لا شك أن ملف رجال الأعمال المصريين، خاصة الذين عملوا في دهاليز النظام السابق، سيكون من الملفات الشائكة التي ستواجه الرئيس المنتخب محمد مرسي خلال فترة رئاسته للجمهورية الثانية لمصر. فقد اختلطت السلطة بالمال في عهد النظام السابق ، وتبوَّأ رجال الأعمال مناصب سياسية حساسة في مصر وتمكَّنوا من الوصول إلى مركز صُنع القرار ولعل أشهر هؤلاء هو رجل الأعمال أحمد عز الذي استطاع بثرائه الفاحش وإمبراطوريته الاقتصادية الضخمة أن يعتلي سدّة القرار السياسي في مصر عن طريق توليه منصب أمين التنظيم في الحزب الوطني "المنحل" ورئيس لجنة الخُطة والموازنة في مجلس الشعب الأسبق . ولم يتعظ لوبي رجال الأعمال الاقتصادي الذي عاش في كنف النظام السابق، مما حدث لرموز هذا النظام الذين حلّوا على السجون، فاستمروا بعد الثورة ولمدة عام ونصف في تعطيش السوق المصري للدواء والبنزين ورفع العديد من أسعار السلع الحيوية في مصر. والجميع يأمل الآن من الرئيس محمد مرسي أن يفتح هذا الملف الشائك وأن يفتت مراكز القوى الاقتصادية التي نشأت وترعرعت في عهد نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. وقد اختلف خبراء الاقتصاد في الطريق التي يجب أن يتعامل بها الرئيس المنتخب محمد مرسي وحكومته الجديدة مع طبقة رجال الأعمال ، فمنهم مَن أكد أن فئة رجال الإعمال المصريين لا بد من التعاون معها في إطار جيد حتى مع مَن عمل منهم في عهد النظام السابق عن طريق الحوار معهم ومناقشتهم قبل إصدار القوانين التي ستحدد العلاقة بينهم وبين الحكومة. بينما يرى فريق آخر من الخبراء الاقتصاديين أن تطبيق القانون بلا استثناء وسرعة المحاكمات الاقتصادية إجراءات رادعة لمقاومة انحراف رجال الأعمال في عهد الرئيس مرسي. وفي إطار ذلك استطلعت "المصريون" آراء خبراء الاقتصاد في كيفية تعامل الرئيس محمد مرسي وحكومته الجديدة مع مراكز القوى من رجال الأعمال المصريين وكيفية مواجهة انحرافهم إذا خرجوا عن القانون. الدكتور أكرم بسطاوي: الحوار أولاً مع رجال الأعمال قبل إصدار قوانين تحدد عملهم والرئيس لن يدخل في صدامات معهم في البداية أكد الدكتور أكرم بسطاوي، الخبير الاقتصادي بوزارة التجارة والصناعة، على أنه لا يمكن لأحد إنكار دور رجال الأعمال في مصر في دفع عجلة الاقتصاد المصري للأمام أو الخلف. وأشار بسطاوي إلى أنه على الرئيس المنتخب محمد مرسي وحكومته الجديدة أن تدخل في حوار ومناقشات مع رجال الأعمال الذين يمثلون العمود الفقري للاقتصاد المصري وتشمل هذه المناقشات كيفية الحد من خسارة الدولة ورجال الأعمال على السواء. وأضاف بسطاوي أن الحوار مهم مع رجال الأعمال قبل فرض الحكومة الجديدة لسياسات وقوانين اقتصادية معينة تدفع برجال الأعمال إلى نقل استثماراتهم للخارج هربا من هذه القوانين؛ لأنها تمت دون مناقشتهم والاستماع إلى آرائهم. وأوضح الخبير الاقتصادي أنه يجب على الحكومة الجديدة في عهد الرئيس المنتخب محمد مرسي أن تحدد ما هي القطاعات الاقتصادية التي ستبدأ بها أولاً، ثم عمل حوار اقتصادي فاعل مع مَن يمثل رجال الأعمال، سواء كانت جمعيات أو روابط، وبعدها تقوم الحكومة بفرض سياسة اقتصادية محددة وقوانين معينة يرضخ لها جميع رجال الأعمال. ونوَّه بسطاوي إلى أنه هناك بعض الدول الأجنبية مثل البرازيل والأرجنتين تقوم بمناقشة رجال الأعمال أولاً، ثم بعد ذلك تصدر قوانين تسرى على الجميع، فالاستماع إلى وجهات نظر رجال الأعمال والمعوقات التي تواجههم، ثم فرض القوانين التي تنظم العمل بين الدولة ورجال الأعمال والتي ستمنع بالتأكيد أي تصادم قد يحدث بين الطرفين. وشدد بسطاوي على أن الرئيس محمد مرسي لن يدخل في صدامات مع رجال الأعمال حتى لو كانوا من رجال النظام السابق ، وكان ذلك واضحًا من البرنامج الانتخابي للرئيس مرسي الذي يقوم على جذب الاستثمارات من الخارج وتشجيع رجال الأعمال المصريين على الاستثمار داخل مصر. وتابع بسطاوي أن رجال الأعمال المتهمين في قضايا إهدار المال العام لن يدخلوا في حوارات مع الحكومة وسيقومون بنقل