المؤشرات النهائية غير الرسمية لنتائج فرز الأصوات في انتخابات الرئاسة تشير إلى فوز الدكتور محمد مرسي وهزيمة الفريق أحمد شفيق. إذن.. فاز مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة، ومرشح الثورة، وهُزم شفيق مرشح الثورة المضادة، مع تقديري لمَن قد يختلف معي في الوصف الذي خلعته على المرشحين، فالبعض قد لا يرى مرسي معبرًا عن الثورة، لكني أرى أن الظروف جعلته منقذًا للثورة شئنا أم أبينا، والبعض قد يرى أنه من الظلم اعتبار شفيق مرشح الثورة المضادة، لكني لا أجد له مكانًا غير ذلك. الثورة تنتصر، فهي مرعية ومحفوظة من الله سبحانه وتعالى، وفوز مرسي بالرئاسة يعني أن الثورة انتصرت في واحدة من معاركها الأخرى المِفصلية، فلم يكن ممكنًا تصوُّر فوز شفيق بالرئاسة وهو رمز نظام مبارك، فهو لا ينتمي للثورة، بل كان رئيس حكومة النظام الذي فعل المستحيل لإسقاط الثورة، لكنه في النهاية هو الذي سقط. دخل شفيق سباق الرئاسة محمّلاً بأوزار الأيام التي قضاها كآخر رئيس وزراء لمبارك، وفي عهده وقعت معركة الجمل، وفي عهده يقال إن أموالاً كثيرة لرموز النظام قد تم تهريبها، وأن الأدلة في قضية قتل المتظاهرين قد أُعدِمت أو أُتلِفت، كما يقال الكثير عن حصول فساد ، حينما كان وزيرًا للطيران المدني، وهناك بلاغات كثيرة لدى النائب العام ضده لم يتم التحقيق فيها. ربما لو لم يكن مبارك قد عيَّنه رئيسًا للوزراء لكانت صورته أفضل. هزيمة شفيق ليست هزيمة له كشخص، إنما هزيمة للثورة المضادة التي تستميت طوال أكثر من عام ونصف العام لإجهاض ثورة 25 يناير. هزيمة شفيق هي هزيمة لفلول الحزب الوطني المنحل الذين دعموه بكل قوة ؛ حتى يعودوا إلى الواجهة مرة أخرى ، ومن المؤسف أن كثيرًا من الأعضاء القاعديين لهذا الحزب لم يكونوا صادقين ، حيث كانوا يخادعون ويزعمون أنهم كانوا يعانون أيضًا من نظام مبارك، وأنهم صاروا مع الثورة، لكن مع أول صفَّارة من قادتهم فإنهم وقفوا ضد الثورة واصطفوا وراء شفيق. هزيمة شفيق هي هزيمة لقادة الحزب المنحل الذين يقاتلون بكل الأسلحة لإجهاض الثورة واستعادة النظام الزائل، لديهم حنين لأيام الديكتاتور، لكنهم يتلقون صفعة أخرى بسقوط مرشحهم، وأزعم أنهم لن يتوقفوا، لكن هزائم أخرى في انتظارهم. هزيمة شفيق هي هزيمة للمنافقين والمدلسين والأفاقين والمتحولين والمتزلفين والمخادعين الذين كشفوا عن وجوههم الحقيقية ، وهرولوا سريعًا إليه بزعم أنه يمثل الدولة المدنية بمواجهة ممثل الدولة الدينية، والحقيقة أن شفيق ليس وجهًا لدولة مدنية، إنما هو وجه الدولة البوليسية، ومرسي ليس وجهًا لدولة دينية، فلا يوجد شيء اسمه دولة دينية ، إنما هي فِرية وفزَّاعة للتخويف منه. هزيمة شفيق هي هزيمة للإعلام المحرض المضلل الذي يفتقد المهنية والموضوعية والحيادية والتوازن والاتزان ، لكنه يجيد التشويه والتحريض والتجهيل ونشر الكراهية، إنه الإعلام الذي سعى لتشويه الثورة أولاً، ثم اتجه إلى القوة الكبيرة في معسكر الثورة ، وهي جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة ، فقام بشيطنتهم لتخلو الاجواء لمعسكر الفلول. هزيمة شفيق هي هزيمة للأجهزة التي انحازت إلى جانبه ، وسعت لإنجاحه بأي ثمن لتقضي على الثورة. هزيمة شفيق هي رسالة للمجلس العسكري بأن يظل مع الثورة ، ولا ينفصل عنها ؛ لكي يظل الشعار "الشعب والجيش إيد واحدة" مرفوعًا ومدويًا. هزيمة شفيق تعني أن الثورة مازالت بخير، وأن الشعب المصري مازال مؤمنًا ومتمسكًا بها ، رغم المتاعب التي يعيشها، فالأمل في المستقبل الأفضل يكون مع الثورة وفي تحقيق أهدافها ، وليس في القضاء عليها. فوز مرسي يجب أن يكون بداية صفحة جديدة لجماعة الإخوان ولحزب الحرية والعدالة لتصحيح الأخطاء التي وقعوا فيها خلال الفترة الماضية ، وإعادة الثقة المفقودة بينهم وبين قطاع من المصريين، ولم الشمل الوطني، وإجراء مصالحة شاملة يُستثنى منها فقط كل مَن أجرم أو أفسد في حق الشعب المصري . فوز مرسي يجب أن يكون بداية لتصحيح مسار الثورة، واستردادها ممن يحاولون اختطافها من دون تصادم ، إنما بالتفاهم والحوار ، سواء مع المجلس العسكري، أو مع القوى السياسية كافة من أقصى اليمين لأقصى اليسار. الثورة مازالت حية، مازالت تنتصر. أشرقت شمس مِصر الثورة. [email protected]