المشير خليفة بلقاسم حفتر 74 عاما صرح الأسبوع الماضي انه يرفض الخضوع (للأجسام المنبثقة) عن الاتفاق السياسي الذي رعته الأممالمتحدة في مدينة الصخيرات المغربية قبل عامين.جاء ذلك فى حديث تلفزيونى اطل به على العالم معلنا غضبه ورفضه للقرارات الدولية والإقليمية المتعلقة بمستقبل ليبيا .الحديث جاء مع حلول تاريخ 17/12/2017 الذى يعتبره البعض في ليبيا موعداً لانتهاء مدة المجلس الرئاسي وهو الأمر الذي قال المبعوث الدولى لليبيا المفكر والسياسى د/غسان سلامة أنه (غير صحيح). حفتر قال مع بلوغ 17 ديسمبر 2017تنتهي صلاحية ما يسمى الاتفاق السياسي لتفقد معه كل الأجسام المنبثقة عنه بصورة تلقائية شرعيتها المطعون فيها منذ اليوم الأول من مباشرة عملها وقال أيضا رفضه الخضوع لأي جهة مهما كان مصدر شرعيتها ما لم تكن منتخبة من الشعب الليبي..وقال أيضا البلاد تشهد هذه الأيام منعطفاً تاريخياً خطيراً وأن الجميع يراقب بانتباه شديد مجريات الأحداث في ليبيا وتطوراتها مع دخول الدولة الليبية في مرحلة خطرة تنذر بتدهور حاد في الشؤون المحلية كافة بلا استثناء..وقال ان التدهور قد يمتد مداه إلى الأطراف الإقليمية والدولية..ويفتح الأبواب أمام كل الاحتمالات..التراخي الأممي والعناد المحلي وتغليب الذات على مصلحة الوطن والشعب أدت جميعها إلى انقضاء الأجل دون تقديم أي ضمانات تؤدي إلى حل شامل وعادل..وقال أيضا تعرضنا للتهديد والوعيد باتخاذ إجراءات دولية صارمة إذا ما أقدمنا على أي خطوة خارج نطاق المجموعة الدولية وبعثة الأممالمتحدة للدعم في ليبيا..وأنهى كلمته برفض أسلوب التهديد والوعيد وأنه لن ينصاع إلا لأوامر الشعب الليبي الحر دونما سواه.. سنجد فى حديث المشير حفتر الكثير من (المعلبات اللفظية) المكرورة والمعادة والتى لا تعنى شيئا محددا ولا تشير إلى طرف محدد..مثل التراخى الأممى وأوامر الشعب الليبى الحر..لكن جملة (الأجسام المنبثقة) فعلا من أشيك الجمل التى استخدمها سيادة المشير الذى حرص على أن يظهر وهو جالس على كرسى صالون فخم من طراز(الروكوكو)الذى يعود الى عهد الملك الفرنسى هنري الثالث فى القرن الرابع عشر حيث كانت الكراسي لها دوراً أساسياً في مراسم البلاط الفرنسي.. جلس الرجل ومن خلفة جدران خشبية داكنة ومزدانة بلمسات ذهبية تعكس هيبته كقائد عظيم وتشير إلى قوة الدولة والبلاط الحفترى .. لكن الرجل تلقى إهانة بالغة من وزير خارجية فرنسا جان لودريان الذى سرعان ما جاء إلى ليبيا أول أمس والذى قابله وقال له :لابد أن تضع نفسك فى خدمة بلادك!!؟؟ يا ليل الصب متى غده ..عليك أن تتخيل نفسك أيها القارئ الكريم أن احد الناس الغرباء ينصحك قائلا:عليك أن تهتم بأولادك..أوعليك أن تهتم برعاية أبويك..وهذا بالضبط ما حدث مع قائد الجيش الليبى والذى ليس له معنى أخر غير أن خدمة الرجل لبلاده ووطنه محل إتهام وتشكك..هو يخدم من إذن ؟؟ وكيف سكت سيادة المشير ولم يعقب على هذا التوصيف المريع المهين لأمانته ووطنيته . المهم أيضا واتصالا بتلك الإهانة أن لقاء الوزير الفرنسى به جاء بعد لقائه برئيس المجلس الرئاسى فايز السراج(57 عاما) فى طرابلس وعقب لقاؤه السراج قال : لاحظت رغبة السراج في الالتزام بالجدول الزمني الذى حددته بعثة الأممالمتحدة .. لدينا توافق كامل في وجهات النظر لتنفيذ هذه الأجندة لتحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا ونجاح الاتفاق السياسي وخريطة الطريق التي طرحها المبعوث الأممى د/غسان سلامة وطالب فيها بضرورة التطبيق السريع لخطة الأممالمتحدة التي نصت على: حوار وطني وانتخابات في ربيع 2018 م وقال هذه الخطة الزمنية هي الحل السياسي الذي لا مناص منه لليبيا ويجب تنفيذه الآن بأسرع ما يمكن..