ومازلنا نكشف النقاب عن دور مدرسة جامعة الإسكندرية التاريخية ..اليوم نلتقي مع أحد أعلام تلك المدرسة العريقة الأستاذ الدكتور محمد محمد مرسي الشيخ أستاذ تاريخ العصور الوسطى في كلية الآداب جامعة الإسكندرية الذي ولد بمدينة أدكو بمحافظة البحيرة سنة 1937،وحصل على ليسانس الآداب جامعة الاسكندرية سنه 1961، ثم أكمل دراساته العليا فحصل على الماجستير في تاريخ العصور الوسطى من كلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1967، بتقدير ممتاز، وعلى الدكتوراه في تاريخ العصور الوسطى سنة 1970 من كلية الآدب باللقاهرة أيضاً.بمرتبة الشرف الأولي . وقد عين مدرساً بالتربية والتعليم بعد التخرج لمدة خمس ثم عمل معيداً بجامعة الأزهر وجامعة عين شمس، ثم عين مدرساً مساعداً في قسم التاريخ والأثار المصرية والإسلامية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، ثم مدرساً سنة 1970، ثم أستاذاً مساعداً سنة 1975، وحصل على الأستاذية عام 1981م ..وعمل مدرساً بجامعة الرياض بالسعودية حتي سنه 1979، ثم أستاذاً ورئيس لقسم التاريخ بكلية الاداب جامعة الاسكندرية حتي احيل للمعاش سنه 1997. وبعد ذلك استاذاً غير متفرغ بجامعة الاسكندرية . وخلال مشواره العلمي أشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في جامعات مصر، وشارك في في مؤتمرات دولية وإقليمية ممثلا لمصر في اليونان وانجلترا وفرنسا وايطاليا ومعظم الدول العربيه. وقد أثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات التي برهنت على تفرده في مجال تاريخ العصور الوسطى، ومن مؤلفاته: "الجهاد المقدس ضد الصليبيين"، و"الإمارات العربية في بلاد الشام في الفرنين الحادي عشر والثاني عشرالميلاديين"، و"الممالك الجرمانية في أوروبا في العصور الوسطى"، و"دولة الفرنجة وعلاقاتها بالمسيحية في الأندلس حتى أواخر القرن العاشر الميلادي"، و"عصر الحروب الصليببة"، و"تاريخ أوروبا في العصور الوسطي"، و"تاريخ مصر الاسلامية"، و"تاريخ الامبراطورية البيزنطية، و"أوروبا والتتار ".. خلال إحدي زيارتي لمدينة الإسكندرية التقيته في مكتبه بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، ودار بيننا هذا الحوار عن نشأته وظروف التحاقه بكلية الآداب، وعلاقته بأساتذته، ودور مدرسة التاريخ الوسيط في جامعة الإسكندرية وتميزها عن الجامعات الأخرى، وإنتاجه في هذا المجال وموضوعات أخرى سوف نطالعها في هذا الحوار: *كيف كان للنشأة أثرها في حياتك العلمية فيما بعد؟ - نشأت في قرية إدكو بمحافظة البحيرة وفيها ولدت في 12 فبراير 1937، ووالدي كان من خريجي الأزهر ويرتل القرآن وكان مدرساً في مدرسة تحفيظ القرآن، وقد حرص الوالد -رحمه الله- على تحفيظي للقرآن وأنا صغير، وكان يراجع معي التلاوة بدقة وهذا أكسبني شيئاً من تقويم لساني في اللغة العربية، كما شجعني الوالد على قراءة كتب الأدب والعلوم الشرعية في هذا الوقت المبكر من حياتي، وتعلمت في مدرسة أدكو الإبتدائية ثم التحقت بمدرسة إدكو الثانوية وحصلت منها على شهادة الثقافة، ثم حصلت على التوجيهية من مدرسة رشيد الثانوية سنة 1955، والتحقت بمعهد المعلمين الخاص، وتخرجت فيه، وعملت بالتدريس حوالي خمس سنوات، وكنت أدرس في كلية الآداب منتسباً وأعدت التوجيهية لدخولي الجامعة وحصلت عليها سنة 1957، وكان ترتيبي الرابع على القطر كله، وبعد ذلك دخلت كلية الآداب كما ذكرت وتخرجت فيها سنة 1961، بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف الثانية، وكنت الأول على دفعة كلية الآداب بالإسكندرية والأول على الجامعات الثلاث (القاهرة وعين شمس والإسكندرية)، وكنت أعلى مجموع في التاريخ في هذه الجامعات، وحصلت على جائزة قدرها مائة جنيهات نظير هذا التقدير، وتوقعت أن