وفد طلابي من هندسة دمنهور يشارك في فعاليات ملتقى "موبيليتي توك"    الرقابة المالية تحذر من "مستريح الذهب".. ماذا قال رئيس الهيئة؟    الخطوط الجوية اليمنية تعلن دمار 3 طائرات مدنية وتحمل الحوثيين المسؤولية    لقاء سري بين شخصيات سورية وإسرائيلية في مدينة أوروبية.. صحيفة عبرية تكشف الكواليس    سفير مصر في اليونان: أثينا تقدر دور القاهرة في غزة والعلاقات بين البلدين نموذجية واستراتيجية    نقل حسام عاشور للمستشفى بعد تعرضه لأزمة صحية    متعة التشامبيونز مستمرة| الإنتر وبرشلونة يلجآن لشوطيين إضافيين    السيطرة على حريق بجوار محطة السكة الحديد بكفر الدوار    تطورات جديدة في حادث طالبة علوم الزقازيق| عميد الكلية ينفي شائعة ضبطه.. ومحام يتراجع (صور)    بعد التوقيع مع محمد منير وأحمد سعد.. روتانا تتعاقد مع حكيم (تفاصيل)    مهرجان أسوان لأفلام المرأة يرصد صورة المرأة في السينما العربية    وزير الثقافة والسياحة التركي يزور منطقة أهرامات الجيزة    أحدث تقنيات جراحات الأنف والأذن والحنجرة دمياط بالملتقى العلمي العاشر    البابا تواضروس أمام البرلمان الصربي: إخوتنا المسلمون تربطهم محبة خاصة للسيدة العذراء مريم    بيسيرو لم يتم إبلاغه بالرحيل عن الزمالك.. ومران اليوم لم يشهد وداع للاعبين    مدحت نافع: حجم المرونة في سعر الصرف «مقبول»    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    نائب رئيس جامعة الأزهر: الشريعة الإسلامية لم تأتِ لتكليف الناس بما لا يطيقون    وزير الأوقاف: المسلمون والمسيحيون في مصر تجمعهم أواصر قوية على أساس من الوحدة الوطنية    الأول من نوعه في الصعيد.. استخراج مقذوف ناري من رئة فتاة بالمنظار    اليوم العالمى للربو.. مخاطر تزيد أعراضك سوءاً وأهم النصائح لتجنب الإصابة    الأمطار تخلق مجتمعات جديدة فى سيناء    «الخارجية» تصدر بيانا بشأن السفينة التي تقل بحارة مصريين قبالة السواحل الإماراتية    طلاب جامعة طنطا يحصدون 7 مراكز متقدمة في المجالات الفنية والثقافية بمهرجان إبداع    هل يجب على المسلمين غير العرب تعلم اللغة العربية؟.. علي جمعة يُجيب    كراسي متحركة وسماعات طبية للأطفال من ذوي الإعاقة بأسيوط    البنك الإسلامي للتنمية والبنك الآسيوي للتنمية يتعهدان بتقديم ملياري دولار لمشاريع التنمية المشتركة    جولة تفقدية لوكيل مديرية التعليم بالقاهرة لمتابعة سير الدراسة بالزاوية والشرابية    "ثقافة الفيوم" تشارك في فعاليات مشروع "صقر 149" بمعسكر إيواء المحافظة    «النهارده كام هجري؟».. تعرف على تاريخ اليوم في التقويم الهجري والميلادي    من منتدى «اسمع واتكلم».. ضياء رشوان: فلسطين قضية الأمة والانتماء العربى لها حقيقى لا يُنكر    وفد البنك الدولى ومنظمة الصحة العالمية في زيارة لمنشآت صحية بأسيوط    ظافر العابدين ينضم لأبطال فيلم السلم والثعبان 2    حالة الطقس غدا الأربعاء 7-5-2025 في محافظة الفيوم    رئيس الوزراء الهندي: حصتنا من المياه كانت تخرج من البلاد سابقا والآن نريد الاحتفاظ بها    النائب العام يشارك في فعاليات قمة حوكمة التقنيات الناشئة بالإمارات    السعودية.. مجلس الوزراء يجدد التأكيد لحشد الدعم الدولي لوقف العنف في غزة    رئيس "شباب النواب": استضافة مصر لبطولة الفروسية تعكس مكانة مصر كوجهة رياضية عالمية    رئيس شركة فيزا يعرض مقترحًا لزيادة تدفق العملات الأجنبية لمصر -تفاصيل    منها إنشاء مراكز بيع outlet.. «مدبولي» يستعرض إجراءات تيسير دخول الماركات العالمية إلى الأسواق المصرية    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 في مصر والدول العربية    تأجيل محاكمة 7 