أمس الأحد.. هو اليوم الأول لمحمد مرسى رئيسا لمصر بصفة رسمية بعد 24 ساعة حافلة أقسم اليمين خلالها ثلاث مرات وألقى أربعة خطب، أقواها وأكثرها بعدا وعمقا ونفاذا فوق السطور وتحتها، خطابه الأخير فى قاعدة الهايكستب وقد كان مرتجلا بالكامل، لكن كلماته فاضت لغة وكلاما بلا تهتهة، كأن فى عقله "كمبيوتر" يقرأ منه. وللأمانة فإن هذه الملكة الخطابية الانسيابية الارتجالية كانت تميز أيضا الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فى خطاباته الجماهيرية، وكانت لغته العربية فى الغالب سليمة. الخطابات المرتجلة فى مناخنا العربى لها فائدتها الكبيرة، فالعرب لا يفضلون الصامتين حتى لو كانوا رجال دولة مبهرين فاعلين.. ولعلنا نذكر مرحلة الإبهار التى عاشها عمرو موسى عندما كان وزيرا للخارجية، والفضل فى ذلك لقدراته الكلامية والبلاغية. لا يعنى ذلك أننى أريد من مرسى وحكومته الفعل الحنجورى فقط، فقد ضيعتنا الحناجر التى تتحدث عكس الواقع، ولكنى أريد تحالف الفعل والحنجرة، بحيث نطلق السواعد للعمل ولنتائج سريعة على الأرض، يرافقها خروج المسئولين من أبراجهم العاجية الصامتة والحديث مباشرة إلى الجماهير بما فعلوا وبما عجزوا عن فعله. قد يكون الدكتور عاطف صدقى عليه رحمة الله من أنجح رؤساء حكومات مصر اقتصاديا، لكنه لم يكن يتكلم وكان أهل الفن والصحافة يسخرون من صمته حتى وصف بأنه "أخرس".. ولذلك لا نرى أثرا لاسمه الآن مع أنه المهندس الحقيقى لطفرة اقتصادية لم يقدر لها أن تكتمل بسبب وصول عجلة القيادة إلى جمال مبارك ورجال أعماله وحوارييه. إذا أراد مرسى صناعة تاريخ جديد فعليه أن يستغل ملكته الخطابية الثورية التى لم نكن نعرفها قبل خطبة ميدان التحرير، فى اختيار حكومة تستطيع التفكير والفعل والتعبير القوى عن مصر بدءا من رئيسها إلى أقل وزير فيها من حيث الأهمية. لكن الأهم داخليا وعربيا وإقليميا أن ينجح الرئيس مرسى فى اختيار وزيرى داخلية وخارجية من ذوى المواصفات الخاصة والفدائية.. وزير داخلية حازم وقادر على البدء فورا فى إعادة بناء جهاز الأمن وتطهيره من عناصر الدولة العميقة وإشعار الناس بعودة الأمن سريعا والحزم فى التعامل مع قطاع الطرق سواء كانوا لصوصا أم متظاهرين محتجين. ووزير خارجية قوى يقود مرحلة تحول مصر إلى دولة قوية غير تابعة تقود العمل العربى والإقليمى والإفريقى، ولها كلمتها المسموعة والمؤثرة فى القرار الدولى. المصريون فى الخارج يريدون الإحساس سريعا بانتمائهم لدولة تحميهم وتعادى من أجلهم إذا اقتضت الحاجة.. وإذا كان على وزير الداخلية مهمة تطهير جهاز الأمن، فإن مهمة وزير الخارجية أصعب، فأمامه دولة عميقة تعشعش فى السفارات والقنصليات لا يجوز التريث فى انتزاعها، واختيار سفراء وقناصل لا يخشون شيئا فى أداء واجبهم تجاه مصر وأبناء وطنهم فى الخارج. نريدهم سفاراتنا فى الخارج سفارات لمصر لا للدول الموجودة فيها. [email protected]