يعتبر الفقر علّة تتفشّى في جسد العالم، ومرض خبيث يصل حدّ القتل، يفتك ويضرب ويشرّد كلّ كائنٍ بشريٍّ فقيرٍ على وجه الأرض. ورغم كل التّقديرات والمؤشّرات والحلول الّتي وضعت من خلال الخبراء لا يزال الفقر منتشراً رغم ما يتمتّع به العالم من خيرات تنتشر من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه .فهوآفة حقيقية تفتك بالإنسان الذي كرمه الله تعالى على كافة مخلوقاته الأخرى، حيث وهبه العقل، والروح، والموارد الطبيعية، غير أن الطبائع الأنانية لبعض البشر الذين امتلكوا القوة، والمال، والعلم، والنفوذ جعلتهم يستأثرون بهذا التكريم لأنفسهم دوناً عن الآخرين، فطغوا على إخوانهم من بني آدم، مما أدى إلى انتشار الحروب، والفقر، والمجاعات، والفساد حول العالم، فلم تعد هناك بقعة من العالم خالية من هذه الآفات المهلكة. الفقر يتسبب بإحداث العديد من المشكلات للإنسان، ولعلَّ أبرز هذه المشاكل عدم قدرته على تلبية احتياجاته ومتطلباته الأساسية، من غذاء، وملبس، ومسكن، وما إلى ذلك، فيصير مضطراً إلى انتهاج أساليب لا تليق بإنسانية الإنسان، مما يؤدي إلى تسرع الآخرين ممن ينظرون إليه إلى الحكم عليه بالإجرام، والانحطاط، وهذه النظرة تتسم بالقصور في أغلب الأحيان، فمن يطلقون الأحكام جزافاً لم يجربوا الظروف ذاتها التي مر الفقير بها، ولم يتخيلوا أن رغيف الخبز قد يتسبب في قضِّ مضجع الملايين حول العالم. ومن أسباب الفقر حول العالم 1- غياب القيم الروحية عن العالم واستبدالها بالقيم المادية، مما أدى إلى غياب التراحم والتكافل بين الناس، فالقيم الروحية تتعارض على الدوام مع المصالح البشرية النابعة من الأنانية المحضة، والتي حتماً ستفضي إن استوغلت في قلوب البشر وعقولهم إلى كوارث لا تحمد عقباها، ومن هنا فإن هذا السبب قد يكون مصدر الأسباب الأخرى إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. 2- انتشار النمط الاستهلاكي بين الناس، الأمر الذي دفع بهم إلى محاولة شراء كل شيء مفيداً كان أم غير مفيد؛ لغرض الشراء لا لأي غرض آخر، مما أدى إلى ظهور الطبقية في المجتمع، وحصر الثروة بيد فئة محدودة من الناس، ومما أدى إلى إفقار المستهلكين الذين أنفقوا أموالهم في عمليات الشراء التي لا طائل منها، وجعلهم فوقهم مضطرين إلى الاقتراض من البنوك، فتراكمت الديون عليهم، وازدادوا فقراً. ولعلَّ ازدهار البنوك والتي تعتبر أحد أهم أركان النظام الرأسمالي أكبر دليل على صعوبة الأوضاع المادية التي يعاني الناس منها. 3- استنزاف الدول العظمى والاستعمارية لموارد الدول الضعيفة التي سيطرت عليها أثناء انتشار الحملات الاستعمارية، مما جعل هذه الدول تفقد مواردها لصالح الدول العظمى، فتحولت الشعوب فيها إلى شعوب فقيرة، وانتشرت المجاعات، وتفشى البؤس. ولعلَّ بعض مناطق القارة الإفريقية تعتبر من أوضح الأمثلة على ذلك. 4- انتشار الحروب بين الدول، مما أدى إلى ارتفاع في معدلات اللجوء، ولا يمكن أن يكون اللاجئ غنياً إلا في حالات نادرة ومعدودة، فاللاجئ قد ترك وراءه في وطنه كل شيء، مما جعله فقيراً يمد يده لنيل المساعدات ممن يتعطَّفون عليه. ومع الحقائق البارزة للوضع الذي يعيشه العالم ورغم الأسباب السابقة وغيرها والتي تحمل الدول الغنية مسؤولية كبيرة في فقر الشعوب، فقد ظل الالتزام السياسي غائبا. وتكرر غياب زعماء القوى السياسية الكبرى عن المناسبات التي تهتم بهذه الأزمة، ولم يتجاوز إعلان المؤسسات المالية المتحكمة في اقتصاد العالم عن تصميم البرامج الرامية إلى الحد من الفقر وتطبيقها الاستهلاك الدعائي لإخفاء حقيقة أهدافها التجارية. واقتصرت الحلول إبان الأزمات الكبرى التي يسببها الفقر على تقديم الغذاء والخيام والإسعافات الأولية دون السعي إلى تقديم حلول طويلة الأمد، رغم تكرار المختصين بأن الحل لا يكمن في تقديم القوت للجياع بل يجب القضاء على الأسباب الكامنة وراء الفقر في مختلف أنحاء العالم بصورة سريعة ومستديمة ومتواصلة. وكرد فعل على ظاهرة عدم المبالاة تلك ازداد وعي المجتمع المدني في العالم بالمشكلة زيادة تشكل بارقة أمل تلوح في الأفق، وقد تولد عن هذا الوعي التزايد المستمر لظهور الكثير من التكتلات والأحزاب والجماعات المناهضة للظواهر المتعلقة بمشكلة الفقر في العالم مثل العولمة وتدمير البيئة وخرق حقوق الإنسان. وحتى تحرك ساكنا تبقى الدول الغنية في غفلتها عن الظواهر الجديدة الناتجة عن الفقر، والتي من ضمنها: هجرة الملايين من الشعوب الفقيرة إلى الدول الغنية كل سنة سعيا وراء المال وما ينبئ به التزايد الكبير لأعداد البشر الراغبين في ذلك من بداية لتدفق فوضوي لا يمكن إيقافه أو التحكم فيه. ظاهرة ما يسمي الإرهاب والتي تبرز ما يمكن أن يلجأ إليه الإنسان من وسائل لرفض الظلم والبحث عن التغيير والسعي وراء القناعات. جمع و اعداد د/ عبد العليم سعد سليمان دسوقي قسم وقاية النبات – كلية الزراعة – جامعة سوهاج رئيس فرع الاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة بمحافظة سوهاج- مصر [email protected]