طابور أو مجموعة طوابير تسد الطريق مع شجار وصراخ ومشدات .. عقبات بشرية على رصيف مستشفى إمبابة العام "الموظفين" قابلت عائشة في طريقها للحصول على تذكرة الكشف ... لا فرار من الرصيف فمجاري المستشفى تغرق الأسفلت .. بعد أذنك .. لو سمحت حضرتك ... "معلش يا حاجة لحظة واحدة أعدي" أشهد أن لا إله إلا وأشهد أن محمدا رسول الله .. أخيرا وصلت الحمد لله الشباك رايق بصحبة التذكرة توجهت عائشة لقسم الأنف والأذن والحنجرة .. فمنذ الشتاء وتدفق أنف رضيعها لا ينقطع يا الله أطول طابور في المستشفى طابور قسم الأنف والأذن والحنجرة .. طابور منبعج متكسر متعرج طالع نازل سألت عائشة : "مين الأخيرة ؟" "أنا .. بس في واحدة واريه .. خلي بالك" "مفيش مشاكل " طال المكوث أمام عيادة الأنف والأذن لمدة ثلاث ساعات ... بدأ يتضاءل صوتها من عملها كدليل لسؤال :"مين الأخيرة" .. وهي ترد: أخر الطابور من هذه الناحية .. أعوج الطابور وتغير شكل استقامته حتى يستطيع الناس العبور ذهابا وإيابا داخل المستشفي.. الحمد لله ... "الصبر مفتاح الفرج" قربنا ... "اللي قاعدة تقوم " ووسط الفرحة الغامرة حدث حادث غير متوقع .. خلع الدكتور البالطو وخرج من العيادة بصحبته موبايله ... وعقدت المفاجأة الألسن ... ولم تجرؤ واحدة على سؤاله إلى أين .. وكيف تفرغ العيادة دون طبيب واحد؟ قطع الصمت صوت سيدة طيبة للغاية: "أكيد رايح الحمام" لا لا شكله مروح ...هكذا ردت عائشة لكن عاد الدكتور ... حدثت نفسها عائشة :"الحمد لله فعلا كان في الحمام" وعلت نغمة صوتها بعد ذلك :"يووووه ... يا فرحة ما تمت" ... خرج الدكتور تاني بالتليفون والشنطة .... وبعدين ... دا الطابور على حاله .. قطع ذهول الناس ظهور طبيب اخر اخترق الطابور ... استقر الطبيب وأضاء النور .. دخلت الاولى خرجت سريعا ... تحرك الطابور .. قلت الاعداد ... لكن .. من يخرج من العيادة يعلو وجهه ذهول .. بينما يدعوا البعض على الدكتور "ربنا ينتقم منك".. بينما أطلقت سيدة في العقد الخامس تعليق ناري :"دكتور عايز يتعالج!" سيدة أخرى: " بسأله .. قالي معنديش وقت اقولك .." جاء دور عائشة .. مازالت متفائلة ولم يغادرها الأمل اتفضلي يا مدام ... قالت الممرضة؟ جلست عائشة أمام الطبيب الذي لم ينبس ببنت شفة .. فقالت هي :: مناخيره يا دُكتر من بداية الشتاء ولا ينقطع رشحها نهائي نظر الدكتور نظرة خاطفة على إحدى أذنيه من بعيد !!!! ثم كتب في الروشتة "قطرة للأنف 13X" عائشة : هي مناخيره مالها يا دُكتر..رغم أنها رأت المشهد وأنه لم يرى مناخيره عادي الأطفال كلها كده قصدك نسيبه من غير علاج يعني !؟ اسبهل الدكتور للحظات ولم يرد حاولت عائشة الخروج منه بأي معلومة تحلل الثلاث ساعات، التي تورمت خلالها قدميها ومل رضيعها منها فقالت : القطرة اللي حضرتك كاتبها دي زي أوترفين قطع الدكتور تتنيحه وقال ببطء .....يعني طب انا استخدمت اوترفين ميت مرة ومعملتش معاه حاجة الدكتور ... صمت مطبق ولم يرد طب ممكن حضرتك تكتبلي العلاج من بره عشان الصيدلية زحمة موت ومش هقف فيها . حاول الرد، لكنه فكر وفكر ..ثم عاد يفكر ويفكر .. وقال ببطء أيضا: ممنوووع وهنا قررت عائشة أن تُنهي تلك المأساة لكن رضيعها كان له رأي آخر فالتقط بيده الصغيرة إحدى الأوراق التي أمام الدكتور وأخذت عائشة تنزعها من يده ... بينما تخلى الدكتور عن هدوءه المميت وقال في حماسة : سبيه ياخدها سبيه ......... لم تصدق عائشة نفسها .. وكأنها كانت جزء من فيلم كوميدي ... وأيقنت أن هذا الدكتور ليس بدكتور ، بل إنه أحد الموظفين الذي كان حلا بديلا بعد رحيل الدكتور حتى لا يكسر المرضى المستشفى.. مؤكد .. فهو حتى لا يكلف نفسه عناء الكشف ولا يكتب أسماء أدوية فقط .. قطرة للأنف قطرة للأذن وهكذا أصرت عائشة أن تطالب بحقها فتوجهت إلى مكتب مدير المستشفى ولم تصل إليه حتى وجدت مكتب وكيل المستشفى مفتوح والوكيل يجلس وحيدا فلم تترد في الذهاب إليه .. السلام عليكم يا دكتور وعليكم السلام حضرتك بالنسبة لطبيب الأنف والأذن ... شكله كده كأن عنده صداع وبالتالي مش بيكشف على المرضى إزاي يعني ابني من أول الشتا وهو مريض بالرشح وعرضته على كثير من الأطباء مرة يقولوا برد ومرة حساسية أنف، ولما جيت هنا وجدت أنه أصلا مفيش كشف. لا لا انت مش مقتنعة بالدكتور ... حتى لو دكتور شاطر مش هتقتنعى بيه برده ! وهي تضحك : أكيد لأ ... والله هما دول الدكاترة اللي عندنا يا دكتور انا سألته أنه القطرة دي زي أوترفين فقالي أه ؟ وأوترفين معملتوش حاجة طب ما تجربيها يمكن تنفع المرة دي !! لم تسكت عائشة وهي تحاوره عن الضحك .. ما يحدث غريب وعجيب .. ويُبكي ولكن فات وقت البكاء ليتخطاه إلى مرحلة الضحك و"شر البلية ما يضحك" وأمام إصرار عائشة كتب لها الدكتور على نوعية قطرة محددة لحالة رضيعها وغادرت مكتبة وهي تحمد الله أنه واسع الصدر وتتعجب من إقراره لوضع هزلي كهذا .... أما الرسالة التي خرجت بها من هذه الرحلة العجفاء ... "خليك فريش وشك ميكرمش". [email protected]