بعد مرور عام كامل على وفاة رئيس السلطة الفلسطينية عرفات، إلا أن الجدية كانت غائبة في البدء بتحقيق فعلي، والظاهر أن السلطة الفلسطينية كانت مرتبكة في مرحلة ما بعد عرفات من حيث انتخاب الرئيس و ترتيب الأوضاع ثم مرحلة التحضير للانسحاب من غزة و غيرها من القضايا التي دهمت الساحة الفلسطينية. رئيس المجلس التشريعي روحي فتوح، ذكر بأن: "هناك تقاعس كبير في قضية استشهاد الرئيس الراحل عرفات، ولا يجري التعامل معها بجدية، وبالتالي يجب تشكيل لجنة خاصة لمتابعة هذا الملف". وبالفعل تقرر تشكيل لجنة برلمانية خاصة لمتابعة هذا الملف وتقديم تقرير بشأنه". وقد أوضح وزير الصحة في السلطة الفلسطينية ذهني الوحيدي رداً على تساؤل للنائب مفيد عبد ربه حول أسباب عدم تقديم التقرير الطبي الخاص بوفاة عرفات، أن الوزارة الحالية لم يحدث منها أي تأخير، وقد قامت بكل الإجراءات للبحث في أسباب الوفاة الطبية والصحية. وأضاف، إنه لم يستلم أي تقرير مكتوب من اللجنة السابقة والتي أمضت أكثر من خمسة أشهر وهي تبحث بهذا الملف. وقد قابلت كل الأطباء المعنيين ما عدا الفرنسيين، أما نحن فقد منعت عنا المعلومات، وقمنا بزيارة عمان والقاهرة وتونس، وكان الرد واحدا أنهم سلموا التقارير التي بحوزتهم ولن يتطرقوا إلى الموضوع. ولم تتمكن لجنة التحقيق الوزارية من الاطلاع على ظروف الوفاة. ففي إعلان لرئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع "أبو علاء" يوم 12 تشرين الأول أوضح أن الأطباء المختصين لم يتمكنوا معرفة سبب الحالة التي أدت إلى وفاة عرفات، وأشار إلى أن الملف سيبقى مفتوحاً إلى أن يتم اكتشاف "سبب حدوث هذه الحالة السريرية في المستقبل". وكانت لجنة تقصي الحقائق المفوضة بمتابعة الملف الطبي لعرفات قد تقدمت بتقريرها إلى مجلس الوزراء بعد أن قامت باستشارات ومناقشات واسعة مع عدد من الأطباء والمحيطين بالرئيس الراحل. ووفق بيان رئيس الوزراء فإن كادر الأطباء المختصين كل في مجاله لم يتمكن من التوصل إلى سبب أو مرض معروف يؤدي إلى الحالة السريرية التي أدت في النهاية إلى وفاة عرفات. وخلصت اللجنة إلى أن الطب أو الظروف الأُخرى المحيطة بما حدث قد تتمكن من الكشف عن سبب حدوث هذه الحالة السريرية في المستقبل. "وبناء على ما سبق، فقد خلص مجلس الوزراء إلى ضرورة إبقاء هذا الملف ذو الأهمية القصوى مفتوحاً حتى يتم التوصل إلى الحقيقة كاملة ووفقا للتقارير المتوافرة، فإن الملامح الأولي بعد نقل الرئيس الراحل إلى باريس كانت تشير إلى أن جسد عرفات به العديد من البقع الحمراء التي لا تلبث أن تظهر، حتى تختفي.. الأمر الذي حدا بأحد الأطباء الفرنسيين للإشارة إلى أن ذلك هو الخطأ الوحيد في تلك الخلطة السحرية من السم.. فمعادلة التركيب لعناصر السم الكيميائية لم تصل في الدقة المتناهية إلى الحد الذي لا يظهر هذه البقع الحمراء على الجلد، وفي مناطق معينة.. وأرجع أحد الأطباء ذلك إلى أن أجساد الحيوانات التي أجريت عليها تجارب هذا السم، وخاصة (الفئران) تختلف عن الجسد البشري، الذي يكون أكثر حساسية لهذه الخلطة السحرية، والتي لا تبدو لها أية آثار على الفئران أو غيرها، مما جعل البقع الحمراء تختفي، وهذا ما خدع القائمين على أمر هذه الخلطة السحرية للسم . وهنا يبدو السؤال المهم هو عما