يحكي مراسل إحدى الصحف الأمريكية أن مسؤولا عسكريا رفيعا قال : على جثتي أن يصل الإخوان إلى رئاسة الدولة ، ويتكلم محلل عسكري مصري يرأس مركزا للأبحاث ومقرب من المجلس العسكري في جلسة خاصة بمدينة الانتاج الإعلامي بحي السادس من أكتوبر فيقول بثقة العارف : الجيش قرر تسليم الرئاسة للفريق أحمد شفيق ، ويتكلم نائب برلماني ورئيس تحرير إحدى الصحف الأسبوعية ومقرب من المجلس العسكري في جلساته الخاصة بأن "العسكري" انتهى إلى قرار بأن لا يسمح لمحمد مرسي بالوصول إلى كرسي الرئاسة تحت أي ظرف من الظروف ، وتتحدث الصحف الغربية جميعها الآن ، وبشكل عار وصريح ، عن أن الجنرالات في مصر لا يريدون محمد مرسي رئيسا ، ويتلاعبون بالدولة المصرية ويفصلون الأوضاع على مقاسهم وحساباتها واختياراتهم ، وأنهم غير راغبين في تسليم السلطة إلى المرشح الفائز لأنه من الإخوان المسلمين ، وأنهم يبحثون الآن عن طريقة لإخراج عملية تسليم السلطة إلى حليفهم الفريق أحمد شفيق ، وكثير من الصحف الغربية تتحدث بصراحة محرجة جدا عن أن تأجيل إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة كان بطلب من المجلس العسكري ، ريثما يرتب أوضاع البلد لتمرير قرار قد يبدو خطيرا . وأمس أصدر المجلس العسكري بيانا مثيرا تحدث فيه بلغة التهديد والترويع ، وقدم فيه معادلة صفرية لا تعلن إلا في حالات الحرب ، أكد على تمسكه بكل ما فعله وقرره ، ولم يقدم للقوى الوطنية أي شيء ولم يفتح حتى سبيلا للحوار الوطني ، هو حدد الشرعية وعلى الجميع أن يحترم الشرعية التي حددها هو ، وكان البيان لدى كثيرين يشبه قصف المدفعية قبل تقدم الجنود ، أو بمعنى آخر تمهيد الساحة لإعلان فوز شفيق ، رغما عن الإرادة الشعبية ، غير أن الميادين فاجأت العسكري أمس بمشهد مهيب أعاد للأذهان صورة ميدان التحرير وميادين مصر في ذروة تفجر ثورة يناير ، وكانت الملايين التي خرجت إلى الميادين أمس رغم حرارة الشمس الشديدة ، تمتليء وجوهها وحناجرها بالغضب والإصرار على منع الاستهانة بإرادة الشعب ورفض كل الترتيبات التي "فصلها" المجلس العسكري طوال الأيام الماضية . المشهد المصري الآن أصبح أكثر وضوحا ، إما أن تبقى هناك دولة وتخطو نحو نهوضها وتطورها واستقرارها وأمنها وأمانها ، وإما أن تدخل في دوامات من الفوضى والصراع السياسي الشعبي المفتوح على كل الأدوات والاحتمالات ، بما يعني دخول مصر مرحلة "الدولة الفاشلة" وإصابة معظم شؤون الدولة ومصالح مواطنيها بالشلل التام أو الانهيار الذي لا تستقيم معه الحياة ، ويصبح فقدان الأمان والثقة هو المعلم الأهم أمام المواطن أو المستثمر أو العالم الخارجي على حد سواء . رغم كل شيء ، ورغم فقدان ثقة الكثيرين في حيدة واستقلالية اللجنة العليا للانتخابات ، وهو ما يظهر بوضوح في التحليلات الأجنبية ، إلا أن الأنظار ستظل متجهة إلى هناك ، هل تسلم اللجنة بما انتهت إليه نتائج الفرز وتعلن فوز محمد مرسي ، أم أنها ستجد من الأفكار والحجج ما يتيح لها "قصقصة" أصوات ولجان يتفوق فيها مرسي لكي يسمح لها ذلك بإعلان تفوق أحمد شفيق ، يربط كثيرون في الداخل والخارج بين قرار اللجنة وتوجهات المجلس العسكري ، الذي يدعم اللجنة ويحميها ويبسط رعايته عليها من جميع النواحي ، ولذلك تتعلق الاحتمالات بتوجهات العسكري أكثر من تعلقها باحتمالات "إجرائية" في اللجنة الانتخابية ، هل سيقرر العسكري الاندفاع في عناده مع الإرادة الشعبية إلى أبعد مدى ويعلن فوز شفيق ويدخل في صدام غير معروف العواقب مع ملايين المصريين وتدخل مصر النفق المظلم أو "يحرق الوطن" ، هل يسلم العسكري بنتيجة الانتخابات ويقبل بإعلان مرسي رئيسا باعتبار أن العسكري حصن نفسه و"حزم" مؤسسات الدولة الرئيسية في الإعلان الدستوري المكمل بما يغل يد الرئيس عن مفاصل الدولة الحقيقية ويجعله محدود الصلاحية ، هل يمكن أن يقبل بإعلان النتيجة مع وضع سيناريوهات تعطل تسليم السلطة في الموعد المقرر لحين إنجاز الدستور الذي يدعو إلى انتخابات رئاسية بشروط جديدة فيصبح مرسي رئيسا عاطلا عن العمل ، هل يقرر العسكري تأجيل الإعلان عن نتيجة الانتخابات لعدة أسابيع وربما أشهر بدعوى إعادة الانتخابات في موعد لاحق في عدد كبير من اللجان لإعطاء نفسه مساحة وقت أفضل لدراسة كل الاحتمالات ، لا أحد يعرف على وجه اليقين ما تنتهي إليه معضلة رئاسة الجمهورية ، لأنه لا أحد يعرف بالضبط ما يدور في رأس الجنرالات الآن .