إن مصالح الناس لا تتم إلا باجتماعهم، لحاجة بعضهم إلى بعض، ولابد لهم إذا اجتمعوا من نظام يسيرون عليه، فإن النظام من ضروريات المجتمع التى لا يستقر إلا به، ووجود رئيس للمجتمع ضروري لبقائه ونظامه، لأنه يستطيع أن يحمل الناس على الحق وعدم الحياد عنه، فيجنبهم حياة الفوضى والإضراب والهرج والمرج؛ ولهذا لم يوجد مجتمع إلا وجد فيه رئيسًا – على أى انتماء فكري ينتمي إليه يكون – يطيعه الناس عن طواعية واختيار، أو قهر واضطرار. الثورة قامت من أجل إزاحة النظام الفاسد، الذي استمر مسيطراً على البلاد لعدة عقود، هذا النظام لا يتعلق فقط بالأفراد الذين مارسوا سلطة الحكم، وإنما بما استقر عليه الحال فى إدارة مؤسسات الدولة، وبالتالي فإن إزاحة الأفراد فى حد ذاتها لا تمثل إلا سوى خطوة نحو طريق الإصلاح ليس إلا، ما زاد الأمور تعقيداً وجعل الثورة مع إيقاف التنفيذ، هو عندما اتحد الذين قاموا بالثورة على إزالة النظام البائد، كان ذلك دون التفكير فى بناء ملامح وآليات النظام الحديث، وكثيراً ما أتراجع عن كتابة هذا حتى لا أكون من المعولين الذين يبكون على اللبن المسكوب، ولكن لعلها تكون تذكرة للمستقبل حتى نتجنب استدعاء أخطاء التاريخ مرة أخرى. المشكلة أيها السادة، أننا كنا نتحاسب فى خلال عام ونصف على قيامنا بثورة، ولكن كان الحساب بالقطاعي، مع أن الأصول تقول الحساب بالجملة، ولو أن الحساب كان كذلك؛ ما كنا سنحتاج إلى كل هذه الجمعات والمليونيات والتعب والمجهود الشاق لكي نستغيث ونصرخ بأن "الثورة مستمرة"، لنذكر بتلك الجملة فيها المسئولين بمطالب الثورة، أسوة بالبلاد التى قامت بها الثورات فى العالم، التى يحاسب فيها الحكام الفاسدون الآن على مجمل أعمالهم، ومشكلة الثورة أيضاً هى افتقاد الخبرة لدى من يدافع عنها، وذلك لأن التجربة وليدة أمام ألاعيب طواغيت الفساد، والنكبة الأخرى هو أن المسئولين عن تسيير شئون البلاد يفتقدون الحس الثوري، وهو ما أدى إلى ما نحن فيه الآن حينما سلمنا أمورنا وجلسنا على عتبة المشاهدين. الآن تم العقد الشرعي للرئيس الدكتور محمد مرسي لرئاسة الجمهورية، والعصمة فى يده، ومقاليد الحكم لابد أن تسلم كاملة، لابد أن نصر على موقفنا ولا يتخاذل أحد منا عن نصرته حتى نرفض الإعلان الدستوري، الذي يجعل من مرسي رئيساً مؤقتاً لحين الانتهاء من كتابة الدستور، لابد أن تتنحى الآن الخلافات والانقسامات قاطبة، ونتعظ من الخبرة السابقة وألا نترك ميدان التحرير نهائياً حتى نستكمل باقي مطالب الثورة التى تتلخص فى جملة واحدة (رحيل العسكر). الواجب علينا الآن التحدى والتصدى لكل هذه العقبات والعراقيل، حتى نتدرج فى الإصلاح والتنمية، وأن ينصح الأئمة والعامة شبابنا المندفع المتعجل للإصلاح السريع بالتحلى بالصبر والهدوء، حتى لا نقع فى فخ المؤامرات المدبرة والشائعات التى تنتهى باصطلاء شبابنا الأعزل بنارها، فلقد هرمنا من كثرة الهزيمة الدموية وتقطعت شباكنا من التخلف والقهر، وما زاد ذلك العدو إلى فخر بما يحرزه من أهداف، فلا عاصم من ذلك سوى أن نقف جميعاً نداً أمام محترفى الإجرام ومنتفعى العهد البائد، لنريهم كيف سننهض بمصر، حتى نأخذ بأيديها إلى ما هى أهله من الريادة والتقدم، فلن يتم ذلك إلا بإسراع الخطى نحو مبادرة بناء صرح الحضارة العلمية التطبيقية التى تصل بنا إلى الإبداع والتألق.