علي الرغم مما يمر به العالم من نهضة وتنمية ومحاولة المنظمات الحقوقية في تنمية الدول الفقيرة إلا أن هناك دولا مازالت تموت فقراً و جوعاً من شبح الجفاف الذي اجتاح البلاد .. ولكن ما السبب.. هل هي العوامل المناخية كما يظن البعض أم هي أسباب سياسية بسبب نشوب الحرب الأهلية التي قضت علي الأخضر واليابس ؟ أم هي أسباب أخري قد لا نعلمها.. الصومال هو نموذج صارخ ومأساة إنسانية تقف العوامل الطبيعية وراءها ولكن صراعات البشر أيضا. جفاف غير مسبوق يجتاح بلاد القرن الأفريقي من أثيوبيا و كينيا وأوغندا وجيبوتي والصومال، 12 مليون شخص يعانون أزمة غذائية ومهددون بالموت في هذه المنطقة المسماة "بمثلث الموت"، لذلك رفعت منظمة الأممالمتحدة حالة التأهب وأعلنت وجود مجاعة. طبقا لما أعلنته منظمة الأممالمتحدة أنها لم تعلن بوجود حالة مجاعة إلا عندما ارتفع معدل الوفيات إلي موت شخصين من بين كل 10 آلاف شخص يومياً، ونزوح 30٪ من سكان المنطقة القاحلة إثر المجاعة. حيث أشارت ناتالي سانتن المتخصصة في التنمية والأزمات الغذائية والأحداث العالمية إلي إن المجاعة في الصومال لم تهبط من السماء " أي أن هناك عوامل أدت إلي هذا وأضافت أنه في عام 1992 شهدت الصومال مجاعة مروعة أسوأ من التي شهدتها أثيوبيا عام 1985 إذن ما الذي يفسر هذه المجاعة عندما يموت 300 ألف صومالي جوعا والآن ما الذي يفسر أزمة الغذاء التي لا نعرف إلي متي ستستمر هل هي بضعة أشهر أم عدة سنوات؟ الصومال هي إحدي العشر دول الأكثر فقرا في العالم ذات الموارد الطبيعية المحدودة بسبب بيئتها القاحلة ونتيجة لذلك فإن معظم أراضيها لا تصلح إلا لرعي الماشية وهذه العوامل يجب أخذها في الاعتبار ولكن المجاعات لم تفسر أسبابها بعد مثلما حدث في الماضي وهو الظروف المناخية . ولكن اجتماع هذه العوامل الذي يحدث تدريجيا في حياة الشعوب وبعبارة أخري لا يكون ظاهرة عرضية. سيلفيا براونيل، خبير الخغرافيا المتخصصة في مجال المجاعات، تقول إنه لا توجد مجاعة مناخية. أي أنها تستطيع فقط أن تفسر تقلب الطبيعة. جفاف أو فيضان يمنع الإنسان من التغذية ويسبب الجوع . وأضافت أن متوسط نصيب الفرد في الدول الفقيرة من السعرات الحرارية Calories المتاحة أقل من2200 سعرة في اليوم في 48٪ من سكان أفريقيا (أي في إحدي وثلاثين دولة ) . وأشارت إلي أن هناك أسبابا قوية تثبت أن المجاعة ليست طبيعية وأن التكنولوجيا جديرة بالتنبؤ فهي قادرة علي اكتشاف الطبيعة ونقل المعلومات إلي العالم ولهذا فإن الاتحاد العالمي يعد نظاما عالميا من المعلومات له جهاز إنذار سريع كي يختبر الكوكب ويمنع المخاطر. علي سبيل المثال أن الجفاف انتهي بفضل المساعدات الغذائية السريعة. وما يحدث في الصومال كان يمكن التنبؤ به تماما. لكن الحكومات التي كانت بطيئة في الاستجابة منذ 2008 وغير راغبة بالمساعدة الآن. وآخر تقرير للوحدة المذكورة يشير إلي وجود ظروف بالغة السوء في بعض المناطق ونقص الإغاثة. لكنه أخفق في تقديم تنبؤ واضح للكيفية التي قد تتطور بها الظروف. وأشار التليفزيون الفرنسي إلي أن الإنذار المبكر الفعال يجب أن يلبي ثلاثة شروط: من يحتاج إلي المساعدة وما هو حجم الإغاثة المطلوبة ومتي