المهندس المعمارى السابق ورئيس المجلس الرئاسى فايز السراج أصدر بيانا قال فيه : الوزير الفرنسي أكد دعمه لإجراء انتخابات وحشد كل الإمكانيات لنجاحها وقال إن جهود فرنسا في هذا الإطار لن تتوقف مهما حاول المعرقلون (من هم المعرقلون يا إخوتى؟).. وقال أيضا إن حكومته ماضية في تهيئة الأجواء لإجراء انتخابات العام المقبل بدعم المفوضية العليا للانتخابات والتي بدأت بالفعل عملية تسجيل الناخبين وأضاف :الانتخابات والعودة إلى الشعب خيار منصف للجميع داعيا إلى ضرورة تجاوب الأطراف الأخرى عمليا وأن يضع مجلس النواب قانون انتخابات ويطرح الدستور على الاستفتاء للوصول إلى تحديد شكل الدولة وصلاحيات مؤسسات الحكم. مجلس الأمن الدولي أكد فى 14/12 على أن اتفاق الصخيرات الذى ستنتهى مدته فى 17/12 يبقى هو الإطار الوحيد القابل للاستمرار لوضع حد للأزمة السياسية في ليبيا إلى حين إجراء انتخابات . سيكون علينا أن نعرف أن البيت الأبيض استقبل السراج يوم 1/12 الماضى وهو الأمر الذى لم يحدث قبلا من أمريكا فى دخولها على خط الأزمة الليبية.. وزارة الخارجية الأمريكية قالت مرارا أن خليفة حفتر فشل في التصدي للإرهاب والتفجيرات والاغتيالات والخطف في المنطقة الشرقية.. بعد البيت الأبيض ويوم 7/12 سيحط رئيس المجلس الرئاسى رحاله على الأراضى الأوروبية فيلتقى بالمستشارة الألمانية ميركل ليطلعها على ما دار فى أمريكا ليعادل التدخل الفرنسى المباشر فى الأزمة ..لا أحد يستطيع تجاهل ألمانيا قاطرة أوروبا فى كل العصور.. ومن أمريكا وأوروبا سيكون على رئيس المجلس الرئاسى أن تحط رحاله فى القاهرة وفى أى يوم ؟ يوم الأحد 17/12 اليوم الفاصل..زيارة القاهرة تعنى الكثير والكثير للسراج ولليبيا ولبعثة الأممالمتحدة ولمصر أيضا ..سيكون سهلا أن نتوقع محطته القادمة ..إنها الجزائر ففى يوم 20 /12 يصل إليها الرجل ويلتقى الوزير الأول او رئيس الوزراء أحمد أويحيى الذى سارع بإصدار بيان يرفض فيه كل ما قاله حفتر فى لقائه المتلفز.. لكن الأهم والأهم أن يعقد اجتماع فى نفس اليوم بين وزراء خارجية الجزائر وتونس ومصر بتونس ويصدروا بيانهم الدعم لاستمرار العمل بالاتفاق السياسي(الصخيرات) ولجهود الأممالمتحدة وممثلها في ليبيا د/غسان سلامة مؤكدين أن انتهاء صلاحية /مدة الاتفاق لا يعني بأي حال من الأحوال التخلي عن هذا الأساس القانوني والذي سيظل الإطار الوحيد من أجل البحث عن حل سياسي للأزمة الليبية، لاسيما وأن مجلس الأمن أكد من جديد على استمرارية هذا الاتفاق. سيكون هاما أيضا ان نعلم هناك شخص مهم ظهر إلى جانب السراج مؤخرا إنه (أسامة الجويلى) 56 عاما المولود ببلدة الزنتان والذى يحمل مؤهل التعليم العام وتخرج من الكلية العسكرية ضابطا..مارس العمل العسكري فترة ثم استقال وعاد لقطاع التعليم المهني من جديد ليستقر به الأمر موظفا في قطاع القوى العاملة...سيشارك في ثورة فبراير سنة 2011 ويشتهر ويعرف بقربه من التيار السياسى الاسلامى(حفتر يقول أن الجويلى إخوانى) وقربه من مفتى طرابلس السابق صادق الغريانى ..شجاعته المثيرة وقدراته العالية ستصل به إلى منصب رئيس المجلس العسكري بالزنتان ثم وزيرا للدفاع لمدة عام فى حكومة عبد الرحمن الكيب..سيعود من جديد رئيسا للمجلس ذاته. بعد خروج ثوار الزنتان من العاصمة طرابلس عقب حربهم مع قوات( فجر ليبيا) والمحسوبة أيضا على التيارات الإسلامية سيختفى الجويلي ويقتصر حضوره على بلدته كرئيس للمجلس العسكري حتى شهر يونيو الماضي..إذ سرعان ما سيبرز من جديد بعد أن عينه المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق قائدا للمنطقة العسكرية الغربية ستلغى محكمة استئناف بنغازي قرار تعيينه..ولن يهتم أحد..من المهم أيضا أن نعلم أن أسامة الجويلى كان حليفا لحفتر ثم انشق عليه.. يقولون أيضا أن الرجل له مكانته وكلمته المسموعة عند كل القوى المتصارعة..وبذلك يا إخوتى نعلم أن قوة السراج التفاوضية ليست من المبادىء والقيم والمرجعية الوطنية فقط ..ولكن أيضا وهذا هو الأهم من أدوات القوة النافذة..سيكون السراج بذلك قد وجه رسالة قوية للداخل والخارج و قطع الطريق على سيادة المشير وهو الطريق الذى يتدلل به قائد الجيش الوطنى على المهتمين بالملف الليبى (العسكرة والحل العسكرى) .. الشعب الليبي الذى تخلص من نظام عسكري حكمة لعشرات السنين لا يريد العودة لخيار الحكم العسكري ورسائل المجتمع الدولي تشير إلى عدم الرغبة بإعادة ليبيا إلى المربع العسكري والنظام العسكري مجددا. لكن حفتر الذى تستبد به سوداوية مهلكة ..لازال يردد خطابه العسكرى الخشبى بذات المصطلحات وذات التركيبات..خطاب الخيبات الكبرى والديكتاتور الذى ينتصرعلى شعبه. لقد انتهت مهمة حفتر فيما يبدو.. فقد أصبح الرجل عبئا على الجميع . ما ضاقت بلاد بأهلها يا عم حفتر..ولكن أخلاق الرجال وعقولهم أيضا تضيق.