إذا كانت هذه البقع الحمراء التي ظهرت على جسد عرفات هي وحدها التي تنبئ وتؤكد أن عرفات كان مسموماً . وفي هذا تؤكد التقارير الطبية أن التشخيص الطبي ربط بين ظهور هذه البقع، وبين حرارة داخلية في جسد عرفات، وأنه إذا ما تم علاج هذه الحرارة الداخلية، فإن البقع الحمراء ستزول.. وهذا ما حدث.. فبعد أن حصل عرفات على المسكنات والمضادات الكافية للتعامل مع الحرارة الداخلية في جسده، فقد لوحظ زوال البقع الحمراء.. وكان هذا وحده كافيا للتأكيد على ربط البقع الحمراء بالحرارة الداخلية لجسده.. إلا أنه وبعد يوم من وصول الحرارة الداخلية لجسده لمعدلاتها الطبيعية انتشرت مرة أخرى هذه البقع الحمراء، الأمر الذي أدى إلى حيرة الأطباء، خاصة أن تكسير الصفائح الدموية لا يرتبط بهذا المرض.. فأشار بعضهم إلى أن عرفات يعاني من مرض جلدي.. وبدأت رحلة البحث في هذا الاتجاه، إلا أنه، وخلال رحلة البحث تلك ظهر "ازرقاق" في بعض أجزاء الجسد، وزرقة الجسد في بعض المناطق ارتبطت في الوقت ذاته باختفاء البقع الحمراء . في ضوء ذلك.. رأى الأطباء أن يوقفوا بحثهم عن البقع الحمراء، ويبحثوا عن تفسير لزرقة الجسد في بعض المناطق، وقد أشار التشخيص الطبي الذي تم إلى أن الدم لا يصل إلى هذه المناطق.. الأمر الذي حدا بالأطباء المعالجين إلى تزويد عرفات بدم نقي . وبكميات متناسبة حتى يتم اختفاء هذه الزرقة.. حيث بدأت بالفعل زرقة الجسد تختفي لعدة ساعات، إلا أنها سرعان ما عادت للظهور بدرجة أكبر عما كانت عليه في اليوم السابق . أحد الأطباء الذين شاركوا في التشخيص الطبي أكد أن لا علاقة للدم بهذه الزرقة، وأن ما حدث يرجع إلى سبب خارجي وطارئ على الجسم وأن هذا السبب الخارجي والطارئ إنما يكمن في أن الجسم "تزود" بمادة غير مألوفة وأن هذه المادة قاتلة، ولكن في حالة عرفات، فقد تم تزويده بكمية من هذه المادة حتى تقتله تدريجيا وببطء دون أن تترك أثرا في جسده . هل يمكن للجسم أن يطهر نفسه من هذه المادة السامة بعد فترة؟.. كان هذا أحد الأسئلة المحورية التي انشغل بها بعض الأطباء المعالجين لفترة.. ولكن في حالة عرفات فإن هذه المادة السامة بدأت تتطهر من الجسد بعد أن وصلت إلى الحد الذي أعيت معه كل الأجهزة، وأصبحت غير قادرة على العمل، وأن عودتها للجسم أصبح في شبه المستحيل . إذن هي مادة سامة لا تظهر في الدم إلا نادراً، ولكن مناطق تمركزها الرئيسية تكون في النخاع الشوكي تارة والمخ تارة أخرى والمفاصل تارة ثالثة.. وأنها في أحيان أخرى تترك هذه المناطق لتعود إلى الدم . وكما قال أحد الأطباء: إنه شيء محير، وأن الذين أقدموا على ذلك يعلمون جيدا.. ماذا يفعلون.. وأن العلاج الوحيد لعرفات لابد أن يكون من خلالهم إزاء ذلك تقرر فرض المزيد من الحصار الطبي الشديد على حالة عرفات، وتزامن ذلك مع انتقال عرفات من مرحلة غيبوبة إلى مرحلة غيبوبة أعمق، خاصة أن الصفائح الدموية لم تعد المضادات الحيوية أو أية أدوية أخرى توقف تكسيرها. وهو الأمر الذي تأكد معه الأطباء أن عرفات دخل بالفعل مرحلة الموت.. إلا أنه مع هذه التداعيات السريعة وعدم القدرة الطبية على السيطرة على حجم أو توازن الصفائح الدموية فإن الجسم بدأ أيضا يرفض الاستفادة من المغذيات الدوائية مثل الجلوكوز أو غيره وأصبحت هذه المغذيات وكأنها