انتشر الخبر ليلة أمس وحتى الفجر انتشار النار في الهشيم عبر المواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي عن مقتل الشاب محمد عبد الحكيم ، المشهور باسم "عفروتو" داخل قسم شرطة المقطم عقب القبض عليه بأقل من ساعة ، وعلى الفور تجمهر الأهالي والأقارب والأصدقاء بأعداد كبيرة حول قسم الشرطة وحاولوا اقتحامه وأشعلوا النار في سيارتين ووقعت اشتباكات بينهم وبين قوة القسم انتهت لعدد من الإصابات وتم احتواء الموقف بدون خسائر جسيمة تعقد الأمور أكثر والحمد لله ، كما قامت الشرطة بتوقيف عدد من المتجمهرين . كالمعتاد الجهات الأمنية التي تحرص على أن يبقى اسمها "مجهولا" في الخبر الذي ترسله إلى وسائل الإعلام "مصدر أمني مسئول" ارتبكت وأرادت التطوع فاستعجلت بتقديم أي مبرر أو شرح لأسباب مقتل عفروتو داخل قسم الشرطة ، فبعضهم قال أنه بسبب خناقة أو اشتباك داخل القسم ، وبعضهم قال أنه بسبب تعاطيه نوع من المخدر بجرعة زائدة ، ثم نشرت المواقع الإخبارية بعد ذلك بساعات عن مصادر الطب الشرعي أن القتيل راح ضحية تعذيب شديد ، وحسب الصفة التشريحية التي نشرت أنه (تبين وجود تهتك بالطحال ونزيف بالبطن، نتج من التعدي بالضرب على المتوفي) ، وبعض الصحف بعد أن نشرت هذا التقرير للطب الشرعي قامت لأسباب غير مفهومة بسحب الخبر وإخفائه من موقعها ، ورفضت مواقع صحفية أخرى سحبه أو إخفاؤه ، وحتى الآن ما زال الأمر غامضا ولا يوجد أي بيان رسمي يوضح حقيقة ما جرى ، غير أن النيابة العامة تقوم بالتحقيق في الواقعتين : مقتل عفروتو ، وهجوم المتظاهرين على قسم الشرطة ، كما أن مدير أمن القاهرة فتح تحقيقا داخليا لمعرفة حقيقة ما جرى . الأخطاء واردة عند أي جهاز للشرطة ، والثبات الانفعالي يصعب ضبطه عند الجميع ، غير أن تكرار تلك الحوادث بأوقات متقاربة يعني أن ثمة خطأ وانفلاتا ، كما أن الأسوأ هو اندفاع الجهات الأمنية لمحاولة طرح سيناريو غير صحيح ولا سليم للواقعة من أجل التستر أو تبرئة رجال الشرطة المدانين بالواقعة ، وقد حدث ذلك في جريمة مقتل خالد سعيد ، والتي حاولت جهات أمنية توصيفها على أنها تعاطي بانجو وأنه مسجل خطر وأن لفافة البانجو انحشرت في حلقه فمات مختنقا ، وهي الرواية التي أثبتت تحقيقات النيابة بعد ثورة يناير وأحكام القضاء بأنها كاذبة جملة وتفصيلا ، وأن خالد قتل تحت التعذيب والاعتداء الشديد من قبل رجال أمن ، ولدينا الملف المفتوح والمرهق للغاية للدولة بكاملها الآن ، ملف الباحث الإيطالي "ريجيني" الذي قتل وألقيت جثته في الطريق الصحراوي ، وطرحت عدة سيناريوهات من جهات أمنية عن مقتله اتضح أنها جميعها كاذبة وغير صحيحة ، وكذلك حدثت واقعة إبادة خمسة مواطنين في ميكروباص والإعلان عن تورطهم في جريمة مقتل "ريجيني" وأن الجهات الأمنية وجدت متعلقات الضحية في منزل بعضهم ، وهو ما ثبت بعد ذلك أنه اختلاق وأن هؤلاء الضحايا لا صلة لهم بمقتل ريجيني ، حسب ما قررت تحقيقات النيابة العامة . مثل هذه الوقائع وغيرها بالعشرات أضعفت المصداقية عند المواطن تجاه إجراءات الدولة لجلاء الحقيقة وإقامة العدل ، خاصة وأن الملف قبل أن يصل إلى جهات التحقيق القضائية يكون خاضعا لمؤثرات عديدة يملكها رجال الشرطة بالأساس وبالتالي سيكون موقفهم مؤثرا فيها ، ولذلك تأتي غضبة الناس الشديدة والعفوية بسبب ما انطبع لديهم من تجارب سابقة بأن "حق" ابنهم ضائع ، وصحيح أنه أمر ليس صحيحا دائما ، ولكن وقائع عديدة أخافت الناس وأضعفت ثقتهم في الدولة وحياديتها تجاه مثل هذه الوقائع التي يكون طرفا فيها رجال الشرطة ، والحقيقة أن ضعف المصداقية هو أسوأ ما في الأمر ، وأخطر ما في الأمر ، لأنه يعرض كيان الدولة والمجتمع للانهيار ، ولذلك أتمنى أن تأخذ العدالة مجراها في واقعة "عفروتو" من قبل القيادات الأمنية بوزارة الداخلية أولا ، ثم باقي جهات التحقيق ، لأن الدولة الآن في حاجة لاستعادة ثقة الناس بها ، بالدولة ، ناهيك عن الاتهامات الخارجية المتوالية من قبل منظمات حقوقية عالمية بعضها معتمد من المجتمع الدولي ومن الأممالمتحدة . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1