متهمين في خلية "مدينة نصر" الإرهابية ل 16 يونيو    تأجيل محاكمة نقاش قتل زوجته فى العمرانية بسبب 120 جنيها لجلسة 2 يونيو    بعد رحيله عن الأهلي.. تقارير: عرض إماراتي يغازل مارسيل كولر    نائب وزير الصحة: تحسين الخصائص السكانية ركيزة أساسية في الخطة العاجلة لتحقيق التنمية الشاملة    كريم رمزي: الأهلي سيخاطب اتحاد الكرة بشأن علي معلول لتواجده في قائمة كأس العالم للأندية    ضبط محل يبيع أجهزة ريسيفر غير مصرح بتداولها في الشرقية    الجيش الإسرائيلي يصدر إنذارا بإخلاء منطقة مطار صنعاء الدولي بشكل فوري    الكرملين: كييف تواصل استهداف منشآت مدنية.. وسنرد إذا تكررت    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    لينك طباعة صحيفة أحوال المعلم 2025 بالرقم القومي.. خطوات وتفاصيل التحديث    فضيحة جديدة بسبب سيجنال ووزير الدفاع الأمريكي.. إليك الكواليس    "هذه أحكام كرة القدم".. لاعب الزمالك يوجه رسالة مؤثرة للجماهير    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    رحيل بيسيرو يكلف خزينة الزمالك 7 ملايين جنيه ومفاجأة حول الشرط الجزائي    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 6 مايو في مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانقلاب الهوياتي
نشر في المصريون يوم 20 - 10 - 2017

مرة أخرى يقدم السفير الروسي الدرس للمسؤولين المغاربة، الذين اختاروا الارتماء في أحضان سيدتهم الفرنسية. فبعد أن أحرج بلمختار، وزير التعليم السابق، حين أبدى استغرابه خلال ندوة في سنة 2014، طلب الوزارة التحدث باللغة الفرنسية، عاد من جديد ليؤرخ للهزيمة الثقافية التي يعاني منها المسؤولون المغاربة، حين اختار الحديث باللغة العربية خلال المنتدى المغربي الروسي، فيما "اختار" ممثلا المغرب اللغة الفرنسية. وقبلهم أعجزت اللغة الرسمية كاتبة الدولة المكلفة بالسياحة، وقبلها الوزيرة التي أصابتها العربية بالحمى، وآخرون كثر فضلوا "لغة موليير للحديث عن تنمية بلاد أجدير" ولو في محافل رسمية، عملا بقولة أستاذهم مارسي: " اللغة العربية لغة المحكومين لابد وأن تختفي باختفاء مثلها القروسطي، فتترك المجال للغة الحاكمين أي الفرنسية الأكثر وضوحا ونجاعة..". وتؤرخ هذه الأحداث لواقع مرير يعيشه المغاربة بعد الحصار التام على مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية الذي تقوم به فرنسا/ الاستعمار من طرف وكلائها بالمغرب. والأمثلة أكثر من أن تحصى. حتى غدا السفير الفرنسي في المغرب، من خلال لقاءاته وتحركاته وإشرافه على العديد من المنتديات، يتصرف ليس من منطلق وظيفته الدبلوماسية وإنما باعتباره ممثلا لدولة تتحكم في خيرات الوطن ومقدراته.
نشرت إحدى المواقع الإلكترونية حوارا لأحد الخبراء الصينيين مع قناة تلفزية محلية متحدثا عن مستقبل العلاقات الاقتصادية مع إفريقيا. وبطريقة فيها الكثير من التهكم يصف الوضع في دول شمال إفريقيا، حيث الفرنكفونية هي العملة والمرجع، مبرزا أن الولاء في هذه الدول ليس للوطن بقدر ما هو ولاء لدولة الاستعمار لغة وثقافة ونفوذا. فما حدث مع السفير الروسي ويتكرر في اللقاءات الحكومية والدبلوماسية، من طرف هؤلاء المسؤولين الذين ابتلينا بهم، يؤكد أن الأمر لا يتعلق باختيار لغوي في التواصل اليومي، وإنما يبين بصورة أعمق طبيعة الولاءات، والانتماء الحقيقي لهؤلاء. وهذا يدفعنا إلى التأكيد بأن المغرب يعيش "محرقة هوياتية" لا تختلف في كثير عما عاشه أيام الاحتلال. فمقايضة الهوية بالكفاءة، والهجوم الفرنكفوني الشرس على التعليم الوطني، وتبخيس توافقات المغاربة العقدية والسياسية ينبئ بأننا نعيش مرحلة الانقلاب على كل شيء.
