1 القرار المفاجئ بتعديل المادة 76 من الدستور، من أجل تثبيت الاستبداد في شخص جمال مبارك ، جاء على غرارقرارشارون بالانسحاب من غزة من أجل تثبيت الإحتلال في الضفة الغربية. في كلا الحالتين ، إعتُبر القرار غير مسبوق من شأنه تنفيس الإحتقان المتراكم عبر عقود من الإحتلال (شارون) والاستبداد (مبارك) ، وتأمين حرية الشعبين المصري والفلسطيني . الصهاينة إعتبروا قرار شارون إنجازا كبيرا ، ملمحين إلى أن هذا يعفيه من تقديم أية تنازلات أخرى . وجماعة مبارك أقامت الدنيا إحتفاءا ب "الإنجاز العظيم"، ملمحين إلى عدم الحاجة إلى تنازلات أخرى. غير أنه سريعا ماتبين في كلا الحالتين أن الأمر لا يعدو كونه إستخفافا بالعقول يفاقم معاناة الشعبين ويخدم مصالح شارون وحلفائه في واشنطن : فلا شارون مستعد لرفع سيطرته عن الفلسطينيين (حيث ينوي تحويل قطاع غزة إلى سجن كبير) ولا مبارك مستعد لرفع سيطرته عن المصريين (بعد أن تأكدت النية بتحويل استفتاء الرئاسة إلى إنتخاب مطبوخ) . شارون إتخذ قراره لتمرير ضم الضفة قسرا إلى إسرائيل ، ومبارك إتخذ قراره لتمرير إلحاق إبنه قسرا بالرئاسة. 2 شارون يظن أن بناء المستوطنات وسور الفصل العنصري يضع المقاومين أمام أمر واقع تحميه قوة الإحتلال لن يكون أمامهم إلا التسليم به آجلا أو عاجلا ، وأن مظاهرات حركة التضامن الدولي ستتوقف بعد أن تيأس من تغيير الواقع المفروض بالقوة . وكذلك يظن مبارك وجماعته أن نتائج الإستفتاءات المزورة والانتخابات المطبوخة تضع الوطنيين أمام أمر واقع تحميه قوة الاستبداد لن يكون أمامهم إلا التسليم به ، وأن مظاهرات حركة "كفاية" ستتوقف يأسا بعد إنجاز التمديد. 3 من أهم وسائل إستئصال الوجود الفلسطيني هو هدم البيوت بدعوى عدم الترخيص . وأحد أهم وسائل إستئصال الوجود الإسلامي في مصرهو إعتقال النشطاء بدعوى الحظر السياسي . وكما تخلق إسرائيل ذريعة عدم الترخيص، يخلق نظام مبارك ذريعة الحظر. 4 مبارك وشارون يستخدمان الإعلام بمنهجية واحدة: حصار شبه كامل على الخصوم في وسائل الإعلام التي تؤثر مباشرة على مصادر قوتهم وسطوتهم ، والفاعلة في تضليل الجماهير Mass Disinformation (الصحافة وشبكات التلفزيون الأمريكية ، والصحافة القومية ومحطات التلفزيون المصرية) ، وحرية إعلامية للخصوم في الإعلام غير المؤثر (الإعلام العربي والصحف الأمريكية محدودة الانتشار بالنسبة لإسرائيل ، وصحف المعارضة محدودة الانتشار في مصر) من ناحية لإضفاء مصداقية على إدعاء مناصرة حرية التعبير، ومن ناحية أخرى لفتح المجال للتنفيس والفضفضة درءا للكبت والإنفجار. 5 في كل أزمة تعصف بإسرائيل وتحتاج خلالها إلى جهود حلفائها في التغطية على جرائمها وخطاياها، يهب الإعلام الغربي المتصهين لنجدتها بأسلوب الهجوم الكاسح وفيض لا يتوقف من مقالات الرأي وخطابات القراء الصهاينة مع التضييق على الآراء والحقائق المؤيدة للحق العربي ، وكله بهدف تحطيم خصوم إسرائيل نفسيا للتعجيل باستسلامهم لشروط السلام الإسرائيلي . هذه الصهينة الدعائية هي بالضبط ما يمارسه الإعلام المصري في الترويج لمبارك ونظامه واستفتائه الذي قاطعته القوى المعارضة. وهذه الحرب النفسية هي ما سيواجهه الوطنيون المصريون خلال الشهور القادمة حتى موعد "إنتخاب" مبارك ، وذلك على أمل تحطيمهم نفسيا حتى يترددوا كثيرا قبل التفكير في إعادة الكرة عندما يحين وقت توريث الحكم رسميا لجمال مبارك . وماجرى من بلطجة ضد رجال ونساء حركة "كفاية" يوم الاستفتاء يصب في نفس الإتجاه : تلقين المعارضين لحكم عائلة مبارك درسا حتى يتوقفوا عن مناهضة توريث الحكم . [email protected]