أصر ابني على نطق لفظ بن بحذف الألف كما كتبت حينما قرأ اسم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، ولم يستمع لنصيحتي بأنها تنطق "ابن"، فهي من الحروف التي تنطق ولا تكتب، ولم ينطقها صحيحة إلا حينما أكدت له معلمته أنها تنطق بالرغم من أنها لا تكتب، وهنا حُلت معضلة قراءة ابني لاسم عمر بن الخطاب، ولكنها لم تنتهي على صعيد آخر، ألا وهو صعيد الإعلام المصري تحديداً. ينطق الإعلاميون المصريون لفظ "بن" كما كُتب بحذف الألف، ولا أعلم هل هذا من باب الجهل بقاعدة أن لفظ "ابن" حينما يقع بين علمين تحذف الألف ولكنها تنطق، أما أن نطقها بطريقة خاطئة موضة يسير عليها كافة الإعلاميين بداية من قارئي النشرة إلى معلقي البرامج الرياضية. ومن وجهة نظري فإن أي خطأ لغوي لا يغتفر وخاصة في نشرات الأخبار، لأن في ذلك ضياع للغتنا العربية، ولعل البعض يردد "كل ذلك من أجل ألف واحدة"، فأقول لهم ليس الأمر كذلك ولكنها قاعدة معروفة لغوياً وليست بالقاعدة العويصة التي يصعب تطبيقها وليست قاعدة عفا عليها الزمان فتوارت من الكتب ومن بين يدي خبراء اللغة والمراجعين اللغويين في الراديو والتلفزيون والبرامج السياسية وغيرها، كما أن التنازل عن القليل يكون بداية الطريق للتنازل عن الكثير. وقد كرمنا الله وحبانا بأجمل وأعرق لغة في تاريخ البشرية، فهي لغة القرآن الكريم، الذي تعهد الله بحفظه بقوله "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) "الحجر"، إذا فاللغة العربية محفوظة بحفظ القرآن، ولكن بُعْدنا عنها بتحدثنا العامية يضعف علاقتنا بها ويُضيعها من بين أيدينا، وقد يكون ذلك مقبولا على مستوى العامة ولكنه لا يكون مقبولا من قبل المختصين ومن كانت أعمالهم تقوم على اللغة مثل الإعلاميين. وقد نشأ من بعدنا عن لغتنا العربية الرائعة حالة أشبه بما وصفه ابني في أحد المرات التي حدثته فيها باللغة العربية فقال لي وهو غاضب "ماما متتكلميش زي الكارتون!!"، هكذا حدث الانفصام بيننا وبين لغتنا، على الرغم من أنها لغة في غاية الجمال والحيوية، ولمن كانت أذنه موسيقية فليستمع لأحد قصائد العربية وهي تُغنى، وسوف يرى أناس يتحركون وجبال تتطاول وأنهار تجري وبحار تتلاطم أمواجها ..و.و.و .... حياة كاملة تتحرك في مخيلتك من دقة وصف اللغة وقوة تعبير كلماتها. وما تعانيه لغتنا العربية الآن عبر عنه الشاعر الكبير حافظ إبراهيم فقال: وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغاية ً وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي فيا وَيحَكُم أبلى وتَبلى مَحاسِني ومنْكمْ وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي فلا تَكِلُوني للزّمانِ فإنّني أخافُ عليكم أن تَحينَ وَفاتي أرى لرِجالِ الغَربِ عِزّاً ومَنعَة ً وكم عَزَّ أقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ هكذا حال لغتنا العربية التي انستنا إياها اللغة العامية، فعلى الأقل من يتحدث بها لدقائق كنشرات الأخبار لابد وأن يتحرى الدقة ويطبق كافة قواعد اللغة صغيرها وكبيرها دقها وجلها، وعلى الإعلاميين والمختصين تدارك هذا الخطأ المتكرر بشكل غريب ومثير للغضب. ألا هل بلغت.. اللهم اشهد [email protected]