مخطئ من يتصور لغة التدريس بأنها قضية تقنية، وأكثر خطئا من شغل نفسه بمحاولة البحث عن قوة العربية تقنيا. لأن الأمر محسوم فيه علميا ومن خلال التقارير المختصة، وسبق أن تناولناه في محطات عديدة. فإذا كانت المقاصد الأساسية للتربية هي إنتاج جيل من المواطنين الذين يعيشون زمنهم الحقيقي دون التفريط في انتمائهم وذاكرتهم الجمعية والمساهمة في تنمية الوطن والمجتمع، فإن الاختيار اللغوي هو المحدد ليس للانتماء فحسب، بل ولمصير التطور المنشود. اللغة أداة التواصل، واكتساب المعرفة، وتنمية الأفكار، وهي الرابطة المتينة التي تحفظ أفراد الجماعة، وتضمن لهم البقاء والنمو. أي أن اللغة ليست مجرد آلية للتواصل ولكنها منظومة معرفية وقيمية وأهم عناصر تشكل الوجود الذاتي والجمعي. وبمعنى أوضح،إن اختيار لغة التدريس ليس اختيارا آليا بل يحمل أبعادا حضارية وثقافية ترتبط بكون اللغة في جوهرها هي منظومة قيمية. فهدف دعاة اعتماد اللغة الفرنسية في التعليم المغربي هو الحرص الشديد على ربط التنمية المحلية بالنموذج الكولونيالي المؤسس على استيراد التمدن، ومن ثمة خلق هرمية اجتماعية مبنية على الاستفادة من العلاقة بالمركز الاستعماري. وهذه الاستفادة مادية واجتماعية. فالعلاقة مع النموذج الفرنسي ليست انتماء إيديولوجيا فقط، وإنما تجنى من ورائه منافع مادية تتجلى في المكاسب التي تربحها النخبة الفرنكفونية من فرض الثقافة الفرنسية في الاقتصاد والتعليم والإعلام. لذا "فوجود لغة جامعة وموحدة يساهم في رفع مستوى دخل أفراد أي مجتمع. وهذا لن يتأتى بدون أن تكون هذه اللغة هي لغة التدريس كما هو الشأن في الدول المتقدمة...فوجود لغة مشتركة أهم من وجود عملة مشتركة" كما يقول اللسانيون. والأكثر من ذلك هو هدم المشترك الهوياتي الذي راكمه المغاربة طيلة عقود وقرون. فقيادة المراكز الثقافية الفرنسية بالمغرب لمشروع التلهيج، وفرضها الفرنسية على المتلقي المغربي(مثال الرسائل النصية التي تصل المشتركين في الهاتف النقال تدعوهم للتسجيل في دروس الفرنسية)، إضافة إلى تمويل العديد من الأنشطة الثقافية... لا يراد منها التواصل الثقافي أو الدفاع عن التعددية اللغوية كما تزعم، وهي التي تحاربه في عقر دارها، بل تشويه مقومات الهوية الثقافية والجماعية للمغاربة. ولو عدنا قليلا إلى مؤسسي دولة الاستقلال فسنجدهم واعون بأن مدخل التحرر هو الحفاظ على ثوابت الهوية الحضارية للأمة، لأن "الأمة التي تتعلم كلها بلغة غير لغتها لا يمكن أن تفكر إلا بفكر أجنبي عنها " كما قال علال الفاسي. فكان الرهان الدائم على توحيد لغة التعليم، لأن التعدد في لغات التدريس معناه فتح المجال للتفكير بطرق متعددة، وترسيخ الاستيلاب الثقافي والفكري. مما يعني أن النتائج السلبية لا ترتبط فقط بالتلميذ بل بالهوية الوطنية، فكان الإصلاح اللغوي مقدمة ضرورية للتحرر من هيمنة الثقافة الاستعمارية . لذا فما يحدث الآن في المغرب هو انقلاب هوياتي مكتمل الأركان، انقلاب على كل توافقات المغاربة وعلى شرعيات الدولة الوطنية التي بناها رواد الحركة الوطنية ونظروا لها قبل الاستقلال وبعده.
