أيها المصرى الأصيل لقد ساورك الشك وانتابتك الحيرة أيامًا طوالاً وأنت تختار من يقودك إلى بر الأمان. والآن ألمح فيك مستقرَّ رأيك ومستراح ضميرك بعد أن وضحت الرؤية وتبددت المخاوف، وبدت معالم الطريق نحو مستقبل أنت الذى حدَّدته ورسمت خطاه. أيها المصرى الذكى الدءوب المعطاء ها هى ثمرة جهودك الموصولة الطموح وكفاحك العالى الذى طالما رويت منه قلوب الظمأى المتلهفين لأنوار الحق ونسائم الحرية فكأنهم لم يشبعوا من كثرة العبِّ وطول الرشيف. أيها المصرى العجيب لا أنسى لك يوماً استجبت فيه لصرامة التحدى استجابةً أضفت دلالةً حقيقية على علوِّ همتك وقت الشدائد والمحن حين قمت بثورتك فظهر معدنك الأصيل وأصبحت مثلاً يحتذى ومثالاً تتحاكى به الأمم وكانت ثورتك نعمة سابغة تحيى الأنفس والثمرات فلقد تمثلنا هتافك رحيقاً فى الزهر ولحناً فى الطير حتى جُنَّ العالم بحبك وازدهى الإعجاب والعَجَب وأعلنوا ذلك على ملأٍ من الدنيا. أخى المصرى... إن سألتنى عنك فأنت منى وأنا منك بالطبع أعرفك فالحب أحد أياديك بذرتَ وسقيت وفى الختام جنيت فحققت الوَفْرة وازدهيت فالجزاء على قدر العمل. أيها المصرى الجميل تبقى كثيراً وكل العواصف حولك تزول فأنت دائمًا متجدد تلهم للجميع فكرة الاستمرار والبقاء حتى انغرس فى طبع الجميع استمرار الحياة فى اتصال ووصال. يا مصرى علمتنا الصبر بفطرةٍ ملهمة تضيئ فى جنباتك أنوار قول الله سبحانه {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}. لقد تحررتَ من الخوف والحاجة واكتسبت الرخاء النفسى واقتحمت العقبة على معاناة سفرٍ شاق طويل فأصبحت ذى حس مرهف ووعى نبيل ورغبة حميمة فى حياة أكرم وحنين جامح لمستقبل أرقى يغدو طبعاً وطابعاً. يا مصرى هذه شخصيتك فيها حنانٌ فى حنايا القلب وعروق الجسد ووداعة يرعاها صبرٌ جميل. وهذه شخصيتك فيها ثراء البساطة وزهد الغنى وجلال التواضع وعظيم الكبرياء، شخصية تجمع بين سكينة المسالمة والسلام ونخوة الدفاع عن الحق ونصرة المظلوم. فإذا كانت هذه شخصيتك وهذا تاريخك فكيف تحتار وأنت تختار؟! هل تختار فرعاً من أصل ضُمِّخَت يداه وتلوث قلبه وضميره بدماء إخوانك الثوار؟ أتختار من يشترى ضمائر الأقزام وبقايا النظام بأموال الشعب المنهوبة وحرياته المسلوبة ودمائه المسكوبة فى ميادين الثورة؟ أتختار القاتل ومن شارك فى الباطل وحوَّل ساحات الثورة إلى رصاص وقنابل؟ أتريد أن تُقتل ألف مرة فأين الثورة بل أين مصر الحرة؟! يا مصرى لا تعُد إلى الوراء ولا تقبل بالظلم فالباطل لا يزال مستعداً لخطف الثورة وتحويل حياتنا إلى جحيمٍ نارُه تستعر فى كل ميادين الحياة، ويعود الشعب يركع لفرعونٍ جديد نُمِيطُ له ظهورنا فيمتطى ونُنيخ له أعناقنا فيستعلى؟! أيها الصابر الثائر لا تنسى دماء إخوانك وبكاء الثكالى وأطفال الشوارع والعوانس والعاطلين و.... والكبد الوبائى ولا تنسى الحريات المسلوبة والأموال المنهوبة والأرض المغتصبة والمصانع المنكوبة. لا تهدم ما بنيت ولا تحرق ما زرعت وسقيت ولا تضيع ما ربحت وجنيت ولا تكن (كالتى نقضت غزلها من بعد قوةٍ أنكاثاً). يا مصرى خذ قرارك واختر فصيل الثورة فأنت منه وهو منك، إن أصاب فهذا أملنا فيه وإن أخطأ فنحن أولى بتقويمه. فَسِر على بركة الله... لا تتردد... لا تقاطع... لا تكن سلبياً... وخُذْ قرارك!!