أعين معيداً بسهولة، ولكن إعلانيين في جامعة الإسكندرية، إحدهما للدكتور جمال الدين الشيال أستاذ التاريخ الإسلامي، والآخر للدكتور محمد حسين عواد أستاذ التاريخ اليوناني والروماني، وكل منهما عين من لا يستحق التعيين.. الشيال عين درويش النخيلي وهو الحاصل على تقدير جيد وكنت أنا أحدث منه تخرجاً، والدكتور عواد حسين عين طالبة حاصلة على تقدير جيد أيضاً، ولم تفلح - فيما بعد- على إحراز درجة علمية، والعجيب في هذا الأمر أن كلا منهما حذرني أن اتقدم لوظيفة المعيد، وقال لي الشيال: إذا تقدمت فلن تحصل على أي شهادة في الدراسات العليا معي، وطلب مني كلا منهما أن انتظر لإعلان آخر.. ولكن بعد شهور قليلة تقدمت إلى جامعة الأزهر بالقاهرة لتدريس اللغة العربية للطلاب الأفارقة بلغة إنجليزية سهلة، وعقدت لنا الجامعة امتحاناً تقدم له ثمانون شخصاً لم ينجح فيه سوي أثنين ..أنا ومحمد أمين صالح (أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة القاهرة - فيما بعد-) ومكثت في جامعة الأزهر حوالي خمس سنوات، ثم انتقلت إلى جامعة الإسكندرية بعد تغير الظروف وعودة الدكتور سعد زغلول عبدالحميد –رحمه الله- وأرسل لي زميل لإقناعي بأن أعود إلى الإسكندرية، وعدت في سنة 1969، وحصلت على الدكتوراه من جامعة القاهرة بعدها بشهور في تاريخ العصور الوسطى بإشراف الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور وعينت مدرسا لتاريخ العصور الوسطى سنة 1971. *ماذا يعني تاريخ العصور الوسطى بالنسبة لجامعة الإسكندرية؟ -تاريخ العصور الوسطى في جامعة الإسكندرية هو دراسة العصور الغربية منذ أن خط ذلك الدكتور عزيز سوريال عطية وتعني تاريخ أوربا في العصور الوسطى والتاريخ البيزنطي وعصر الحروب الصليبية دون التاريخ الإسلامي في العصور الوسطى على عكس الجامعة الأخرى، ففي جامعة القاهرة التي حصلت منها على درجتي الماجستير والدكتوراه بإشراف الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور تمزج في هذا المجال بين العصور الإسلامية والغرب المسيحي في العصور الوسطى. *إنتاجك في هذا المجال؟ -"تاريخ أوربا في العصور الوسطى"، و"تاريخ مصر البيزنطية"، و"أوربا والتتار"، و"دولة الفرنجة وعلاقتها بالمسلمين في أسبانيا". إضافة إلى قدمته في رسالتى العلمية فرسالة الماجستير كانت بعنوان "الجهاد المقدس ضد الصليبيين حتى سقوط الرها" وحصلت عليها سنة 1967، والدكتوراه بعنوان "الإمارات العربية في بلاد الشام في القرنيين 11و12م"، إضافة إلى عدد كبير من الأبحاث التي نشرت في كبرى الدوريات العربية والعالمية.. *كيف تتذكر علاقتك بأساتذتك خلال رحلتك العلمية الممتدة؟ - كانت علاقتي بالدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور أستاذ كرسي العصور الوسطى في كلية الآداب جامعة القاهرة فوق الوصف، وظلت ممتدة حتى رحيله - رحمه الله- وقد شملني بالرعاية خلال إشرافه على رسالتي للماجستير والدكتوراه - كما ذكرت لك- وكذلك علاقتي بأستاذي الدكتور حسن حبشي الذي عملت في كلية الآداب جامعة عين شمس فترة بسيطة، ورغم هذا فقد استفدت من علمه وتعمقه في مجال تاريخ العصور الوسطى، ونشره للعديد من كتب التراث وترجمته للعديد من الكتب المتخصصة حول الحروب الصليبية والمسلمون في الأندلس وباختصار هو راهب كبير في محراب العلم ..كما لا أنسى ذكرياتي مع الدكتور سعد زغلول عبدالحميد الذي أصر على عودتى إلى جامعة الإسكندرية وتعييني مدرساً مساعداً سنة 1969. وحتى الدكتور الشيال رغم ما فعله معي كنت أكن له الود كله، وحزنت لرحيله المفاجىء في نوفمبر 1967، وكان ابنه فريد الشيال محط رعايتي حتى سافر إلى إنجلترا، وكذلك الدكتور درويش النخيلي كان أحد أصدقائى المقربين ولما كان بالمستشفى كنت الوحيد الذي أزوره..