في تحول لافت، أثنى عبود الزمر، عضو مجلس شورى "الجماعة الإسلامية"، على دور الرئيس الراحل محمد أنور السادات في تحقيق نصر أكتوبر 1973، معددًا المواقف التي قاد بها الجيش والشعب لتحقيق أول انتصار على إسرائيل في تاريخ الحروب بينهما. وعدّد الزمر والذي كان أحد مقاتلي الجيش المصري في تلك الحرب في تصريحات اختص بها "المصريون"، مظاهر حصافة السادات وقدرته على المناورة، واتخاذ القرار السليم في التوقيت الدقيق، مشيدًا بذكائه إلى الحد الذي وصفه بأنه أكثر الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم مصر حنكة ودهاء. وأضاف: "في الذكرى الرابعة والأربعين لانتصارات أكتوبر تلزمني قواعد الإنصاف أن أذكر أن السادات كان أكثر الرؤساء المصريين تمتعًا بالحنكة السياسية، فمنذ أن تولى رئاسة مصر، فرحت مع الذين فرحوا بانتهاء عهد الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، الذي شهد العديد من الكوارث، مثل حربي 56 و67، وما تخللهما من حرب اليمن، التي تورط فيها الجيش المصري، فخسر فيها الكثير من العتاد والأفراد. والزمر وهو مقدم مخابرات حربية سابق، شارك منذ تخرجه في الكلية الحربية في ديسمبر عام 1967، في حرب الاستنزاف، وشارك في تدمير خط بارليف، وأجرى عمليات استطلاع وكمائن ورصد ألغام شرق القناة، وقد استشهد الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، في قطاع الاستطلاع، الذي كان يعمل به. وتحدث الزمر "بشيء من التفصيل الدور، الذي قام به السادات في الإعداد لحرب أكتوبر وخلالها"، قائلاً إنه "تمتع بشيء من الذكاء والحصافة في إدارتها بشكل كان يمكن أن يخلده التاريخ، ولولا تحركاته المنفردة مع إسرائيل ومعاهدة "كامب ديفيد" دون مشاركة رفقاء السلاح، ما أدى إلى تراجع شعبيته على المستوى العربي، وما حدثت القطيعة معهم، ولولا ضيق صدره بالمعارضة المصرية وصولاً إلى حالة الانسداد السياسي في 5 سبتمبر1981، وقرارات التحفظ، ما وقعت أحداث المنصة". وأدين الزمر بالمشاركة في اغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981، حيث صدر عليه حكمان بالسجن في قضيتي اغتيال السادات 25عامًا وتنظيم الجهاد 15 عامًا، وقد تم الإفراج عنه بعد ثورة 25يناير 2011. على الرغم من ذلك، إلا أن الزمر أثنى كثيرًا على حصافة السادات السياسية، "بكونه بدأ يعد للحرب مبكرًا بإعادة العلاقات مع الولاياتالمتحدة تدريجيًا، وتصريحه الشهير بأن 99%من أوراق اللعبة بيد أمريكا، ونهاية بالاستغناء عن الخبراء السوفيت عام 1972، حتى إذا نشبت المعركة فستكون بين دولتين تربطهما علاقات وثيقة بواشنطن، وليس بين دولتين إحداهما تسير في ركب السوفيت وأخرى موالية لواشنطن". واستعرض الزمر، عددًا من المواقف التي كرّست حنكة ومهارة الرئيس الراحل، "منها إجراؤه اتصالات دبلوماسية مع وزير الخارجية الأمريكي وقتها هنري كسينجر، استشرف منها أن مشكلة استرداد مصر لشبه جزيرة سيناء تحتاج إلى تحريك الماء الراكد على الصعيد العسكري، وهو التصريح الذي فُهم خطأ وبنى قطاع من الرأي العام استنتاجات خاطئة عليه". ونفى الضابط السابق بالجيش المصري، أن "يعني التصريح الأخير بأي شكل من الأشكال أن حرب 6أكتوبر كانت مجرد تمثيلية أو متفقًا عليها بين القاهرة وواشنطن". إذ استذكر - وهو شاهد على الحرب - أنها "كانت حربًا طاحنة وشديدة الشراسة، وشهدت معارك يشيب لها الولدان، ومنها معركة الدبابات الشهيرة، عندما حاولت إسرائيل اختراق الجبهة المصرية عبر الثغرة، وردها صمود وشراسة الجندي المصري على عقبيها". في السياق ذاته، شدد الزمر على "امتلاك السادات رؤية استراتيجية خلال التعامل