهروب من هذه الحقيقة المفزعة, ولنبدأ القصة من البداية فقد مرت سبع سنوات منذ أن وضعت إثيوبيا حجر الأساس لسد النهضة متخطية قانون الأممالمتحدة للأنهار الدولية بما لا يضر بشركاء النهر, وكان يجب علي إثيوبيا إعطاء دراسات بناء السد لمصر باعتبارها دولة المصب ومنحها ستة شهور لدراستها قابلة للمد ستة شهور أخري, فإذا رفضتها مصر يحق لإثيوبيا اللجوء للأمم المتحدة للنظر في تلك الخلافات, كل هذا قبل أن تضع حجراً واحداً في جسم السد, لكنها لم تفعل واستغلت عدم استقرار مصر في 2011, ووضعت حجر الأساس بعد 50 يوما من تنحي مبارك في أسوأ استغلال للوضع السياسي المصري ولمحاولة فرض سياسة الأمر الواقع وادعي رئيس وزراء إثيوبيا الأسبق ملس زيناوي أن السد لن يضر بمصر ولن ينقص من حصتها من ماء النيل كوباً واحداً وهو نفس الإدعاء الذي ذكره لجارته الجنوبيةكينيا حيث قام ببناء سد أومو وأتبعه بسدين آخرين تسببا في أضرار جسيمه بشمال كينيا ومدمراً لبحيرتها السياحية التي يصب فيها النهر, وأتفق زيناوي مع الحكومة المصرية علي تشكيل لجنة دولية لدراسة سد تحت الإنشاء وليس لمشروع بناء سد واشترط ألا يتوقف العمل في السد انتظاراً لتقرير تلك اللجنة ولا أدري كيف وافقت الحكومة المصرية علي هذه الشروط المجحفة والظالمة, وكان تشكيل تلك اللجنة يضم أفضل خبير وعالم سدود من ألمانيا ومعه خبيرين للسدود المائية من إنجلترا وفرنسا وخبير بيئة نهرية من جنوب إفريقيا, وحاولت إثيوبيا عرقلة عمل اللجنة بكل الطرق لكنها أنجزت عملها في سنه ونصف أكثر ثلاث مرات من المدة المحددة وخلصت اللجنة إلي أن هذا السد خارق لكل القوانين الدولية وأنه سد بلا دراسات وأن إثيوبيا تسير عكس الاتجاه العالمي بإقامتها السد قبل إجراء الدراسات اللازمة, واستمرت تلك المماطلات والتسويف باقتراح تعيين مكتب إستشاري هولندي وفرنسي يكون رأيهما غير ملزم كما يريد الجانب الإثيوبي مما دفع مصر لطلب تدخل البنك الدولي في الأمر لإعطائه وضعا وقيمة دولية لكن إثيوبيا والسودان رفضا الأمر بالرغم من أن إثيوبيا قدمت شكوى ضد مصر للأمم المتحدة عند بناء السد العالي مع أنه لا يمثل أي ضرر عليها !, حاولت مصر بكل الطرق إثناء الطرف الإثيوبي عن غيه وتعنته ومحاولته الإضرار بمصر والتي هي الدولة الوحيدة في منابع النيل التي تعيش علي 7% فقط من مساحة أراضيه والباقي أراضٍ صحراويه تفتقر للمياه وكذلك هي الدولة الوحيدة التي تعيد استخدام مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي عدة مرات بسبب فجوتها المائية التي تبلغ 42مليار متر مكعب عجزاً سنوياً صافياً وبسبب قلة المساحة الزراعية تعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم ورابع أكبر مستورد للذرة وسابع أكبر مستورد لزيوت الطعام زائد استيراد السكر والفول والعدس في فجوة تبلغ 60% من الأغذية الأساسية, علاوة علي أن الثروة الحيوانية المصرية لاتتجاوز8 مليون رأس بالمقارنة ب100 مليون لإثيوبيا و70 مليوناً للسودان مما يدفعها لزراعة الأعلاف انتقاصاً من المساحة المخصصة لزراعة القمح كما يقول أ.د نادر نور الدين والذي يحذر من تفاقم الأمر وخطورته بما ينذر بكارثة حياتية للشعب المصري ما لم يتم تدارك الأمر والذي لا يلوح في ألأفق بوادر لحل تلك الأزمة الغير مسبوقة في تاريخ البلاد ؟! د. جمال المنشاوي كاتب مصري