بيبرس اسم تركى مؤلف من "بي" أى أمير و"برس" أى فهد، وذكر المقريزى بأنه وصل حماة مع تاجر، وبيع على الملك المنصور محمد حاكم حماة لكن لم يعجبه وأرجعه، فذهب التاجر به إلى سوق الرقيق بدمشق وهو فى الرابعة عشر من عمره، وباعه هناك بثمانمائة درهم لكن الذى اشتراه أرجعه للتاجر لأنه كان فيه عيب خلقى فى إحدى عينيه (مياه بيضاء)، فاشتراه الأمير "علاء الدين أيدكين البندقدار"، ثم انتقل بعد ذلك إلى خدمة السلطان الأيوبى الملك الصالح نجم الدين أيوب بالقاهرة، وأعتقه الملك الصالح. انتقل بعد ذلك إلى الأمير فارس الدين أقطاى وارتقى فى سلم الجندية حتى صار من كبار قادة المماليك وأبدى قوة وشجاعة وبسالة نادرة فى كل المعارك التى اشترك فيها ضد الصليبيين أثناء الحملة الصليبية على دمياط، ولما تولى عز الدين أيبك حكم مصر بعد زواجه من شجرة الدر لم يكن على وفاق معه فذهب إلى الشام والتحق بخدمة أمرائها من بنى أيوب وظل بها حتى آل الأمر إلى سيف الدين قطز، وهجم التتار على دمشق وأخذوها فاستدعاه قطز وطلب منه قيادة فيلق بالجيش المصرى المقاتل للتتار، وبعد الانتصار الرائع فى "عين جالوت" عهد قطز لبيبرس بمهمة مطاردة فلول التتار المنهزمين ومنعهم من التجمع مرة أخرى فأدى المهمة بنجاح كبير. لم يوف قطز لبيبرس بعهده بأن يوليه حلب، وعلم بيبرس أن قطز يضمر له أمرًا، فقرر أن يتخلص منه قبل أن يقتله هو، ولم يجد قادة المماليك خيرًا من ركن الدين بيبرس ليولوه حكم مصر والشام خلفًا لقطز، فى هذه الظروف الدقيقة، فكانت هذه الولاية من رحمة الله عز وجل بالمسلمين فى هذه الفترة العصيبة من حياة الأمة الإسلامية، فقد كان بيبرس شهمًا شجاعًا أقامه الله عز وجل للناس لعلو همته وشفقته على المسلمين وقصده الصالح فى نصرة الإسلام وأهله. كان مما يميز بيبرس عن غيره من ملوك المسلمين فى عصره ولأعوام طويلة أنه كان شديد العناية بحرمات المسلمين ودمائهم وحقوقهم بصورة أعادت للأذهان أيام الإسلام الأولى وعهود الراشدين وأيام العز والتمكين وذلك فى مواقف كثيرة فقد كان لا يصبر على أذى المسلمين. أمر بيبرس بإراقة الخمور وتحريم الاتجار فيها فى شتى نواحى مصر ومن ضبط بتصنيع الخمر سوف يقتل، كما منع الخواطئ والغانيات والمفسدات من الفاحشة، وسلب أموالهم من بيع الأعراض، وأمر بتزويجهن جميعًا بعد التوبة والإنابة، فحفظ الديار المصرية من أفتك الأمراض: الخمر والزنا. وبالجملة كان الظاهر ركن الدين بيبرس من خيرة سلاطين المسلمين وقادتهم وفتح فتوحًا كثيرة، وأعاد لحظيرة الدين بلادًا كثيرة من أيدى التتار والصليبيين، واتسعت دولة المماليك فى عهده من الفرات إلى أقصى بلاد النوبة مع الحجاز واليمن، وتوفى فى مثل هذا اليوم عام 1277م.