من نعمة الله علينا أن منحنا "العقل"، لنتميز به عن سائر مخلوقاته، وبهذا العقل تمكنا من "نسوس" كل المخلوقات الأخرى ونوجهها لخدمتنا، فالعقل هو الذى جعل الحديد يطير "بمشيئة الله"، وبه اخترقت الأقمار الصناعية الفضاء، واكتشفنا دقائق العلوم وغرائب الحياة، وحسن استخدام العقل جعل شعوبًا وبلدانًا تتقدم وتتفوق على أخرى آثرت استخدام قوة العضلات، فانخرطت الأخيرة فى صراعات داخلية طحنتها وأفقرتها وجعلتها دومًا فى المؤخرة، والله يأخذ بالأسباب ويعطى للأسباب، ولهذا عندما ننحى العقل جانبًا، ونتمسك بقوة العضلات فى غباء، فإننا نترك بهذا مرتبة الإنسان الراقية، وننحدر إلى مستوى الدواب وحيوانات الغابة، ونتحول مجرد "قطيع" يقاتل "قطيع" من أجل "خشاش" الأرض، والفوز بالحياة، حياة "دنيا" بدائية، لا رقى فيها ولا وجود للإنسانية. قد أكون أطلت فى مقدمة تبدو بديهية للجميع، فقد لقننا إياها معلمينا فى صفوف المدارس الأولى من حياتنا، ولكن لزم التذكير، ونحن نعيش معًا تلك المرحلة "الفذة والعبقرية" من غياب العقل، واستعراض قوة العضلات السياسية فى مصر، ومحاولة فصيل سرقة الفوز من الآخر بالقوة، فى صراع قسم الشعب المصرى قسمين، فبات رجل الشارع البسيط داخل المترو ووسائل النقل العام يتشاجر مع الجالس بجانبه "مشاجرة حقيقية" تصل إلى السباب والتماسك بالأيدى وغذا تسلح لى إطلاق النيران، لتأييد مرسى أو شفيق، فكل فصيل يرى أن من يسانده هو الفائز، وأن تزويرًا جرى وتلاعبًا حدث بصورة أو بأخرى علانية أو مبهمة. ومصر فى هذا ترقب المتصارعين فى الحلبة، وقلبها ينزف، وعيناها تبكى لما وصلنا إليه من "براعة" فى إلغاء عقولنا، وتنحية مصلحة الوطن، وتغليب مصالح شخصية، ومكاسب سياسية "فصائلية" على المصلحة العليا لهذا الوطن والشعب المسكين الذى بات مغلوبًا على أمره، لا يعرف هل يفرح لثورة أطاحت بطاغية، أو يحزن لأن الثورة جلبت له ألف طاغية أخرى تتنازع جسد مصر وعرشها. ومع إلغاء الكثير من أعوان ومريدى المتصارعين على السلطة لعقولهم، والتمسك بقوة "عضلاتهم" وإطلاق التهديد والوعيد بالانتقام، يسقط من "أكمام" هؤلاء فصيل من قادة الرأى والفكر والإعلاميين، المفترض فيهم الاستنارة، والعمل على توعية الشعب وإنقاذه من السقوط فى براثن الصراع، وينسى هؤلاء دورهم بالدق على "أوتار" الوطنية ومصلحة الوطن، ويتخلون عن دورهم المفروض فى دعوة كل فصائل الشعب لنبذ الصراعات والقفز فوق الخلافات، والتكاتف والعمل معًا من أجل مصر وأجلهم، فلا رئيس باقٍ، ولا سلطان دائم، والمسألة كلها "فترة" ستنتهى أو قد ينهيها الشعب بخروجه مجددًا للتحرير، ولا يجب علينا قضاؤها فى الاقتتال على شرف "البنية" حتى يسرق غريب "شرفها" فى "الزحمة"، ونحن بجمع الغنائم لاهون، وهؤلاء الذين سقطوا من أكمام المتصارعين، أجدهم فى كل ساعة "متقلبين" متحولين، كالحرباءة التى تتلون وفقًا لطبيعة الموقف والبيئة حولها، آراؤهم وأقلامهم تحت الطلب، طلب الفائز، أيًا كان، حتى إن أحدهم ممن يطلق عليهم العامة "كاتب" معروف، أخبرنى ب"سره"، أنه كتب ليلة إعلان الانتخابات مقالين، أحدهما للترحيب بشفيق والثانى للترحيب بمرسى، وقال متفكهًا وكأنه يستعرض ذكاء عقله "لا غباءه" السياسى وتحوله، قال "عشان أكون جاهز"، وشعرت أنا " بالشماتة " لأن نتيجة الانتخابات تأجلت بسبب الطعون، وكان عليه أن يحول قلمه إلى مقال ثالث، ولم أكلف نفسى قراءته، فقد بات لا يستحق إلا الرثاء لعقله الذى طوعه فى "خباثة " للأكل على كل الموائد.