مصر الآن في أيام عصيبة ، وهي في مفترق طرق لمرحلة ما بعد الثورة ؛ فإما أن تسير في طريق التغيير الذي بدأته قبل عام ونصف ، وإما أن ترجع إلى سيرتها التي كانت عليها منذ ثلاثين عاما، حيث كانت بلد " اللصوص" ودولة " الفلول" ، لا بلد المصريين ودولة المواطنين. ونحن لم يُنسينا العام ونصف العام الذي عشناه بعد الثورة طعم الحياة ولونها في ظل دولة " الفلول" ؛ حيث كان إذلال المواطن وقهره وإهانته – يكاد يكون مطلبا قوميا عند الفلوليين لا يستريحون إلا إذا ظهرت تجلياته، سواء في أقسام الشرطة أو في المصالح الحكومية أو المستشفيات العامة. في دولة " الفلول" لا تعرف الأمان إذا كنت شريفا طاهر اليد أو حر الرأي؛ لأنك إن لم تجارِ اللصوص وتكون لصاً مثلهم ، ولم تجارِ الطغاة وتكون مستبدا مثلهم - فستصبح حركاتك وسكناتك مراقبة بواسطة عبيد الفلول الذين يحصون عليك أنفاسك لينالوا رضى أسيادهم. وفي دولة الفلول تشعر أن وطنك ليس ملكا لك ولغيرك من المواطنين ، بل هو "عزبة" خاصة لمجموعة من كبار اللصوص يتوسدون سدة الحكم ويعتلون أعلى المناصب التشريعية والتنفيذية في الدولة ، مع أن مكانهم الطبيعي هو السجن لا سدة الحكم، وهؤلاء اللصوص ينظرون إلى موارد الدولة ومصادر الدخل القومي للبلاد على أنها مصادر دخلهم الشخصي ومورد رزقهم الخاص ، فيسلبون منها قدر ما يستطيعون آناء الليل والنهار ، ويقتسمونها فيما بينهم كما تقتسم العصابة سرقتها التي ظفرت بها. وفي دولة الفلول يكون الغش والخداع والكذب والنفاق والرشوة هي وسائل الوصول إلى المقصود وآليات الصعود إلى النجاح والمجد ، ومن كان صادقا أمينا مخلصا لربه ووطنه لا علم له بمبادئ النفاق والتملق والوصولية - فمصيره إلى الخمول والفشل أو الهجرة إلى بلد آخر يقدر قدره ويعترف بموهبته وعلمه، بعيدا عن وطن يتحكم في مصائره المستبدون والمنافقون. وفي دولة الفلول يكثر الفقر والمرض؛ فأما الفقر فيقتل الناس بعضهم بعضا على رغيف خبز غير صالح للاستخدام الآدمي بالأساس، ولكن اللصوص أعوزوا الناس إلى أن يقتتلوا عليه، وأما المرض فالمياه الملوثة والأطعمة المسرطنة والرعاية الصحية المتردية لا تكاد تترك بيتا إلا وله قصة ومأساة مع المرض. لقد هب الناس ضد دولة الفلول وأسقطوها في ثورة يناير ، وأزاحوا رؤوس الأفاعي وأجبروهم على ترك مناصبهم ، لكن – مع الأسف- بقيت أذناب الفلول هنا وهناك تتربص بالثورة وتتحايل عليها ، حتى جاءت انتخابات الرئاسة فنفضوا التراب عن رؤوسهم ، وخرجوا من جحورهم وأجلبوا بخليهم ورجلهم خلف مرشح النظام القديم ، وأنفقوا الملايين والملايين ، واشتروا الذمم والضمائر من ضعيفي النفوس وعشاق الاستعباد حتى وصل مرشحهم إلى مرحلة الإعادة في ظل تشرذم مرشحي الثورة وتفرقهم. وقد أوعز الفلوليون إلى أذرعهم الإعلامية والسياسية لتبدأ حملتها الشعواء في تشويه مرشح عهد ما بعد الثورة، واستخدام فزاعات معهودة كالدولة الدينية وتقييد الحريات ونحو ذلك من الأراجيف المستهلكة، في الوقت الذي يعملون فيه على تلميع مرشحهم الفلولي ، وانخرط في تلكم الحرب القذرة بعض من ظنهم الناس مناضلين ضد دولة الفلول من سياسيين ومفكرين وكتّاب ، ولكن ظهر جليا أن هؤلاء ما هم إلا جزء لا يتجزأ من دولة الفلول ، كانوا في انسجام مع النظام وإن ظهر للناس خلاف ذلك ، وأن معارضتهم ومقاومتهم للظلم ما هي إلا حلقة في مسلسل تجميل شكل النظام أو امتصاص غضب الجماهير ، وأنه قد لفحتهم رياح الفساد وانتشوا بها، وأنهم مشتاقون إلى رجوع العهد البائد بعُجره وبُجره. إن كل ذلك يوجب على كل إنسان حر شريف يحب وطنه أن ينحاز بكل ما أوتي من قوة إلى مرشح التغيير ضد مرشح الفلول ، مهما كان له من تحفظات على مرشح الثورة والتغيير ؛ لأن الخيار الآخر أن تعود دولة الفلول لتفسد في أرض مصر من جديد. [email protected]