استثماراتهم للخارج. الدكتور رضا العدل: على الحكومة الجديدة توفير سياسات تنموية لتشجيع رجال الأعمال ومحاسبة المخطئ منهم وفى سياق آخر أكد الدكتور رضا العدل أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس أن مشكلة رجال الأعمال المصريين في النظام السابق أنهم اختلطوا بالعمل السياسي فيما عُرف وقتها بالزواج بين السلطة والمال وهذا قد أضرهم أكثر مما نفعهم. وأشار العدل إلى أنه ينبغي على رجال الأعمال الآن أن يتعظوا مما حدث لغيرهم في عهد النظام السابق، والذين تفرغوا للحصول على مكاسب اقتصادية من جرَّاء عملهم بالسياسة، إضافة إلى الأرباح التي يحصلون عليها من شركاتهم الاقتصادية التي يمتلكونها. وأوضح أن الرئيس المنتخب محمد مرسي سيتبنى اللغة الودية مع رجال الأعمال ولن يدخل في صدام معهم وذلك كما جاء في برنامج مرسي الإنتخابي الذي يشجع الاستثمار داخل مصر وتسهيل المعوقات كافة التي قد تواجه رجال الأعمال في مصر . ونوَّه العدل أن الحكومة الجديدة التي ستعمل تحت رئاسة الرئيس المنتخب محمد مرسي هي التي ستضع السياسات الاقتصادية للنمو في مصر، ويجب أن تكون هذه الحكومة على قدر كبير من المسئولية الاقتصادية والوعي وتكون متوافقة على قلب رجل واحد وأن تتجه هذه الحكومة نحو النمو والازدهار وزيادة الإنتاج في مصر. وشدد العدل على أن الأزمات الاقتصادية التي شهدتها مصر خلال الفترة الماضية ليس مسئولاً عنها رجال الأعمال فقط بل الحكومة أيضًا مسئولة عنها، وعليها أيضًا أن تبحث عن المشاكل التي تواجه رجال الأعمال مثل ارتفاع أسعار المواد الخام وتكلفة الاستيراد . وتابع العدل أنه إستراتيجية تعامل الدولة مع رجال الأعمال يكون مسئولاً عنها الحكومة بجانب الرئيس وليس الرئيس فقط. الدكتور مختار الشريف: تطبيق القانون دون استثناء على رجال الأعمال سيحدّ من إنحرافهم الاقتصادي من منطلق آخر أكد الدكتور مختار الشريف أستاذ الاقتصاد بجامعة المنصورة، أنه على الرئيس المنتخب محمد مرسي وحكومته الجديدة التعرف على آراء ومقترحات رجال الأعمال المصريين قبل إصدار القوانين التي تحدد عملهم حتى لا يحدث تصادم بينهم يدفع ثمنه المواطن المصري البسيط . وأشار الشريف إلى أن التعرف على آراء رجال الأعمال يكون عن طريق الجمعيات والروابط التي ينتمون إليها ثم إصدار القوانين التي تحكم عملهم وتُخضِعهم للمراقبة الحكومية ومحاسبتهم عند انحرافهم. وأوضح أستاذ الاقتصاد على أنه ينبغي تطبيق القانون على الجميع دون استثناء وأن هذا الإجراء وحده كفيل بردع رجال الأعمال المنحرفين. ونوه الشريف إلى أنه ينبغي أن تكون السياسات الحكومية واضحة لرجال الأعمال وإرسال رسائل محددة لهم من جانب الحكومة حول طريقة التعامل معهم . وشدد الشريف على أن مصر تعيش أفضل مراحل التجرِبة الديمقراطية بانتخاب الدكتور محمد مرسي رئيسًا لمصر ولا بد من تحقيق طفرة اقتصادية كبيرة بتعاون الحكومة ورجال الأعمال معًا. الدكتور هاني الحسيني: لا بد من تتبع نشأة وتطور رجال الأعمال الذين ظهروا فجأة على الساحة الاقتصادية من زاوية أخرى أكد الدكتور هاني الحسيني الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة الاقتصادية لحزب التجمع، أنه لا أحد ينكر أنه يوجد في مصر ما يشبه المافيا الاقتصادية لبعض رجال الأعمال التي تسببت في أزمات كثيرة داخل الدولة المصرية والتي ينبغي أن تقاوم بيد من حديد في عهد الجمهورية الثانية لمصر. وأشار الحسيني إلى أن مصر الثورة ينبغي أن تتمتع بوجود قانون قوي يحد من انحراف رجال الأعمال، وجهاز أمني قوي يتتبع المنحرفين منهم، وكيان قضائي اقتصادي يقوم بالإسراع في محاكمة الخارجين على القانون، هي ثلاثية حازمة لردع أي رجل أعمال منحرف. وأضاف عضو اللجنة الاقتصادية بحزب التجمع أنه بتطبيق ثلاثية القانون والأمن والقضاء على رجال الأعمال يخلق شعورًا لدى المواطن بوجود دولة قوية تستطيع الحفاظ على هيبتها وكِيانها، ولا بد من تتبُّع نوعية رجال الأعمال التي ظهرت فجأة علي الساحة الاقتصادية وكيفية نشأتها وتطورها.