فقد قام بناء الدولة المغربية الحديثة بعد الاستقلال على شرعيات سياسية وعقدية وهوياتية، واي إصلاح أو تنمية خارج هذا الإطار هو هدم لقيم المشترك الوطني ولوجود الدولة باعتبارها كيانا جامعا وموحدا. فكيف يمكنك أن تقنع الناس بوحدتهم السياسية إذا فقدوا جامعهم الهوياتي؟. كيف تقنعهم بالانتماء الواحد إذا عرضت مشتركهم السياسي والديني واللغوي إلى المساءلة والتشكيك؟ فحين انشغل منظرو الحركة الوطنية وأسسوا "نظريا" لدولة الاستقلال اكتشفوا أن الكلمة/ المفتاح لتجاوز الحالة الاستعمارية هي الوحدة. الوحدة السياسية والثقافية والهوياتية. ففي عهد الحماية كانت المدارس بالمغرب متعددة، فهناك المدارس العربية لأبناء المسلمين، والمدارس العربية لبنات المسلمين، والمدارس الإسرائيلية الخاصة باليهود المغاربة، والمدارس الفرنسية البربرية، والمدارس البدوية، والمدارس الحضرية··· الخ. وكما قال علال الفاسي: "ومن المعلوم، من جهة التربية، أن تعدد لغات التعليم في البلد الواحد يضر أضرارا فاحشة بتكوين الأبناء ومستقبل الثقافة في الوطن، وإن واجب الدولة أن تعمل ما في استطاعتها لتكوين لغة الدراسة واحدة في جميع أجزاء القطر وفي كل مراحل التعليم". وبالطبع سينعكس هذا التعدد التربوي على الهوية الثقافية للذات الوطنية التي ستعرف لا محالة نوعا من التشرذم والتجزئ. وهم منظري الخطاب الهوياتي المبدئي هو بعث الوحدة داخل هذه الذات. لذا يقرر علال الفاسي أن من الواجب جعل اللغة القومية هي أسلوب التربية وكما روى عن صديقه بلا فريج: "إن العلم إذا أخذته بلغته أخذته ، وإذا أخذته بلغة غيرك أخذك". فكان مدخل التحرر هو الحفاظ على ثوابت الهوية الحضارية للأمة لأن "الأمة التي تتعلم كلها بلغة غير لغتها لا يمكن أن تفكر إلا بفكر أجنبي عنها".
إن استمرارية الهيمنة اللغوية في المغرب المعاصر ووصولها إلى مستوى أكثر حدة بل بلوغها إلى مستوى التهديد الوجودي للمغرب، يدفعنا إلى تسجيل راهنية خطاب التأسيس الهوياتي لعلال وأترابه ووعيهم الحاسم بأهمية الانتماء المشترك والخصوصية المغربية. وقد انطلق الوعي بهذه الخصوصية من وعي نقيض للطرح الاستعماري القائم على النظرة الدونية الازدرائية للإنسان المغربي والتآمر على عناصر هويته."والتشكيك في اللغة العربية واحتقارها كانا مدخلا واسعا إلى التشكيك في الهوية ونقطة الارتكاز في كل ما دار حولها من مناقشات وما طرح من تساؤلات واختلافات".
إن التاريخ يعيد نفسه، لكن ما كان يقوم به المستعمر سابقا بشكل مباشر يؤديه وكلاؤه من أبناء جلدتنا الذين يعتزون بلغته الفاقدة لكل مشروعية علمية أو اقتصادية. بل والانقلاب على توافقات المغاربة في النص الدستوري والرؤية الاستراتيجية للتعليم وغيرها من الوثائق، مما يثبت أننا أمام نخبة تتقن الالتفاف على الخيارات الشعبية. فالحرب على العربية في التعليم، وإحياء الفرنسية لغة وحيدة، وهيمنة فرنسية على الاقتصاد والثقافة....كل هذا يجعلنا ندق ناقوس الخطر من الانقلاب على هوية المغاربة ومشتركهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.