مع الحرب، عندما أدرك أن القدرات القتالية للجيش المصري لا تمكنه من تحرير سيناء بالكامل، حيث اتجه للرهان على الحرب المحدودة، بالتزامن مع حركة دبلوماسية دءوبة تدعم الإنجاز العسكري". ولا ينسى الزمر دور السادات خلال ثغرة "الدفرسوار" في الأيام الأخيرة من الحرب، عندما أبلغ الإدارة الأمريكية أن السوفيت بادروا بعرض تزويد مصر بجسر جوي يضم 36 فرقة، محمولاً جوًا للنزول في سيناء وفض المعركة في مقابل الجسر الجوي الأمريكي لإسرائيل. وقال إنه "في تلك اللحظة، وإزاء إعلان الاتحاد السوفيتي، حالة التعبئة العامة ووصولها لمرحلة الاستعداد للمشاركة في الحرب بأسلحة نووية، لم تجد الولاياتالمتحدة مفرًا من الضغط على إسرائيل وإقناعها بوقف إطلاق النار في 24 أكتوبر، تفاديًا لعودة السوفيت لاستعادة نفوذهم في مصر". وأشار الزمر إلى أنه "بهذا التوازن بين العمليات العسكرية والمناورات الدبلوماسية استطاعت مصر أن تنهي الحرب على هذا النحو". في المقابل، ثمن الزمر كذلك الدور بالغ التأثير، الذي لعبه الفريق أول سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان حرب القوات المسلحة في حرب أكتوبر، خلال مرحلة الإعداد للحرب والنصر، وما أصدره من توجيهات تسمى توجيهات "رئيس الأركان"، لتأهيل وتوعية القادة على مستوياتهم المختلفة. مع ذلك، قال إن "حق الشاذلي ودوره في تحقيق نصر أكتوبر قد هُضم بشكل يُفرض علينا إنصافه ورد الاعتبار إليه". ولم يفت الزمر أن يشيد بالدور الذي لعبه عمه اللواء أحمد عبود الزمر، قائد الفرقة 23 مشاة ميكانيكي، "الذي فضّل البقاء في موقعه ليشكل غطاءً لانسحاب مركز القيادة إلى موقع بديل داخل الثغرة حتى استشهد وهو ممسك بسلاحه، لذا وجب رد الاعتبار إليه أيضًا، وذلك بالتزامن مع ذكرى استشهاده، التي تحل اليوم، وتفرض علينا الدعوة له بالرحمة وهو وكل شهداء مصر، الذين قدموا أرواحهم فداءً للوطن ولم يجدوا التكريم الذي يليق بتضحياتهم". واستعاد الزمر، لقطات لا يمكن أن تنسى خلال الحرب، قال إنها "عكست بسالة وشجاعة الجندي المصري، الذي كان يمسك بمدفعه الأرضي في مواجهة طائرات العدو، وهو يطلق النيران تجاهها، وهي تنقض عليه، فتارة يستطيع إسقاطها وأخرى ينال شرف الشهادة، وهي بطولة تدفعني للقول لمن يقوده خلافه السياسي أن يشكك في مصداقية النصر: بأن يتقي الله في جيش مصر، وأن يكف عن تحويل خلافه السياسي لمعول هدم يهدر انتصارًا عسكريًا غير مسبوق". وعاد الزمر عقودًا إلى الماضي، قائلاً: "كلما حل شهر أكتوبر تداعب مخيلتي ذكريات مضت، فيها عبرات وعظات وحزن على رفاق ضحوا بدمائهم على تراب سيناء"، مشيرًا إلى أن فرحة النصر توجت وقفة شعب وراء جيشه وأمة خلف قواتها المسلحة. وأردف: "لقد كانت هزيمة يونيو دافعًا للجيش أن يعيد البناء والاستعداد بعد أن تنحت قيادة الجيش المسئولة عن الهزيمة وبدأت مرحلة الصمود والتحدي، فالتحم الضابط بالجندي والتفوا حول القيادة الجديدة، وانطلقت قوافل التوجيه المعنوي بوعاظ من الأزهر ووقفات الجنود فوق المعابر، فسقطت أسطورة الجيش الذي لايقهر". وسعى الزمر لرد الاعتبار للجندي المصري، الذي لم تكن له أي مسئولية عن هزيمة يونيو، بالقول: "والعجيب أنه دارت معارك طاحنة بنفس الضباط والجنود، الذين عاشوا الهزيمة، ولكن حرب أكتوبر وفرت لهم الفرصة لضرب أروع الأمثلة في التضحية والفداء". وخلص الزمر في النهاية إلى القول: لا يمكن أن أنسى أبدًا الدور العربي في دعم مصر في معركة أكتوبر، "وهو دور نفتقده اليوم بشدة، فدعمت الأمة العربية بكل الإمكانيات مصر في معركة استرداد واستعادة الكرامة، ونجحنا والحمد لله في تحقيق النصر".