يظنون بقصفهم الإعلامى حول قضية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، أننا قد نتوارى خجلاً من فريضة إسلامية إنسانية إلى بعد الحدود فهى تؤدى حتما إلى تحقيق مفهوم (الرحمة للعالمين). فمنذ عهد آدم عليه السلام وحتى اليوم اختار أصحاب الضلال طريق التخريب والهدم، واختار أصحاب الإيمان طريق البناء والتعمير.. واليوم يحدث الشيء نفسه. إنهم لا يخجلون ولا يتوارون ولا يتهاونون فى الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف بمكر الليل والنهار، ولا نحتاج إلا للتلفت يمينًا وشمالاً لنرى كيف يستعد شياطين الإنس لتعويض فترة تصفيد شياطين الجن فى رمضان فقد أعدوا عدتهم لتسفيه العقول وطمس الفطرة وتنكيس القلوب وملأ الساحة بجعل الذنوب والمعاصى أضعافًا مضاعفة.. مع إثارة لمشاعر الإنسان وغرائزه لجره وإسقاطه فى مستنقع الشهوة، وجعله أسيراً وعبداً لحياة مادّية بَحْتة. وإن كان غثاء السيل يعلو قليلا فإنه حتمًا سيذهب جفاء وبينما يقوم الإعلام الضال بتخريب الشباب بأفلامه ومسرحياته وخماراته وبأماكن الرقص، فإننا نرى الشباب المتقد إيمانًا، يقولون "صلّوا وصوموا وسَيطروا على أنفسكم وأهوائها، لا تعيشوا لأنفسكم، بل ضحّوا بأنفسكم وعيشوا من أجل الأجيال القادمة".. ومع كل هذا الإغراق المريع من الإعلام الضال والمضل نجد إقبال آلاف الشباب وقيامهم بالتمسك بمبادئ الإسلام. وقد دخل الميدان الآن شباب يتقدون ذكاء ولهم من الإبداعات التى تجعلهم ينفذون إلى القلوب والعقول آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر. لقد استلهموا من مدرسة حفيدى رسولهم الكريم صلوات الله وسلامه عليه اللذين وجدا رجلاً من المسلمين يسىء الوضوء، فرأيا سوء وضوئه، وهما يعلمان بأن الله لا يقبل صلاة بغير وضوء صحيح.. ما هى الطريقة الآن لنصح الرجل؟ من غير جرح لكبريائه، وهو شيخ يفوقهما سناً، والكبير عادةً لا يتقبل من الصغير.. فنظر الحسن و الحسين إلى بعضهما نظرةً ذات مغزى، ثم اقتربا من الرجل، فقالا له: يا أبانا أو يا شيخ! إنى أنا وأخى قد اختصمنا أينا أحسن وضوءاً، أنا أقول أنا أحسن وضوءاً من أخي، وأخى يقول: هو أحسن وضوءاً مني، فأردنا أن نحتكم إليك لتحكم بيننا أينا أحسن وضوءاً من الآخر، فتقدم الحسن فتوضأ وضوءاً نبوياً كاملاً، وأسبغ الوضوء، ما ترك شيئاً من سننه، ثم تقدم الحسين لما فرغ الحسن، فتوضأ وضوءاً نبوياً كاملاً، وأسبغ الوضوء، ما ترك شيئاً من سننه، ثم التفتا إلى الرجل ينتظران منه الحكم، فوقع هذا العمل فى قلب الرجل أشد موقع، وقال بل أنا الذى لا أحسن الوضوء وشكر لهما صنيعهما. وأخذوا من معين حسن البنا حين بدأ دعوته فى الإسماعيلية عام 1928، عندما واجهته عدة عقبات ومن تلك العقبات: موجة التبشير العارمة، التى كان يتزعمها القس زويمر وكان المبشرون يذهبون مبكرين فى صباح كل يوم إلى عزبة فى ضواحى الإسماعيلية، يقدمون للأهالى الفقراء هناك زجاجات من اللبن وأرغفة الخبز (الأفرنجى – الفينو)، وبهذا الأسلوب يبدأون فى جذب قلوب هؤلاء البسطاء إليهم وشيئاً فشيئاً تتوثق روابطهم بهؤلاء المبشرين، وفى اللحظة المناسبة يقوم المبشرون باستدراجهم إلى ترك دينهم وأدرك الأستاذ البنا خطورة الأمر، فجمع الإخوان بالإسماعيلية وتشاوروا، واقترح عليهم أن يقوموا بشراء زجاجات من اللبن وأرغفة من الخبز وبعض الحلوى للأطفال ثم يقوم الإخوان مبكرين بعد صلاة الفجر ليسبقوا هؤلاء المبشرين إلى هذه العزبة، ويوزعوا هذه الهدايا على المسلمين الفقراء هناك ثم يحذرونهم من ألاعيب المبشرين وأهدافهم. وفعلا قام الإخوان على قدم وساق بتنفيذ هذا الاقتراح وتوالت هداياهم ومساعداتهم، ومحاضرات التوعية لهؤلاء الفقراء المسلمين، حتى تراجع المبشرون، وقال القس زويمر، حين نجح الإخوان فى خطتهم ومسعاهم كلمته العميقة: "لقد دخل الميدان عقل جديد". ومع أنهم يقومون بإعادة بناء وتعمير لقلعة كبيرة جدّاً تهدّمت جدرانُها وحصونها منذ قرون عديدة.. فإنهم يظهرون حيوية وإبداعاً يتخطون به تكلسات من شاخوا فى بث الفكر العلمانى المادى المقيت.