كشف المعهد الأسترالي للشئون الخارجية، "أييا"، عن السبب وراء عودة العلاقات الإيطالية المصرية مرة أخرى، برغم عدم الوصول لحكم نهائي في قضية مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي، جوليو ريجيني، لافتًا إلى أن إيطاليا خضعت للضغوط خارجية لعودة العلاقات، موضحًا أن عودة السفير الإيطالي للقاهرة تزامنًا مع تقرير "هيومن رايتس ووتش" قد يسبب كارثة سياسية للحكومة الإيطالية، الضعيفة في الأساس. وتابع المعهد، في تقريره، أن بعد عام تقريبًا من مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني من قبل قوات الأمن المصرية، يجب على الحكومة الإيطالية أن تقرر ما إذا كانت حقوق مواطنيها أو مصالحها الاقتصادية في مصر أكثر أهمية. وفي السياق ذاته، أعلن وزير الخارجية الإيطالي، أنجيلينو ألفانو، مؤخرا أن السفير الإيطالي الجديد لدى مصر، جيام باولو كانتيني، سيبدأ عمله في القاهرة يوم 14 ديسمبر، و بهذه الخطوة تنتهي أزمة دبلوماسية، استمرت عاما واحدا بعد اعتقال وتعذيب الباحث الإيطالي"ريجيني" في القاهرة. وألمح التقرير إلى أنه بعد أيام قليلة من إعلان "ألفانو"، اختفى المحامى الذي كان يحقق فى مقتل "ريجينى" فى القاهرة، حيث تم اختطاف إبراهيم متولي الذي كان يمثل عائلة "ريجينى" منذ مقتل الطالب سرًا من قبل قوات الأمن المصرية، من مطار القاهرة يوم الأحد 11 سبتمبر واتهم بإدارة مجموعة غير شرعية ونشر أخبار كاذبة، والتعاون مع المنظمات الأجنبية، التي تواجه السجن لمدة أقصاها خمس سنوات. وكان "متولى" في طريقه للسفر؛ لحضور اجتماع للأمم المتحدة في جنيف، لمقابلة مجموعة عمل تهتم بحالات الاختفاء التي ترعاها الدولة. مقتل "ريجيني" ورد إيطاليا قتل "ريجيني" في يناير عام 2016 أثار الغضب الدولي، وقد ترددت وفاته في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي وأدان البرلمان الأوروبي بسرعة قتل "ريجيني"، فضلاً عن رفض انتهاكات حقوق الإنسان الجارية في ظل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وزاد القرار من الضغط على القاهرة وأدى إلى إدانة دولية ضد انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وبحلول أبريل، استدعت إيطاليا سفيرها لدى مصر، مشيرة إلى عدم تعاون السلطات المصرية معها أثناء التحقيق. ومما لا شك فيه أن الحادث أضر بشدة بالعلاقات المصرية الإيطالية، وعلى الرغم من التحقيقات المشتركة، فشلت الحكومات في التوصل إلى أي توافق في الآراء بشأن مقتل "ريجيني"، كما رفضت الحكومة الإيطالية عدة مطالبات من السلطات المصرية بتهدئة الأوضاع، بل واتهمت وزارة الداخلية المصرية بالقتل. وفي 15 أغسطس 2017، أفاد الصحفي ديكلان والش في صحيفة نيويورك تايمز بأن إدارة أوباما كانت تمتلك "دليلا مؤكدًا على أن بعض من مسئولين الأمن المصري اختطفوا وعذبوا وقتلوا ريجيني" وأن "القيادة المصرية كانت على علم تام بالظروف". وفي ضوء هذه التطورات، فإن قرار إيطاليا بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع القاهرة مثير للجدل إلى حد كبير، وبالنسبة للكثيرين، وقد يكون لهذا القرار عواقب وخيمة على حكومة الحزب الديمقراطي الإيطالي التي تقاتل من أجل البقاء في ظل المشهد السياسي الهش. تدهور حقوق الإنسان في مصر تزامن قرار روما بإرسال السفير الجديد إلى القاهرة، مع صدور تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر في ظل حكومة "السيسي"، إذ يشير التقرير تحديدا إلى مقتل "ريجينى"، كمثال على حالات الاختفاء القسري، الذي زاد بصورة ملحوظة العاميين الماضيين. ونوه التقرير بأن توقيت قرار وزير الخارجية الايطالي إلى مصر قد يكون كارثة سياسية، حيث إن الكثيرين لا يزالون يعانون من عدم وجود إجابات واضحة على مقتل "ريجيني"، لذا قرار إعادة العلاقات الدبلوماسية يجعل الحكومة الإيطالية المتعثرة بالفعل ضعيفة في معارضتها لانتهاكات حقوق الإنسان، والأهم من ذلك ضعيفة في الدفاع عن مصالح مواطنيها. وأضاف: ينظر إلى قرار روما إلى حد كبير بدافع من العوامل الخارجية، ومعظمها اقتصاديًا، على الرغم من تأكيد وزير الخارجية أن القرار اتخذ للسماح بتعاون أوثق بشأن التحقيقات في قتل ريجيني. ومما لا شك فيه أن الحكومة لديها مصلحة اقتصادية قوية في الحفاظ على علاقات وثيقة مع مصر، وعلى وجه التحديد، وتعمل شركة "إيني" الإيطالية العملاقة للنفط على حفر عدة آبار للغاز الطبيعي في المنطقة الساحلية في مصر، بما في ذلك حقل الغاز "ظهر" في البحر المتوسط، وهو ما يقدر بنحو 6.4 مليار دولار أمريكي (7.9 مليار دولار أسترالي). وقال المعهد إن اختيار إيطاليا للاستسلام للضغوط الاقتصادية لعودة العلاقات الإيطالية المصرية المتضررة يبعث برسالة قاتمة إلى بقية المجتمع الدولي، كما يعتبر مؤشر "خطر" على حكومة" السيسي". وعلى الرغم من الخطاب الذي توقعه المسئولون الإيطاليون، فإن تخلي إيطاليا عن مواجهتها الأخلاقية، لصالح المصالح الاقتصادية، يبعث برسالة واضحة إلى الحكومة المصرية بأن فشلها المستمر في حماية انتهاكات حقوق الإنسان سيأتي دون عواقب، وهذا يشكل سابقة خطيرة للدول الأخرى التي ستصبح حتما متورطة في منازعات السياسة الخارجية مع الحكومة المصرية الجامحة. وقد تخلت الحكومة الإيطالية عن فرصة ذهبية ليس فقط لإظهار شعوبها أنها تمثل مصالحها الفضلى، بل أيضًا لقيادة إدانة دولية لانتهاكات حقوق الإنسان في مصر وحول العالم، عن طريق اختيارها بدلاً من ذلك استئناف العلاقات مع القاهرة، وهو الأمر الذي جعل الحكومة الإيطالية تعاني من العواقب السياسية التي من المفترض أن تتجنبها الحكومة بموقفها الراهن.