تمر في عدد من الأنابيب الفارغة في داخل الجسم، الأمر الذي أدى إلى تناقص سريع في جسد عرفات حتى أن وزنه نقص بأكثر من عشرين كيلو جراماً.. وكان هذا إيذانا بتعطل تام لعمل الجهاز الهضمي وهو ما أكدته تقارير طبية أخرى من أن نوعية المادة السامة التي دخلت جسد عرفات وإن كانت تتعامل في البداية مع الصفائح الدموية إلا أن أكثر الأجهزة في التأثير على عملها هو الجهاز الهضمي الذي يقف عن العمل وعدم القدرة على القيام بأية وظائف، وأن آخر الأجهزة التي يؤثر عليها هذا "المركب السام" هو الجهاز التنفسي . ويبدو أن ذلك مقصود في حد ذاته من أجل أن يشعر المريض بالمزيد من الآلام.. ولو كانت هناك قدرة على إصابة الجهاز التنفسي أو لا لكان من الممكن أن يتم وقف التنفس والتأثير على القلب مباشرة . ولكن كان السؤال ومازال ملحا: كيف وصل السم إلى جسد عرفات؟ وما هي بداية هذه المرحلة الفعلية التي تناول فيها هذا السم؟.. وكان ذلك من الأسئلة التي يصعب الإجابة عليها لأن التشخيص الطبي ذاته كان يتعامل مع الحالة بأكثر من سبب مرضي.. إلا أنه تم استبعاد الأمراض الخطيرة التي يمكن أن تؤدي إلى هذه الحالة من الهذيان والضعف وكذلك انخفاض وزن الجسم بهذه الصورة الكبيرة.. التقارير الطبية أشارت إلى احتمال دخول السم إلى الجسد إما من خلال الأكل، وإما أن يكون قد تم وضعه في أحد الأدوية التي يتعاطاها عرفات لأن هذين الاحتمالين هما الأكثر تسببا في إصابة الصفائح الدموية بهذا التكسير والتحطيم المتتالى.. كما أن التقارير الطبية أشارت إلى أن هذه الإصابة تعود إلى فترة طويلة مضت لأن القائمين على ابتكار هذا النوع من المادة السامة لابد أن يكونوا فكروا في فترة خمول كافية يتمكن فيها هذا "المركب السام" من أجهزة الجسم ولا يبدأ في الظهور إلا بعد أن يكون قد أنجز العديد من المهام المرتبطة بشل وظائف أجهزة الجسم عن العمل، وأن فترة الخمول الكافية لهذه التداعيات السريعة قد تزيد على الشهرين أو الثلاثة.. وأن هذا المركب يشبه في تغلغله داخل الجسم مرض السرطان الذي يبدأ في فترة خمول غير مرئية ثم يبدأ بعد ذلك في النضوج وشل وظائف الجسم . ولقد أكدت التقارير الطبية أن التعامل مع هذا المركب الطارئ على الجسم كان سيكون أكثر يسرا وسهولة وهو في فترة الخمول حيث إنه كان من الممكن القضاء عليه في مرحلة ضعفه من خلال المضادات اللازمة أو تقوية كرات الدم البيضاء وأن الذي أدى إلى نجاح هذا المركب هو عدم التعامل الطبي مع جسد عرفات في فترة خمول المركب، وأنه حتى لو تم التعامل فإن التشخيص لن يكون صحيحا . لقد أشارت التقارير الطبية إلى أن أول ظهور علني لهذا المركب وكان إيذانا في ذات الوقت بأنه قد انتهت فترة خموله: هو حالة الأنفلونزا الأولية التي صاحبت عرفات وأنه كان من المفترض مع حالة الأنفلونزا الأولية أن يتم الكشف بعمل أشعة على مخ عرفات.. في هذه الحالة كان سيتم اكتشاف أن مخ عرفات في حالة تهيج وأن بعض الشعيرات الدموية بدأت تميل إلى التورم الخفيف، وكأن الشعيرات أصبحت لا تقوي على احتمال مرور الدم بداخلها، وهو الذي أدى مؤخرا إلى حدوث نزيف في المخ.. وكان عرض نزيف المخ هو آخر الأعراض المرتبطة بتغلغل وانتشار المرض داخل جسد عرفات وكانت هذه المرحلة هي الإيذان الحقيقي بموت عرفات . المصدر : العصر