تكون مطلوبة. والإنذار في حاجة إلي أن يسبق بوقت كاف؛ لأن الأغذية بطيئة في الحركة والتوزيع، ويجب أن يكون مقنعا للمتبرعين بالمعونة الغذائية المطلوب منهم أموال ضخمة في وقت وجيز. وإذا كان من السابق لأوانه القول بالضبط: لماذا فوجئنا بأزمة الصومال الحالية؟.. مضيفا أن السؤال مهم وفي الوقت المناسب ويجب أن تقدم الأممالمتحدة تفسيرا لذلك. كما أن الإخفاق في استباق المجاعة والاستعداد لها يسبب خسارة فادحة في الأرواح ويربك الحياة وسبل العيش، وحاجة أعداد كبيرة من السكان يجعل التنمية اللاحقة أصعب بكثير. السبب الحقيقي إذن فما السبب الحقيقي لهذه المجاعة؟ هل يمكن لغياب الأمن أن يؤدي إلي مجاعة..! تعيش الصومال حالة من غياب الأمن المستمر حيث لم تنجح أي حكومة مرت في الحفاظ علي الأمن منذ سقوط سياد بري في عام 1991 فعلي مدي 20 عاما من الإغراق في الحرب الأهلية أصبح البلد يعاني حالة من الفوضي العارمة، والقرصنة، ونقص البنية التحتية والخدمات الأساسية، لا سيما في مجالات الصحة والتعليم. باختصار، وعلي من يقول إن هذه المجاعة في الصومال بسبب الجفاف فهذه بالطبع حجة تافهة . وعلي الجانب الآخر، إذا قمنا بتحليل المجاعات العالمية في 40 سنة الماضية، فاننا نلاحظ أنها جميعها كانت نتيجة للأزمات السياسية الرئيسية . فان الجفاف يزيد المجاعات لا مفر، ولكن غياب الديمقراطية والحرب هي المسئولة بصفة كبيرة عن هذه المجاعات. علي الرغم من إن المجاعة تهدد نصف الصوماليين 7.5 مليون الذي تسبب في تدفق الإنسان إلي العاصمة مقديشيو، إلا أن استمرار القتال المتقطع في أرجاء الصومال وغياب الأمن هو السبب الحقيقي للمجاعة حيث أن الميليشيات وحركة الشباب المجاهدين الإسلامية التي تقع تحت سيطرتهم معظم البلاد تمنع وصول المساعدات الإنسانية من الأممالمتحدة والمنظمات الحقوقية مع غياب الحكومة والانفلات الأمني أدي إلي انتشار المجاعات وتفشي الأمراض والأوبئة في أرجاء البلاد منها (الكوليرا)، ولكن الانسحاب المفاجئ للميلشيات من العاصمة يوم 6 أغسطس والسماح للقوافل بالمرور أتاح للمنظمات الحقوقية عمل جسر جوي وتوصيل المساعدات الغذائية منها الأممالمتحدة ومنظمة اليوينسيف التي قامت بتوصيل جسر جوي مباشر إلي مدينة " بيداوة" لتوصيل الأدوية والغذاء بعد ما سمح لهم الميليشيات بالمرور لمعالجة الأزمة الإقليمية. وعقدت منظمة المؤتمر الإسلامي OIC الذي يجمع 57 دولة مسلمة، في 17 أغسطس باسطنبول اجتماعا حول الأزمة الغذائية، وقد أعلنت أنقرة الأسبوع الماضي عقد مثل هذا الاجتماع لجمع التبرعات لمساعدة ضحايا المجاعة في الصومال . واخيراً ناشد رئيس منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) العالم وقال : نحن بحاجة إلي مساعدة فورية للمزارعين من خلال توفير البذور والأدوات والوصول إلي المياه، وبالنسبة للمزارعين فإننا نسعي لتقديم خدمات الطوارئ البيطرية والأعلاف، والهدف هو منع المجاعة ومزيد من التشرد ". لعل هذه الأزمة تدق ناقوس الخطر وتنبهنا من خطر الفوضي وليت الشعوب تفيق من غفوة اللامبالاة وتحافظ علي أمن البلاد ... رحم الله شعب الصومال، فعلينا أن نساعدهم متي أتيحت لنا الفرصة ونساند شعب الصومال الشقيق.