بترقب ولهفة، أنصت مصابو ثورة يناير إلى قاضى محاكمة مبارك وهو يتلو نص حكمه على من أودعوهم أسرة العجز وذل المرض، على من اقتنصوا حريتهم وعنفوان شبابهم وحكموا عليهم بالسجن مدى الحياة فى زنزانة الإعاقة، على من انتزعوا نور عيون المئات منهم. حكم طال انتظاره، كانوا يبحثون فيه عن الحياة لأجساد حرمها طغيان مبارك ورجال داخليته من الحياة. طارق: لو لى 50 روح وهاموت 50 مرة مش كفاية على مصر طارق سويرى، 32 سنة مدرس لغة فرنسية، خرج من منطقة المرج إلى ميدان تحرير مصر، ليشارك الملايين من الشباب مطلبهم فى الحرية، كان يحلم بشمس جديدة يشرق نورها فى سماء مصر، لكن الشمس لم تشرق، وغرب نور يسرى عينيه بخرطوش وزارة الداخلية يوم جمعة غضب 28 يناير، كان وقتها يحاول حمل طفل فى الخامسة عشرة من عمره استشهد بجواره، وبدلاً من أن يحمل الشهيد، حملوه هو إلى مستشفى قصر العينى وهناك علم بأنه فقد عينه إلى الأبد. بصوت مخنوق قال سويرى ل"المصريون": لست نادمًا على خروجى فى ثورة مصر السلمية ولكننى حزين جدًا لنتيجة الحكم الذى انتظرته طيلة الأشهر الماضية، كنت أنتظر القصاص لشهداء الثورة ومصابيها لكن الصدمة دمرتنى. وبتحدٍ لكل ملامح الظلم والطغيان التى تسكن وجه مصر قال سويرى: "لو ليا 50 روح وهاموت 50 مرة مش كفاية على مصر، وهموت 50 مرة وأنا راضى وسعيد وفدا تراب بلدى". صابر: كنت أحلم بثأر القانون والقضاء لى لكن لم يتحقق حلمى أما إبراهيم صابر 39 سنة، فقال ل"المصريون": الحكم على مبارك والعادلى أسعدنى وأرضانى, ولكن تبرئة مساعدى العادلى الستة زلزلنى وأبكانى، فبأمر أحدهما عسكرى الأمن المركزى، أعمانى وفقدت يسرى عينى فى ميدان التحرير يوم جمعة الغضب، ومن يومها وأنا أحلم بثأر القانون والقضاء لى ولغيرى ولكن لم يتحقق حلمى، لذلك أنا مصدوم، ولكنى لن أكف عن المطالبة بحقوقى فى الحياة والعدل، ولذلك أرتاد ميدان التحرير لعلى أنال الشهادة فيه، ولم يزدنى ظلم الحكام إلا إصرارًا على تطبيق العدل فى بلادى. وأضاف صابر: أنا رجل أمى لم أنل حظًا من التعليم ولكنى أشعر أنى أضيف الكثير لمصر حين أطالب بحريتها وحريتى، ولذلك سأظل أنشد الحرية فى كل مكان. وعبر "المصريون" وجه صابر كلمة لساسة مصر، قال فيها: "حرام البلد بتضيع، مش عايزين نموت بعضنا، أرجوكم خافوا على مصلحة البلد، عايزين الرأفة والرحمة، مشكلتنا إنكوا كلكو بتبصوا للكراسى والمناصب والشعب هو اللى بيدفع التمن". وقال صابر لمصر: "أنا بحبك أوى وهنزل تانى علشانك حتى لو خدوا منى عينى التانية فداكى، وروحى فداكى يا أغلى حب". زيدان: مهما حصل أكيد إحنا دلوقتى أحسن من أيام المخلوع محمد زيدان 25 سنة، ويعمل سباكًا، فقد يمنى عينيه يوم جمعة الغضب، وبنفس الأداة القمعية للنظام البائد، بطلق خرطوش ولكن المكان هنا مختلف، فقد فقد زيدان عينه فى ميدان الساعة بمحافظة البحيرة. قال زيدان تعليقًا على حكم محكمة القرن: "لم أفقد عينى فقط فى الثورة، ولكنى فقدت معها عملى وتركتنى خطيبتى، وحملت أعباء العلاج وأشعر طيلة الوقت أنى عالة على أهلى، أصبحت عاجزًا ومن حطمونى ودمروا مستقبلى طلقاء برأتهم المحكمة لعدم وجود الأدلة، وعينى ليست دليلاً على إجرامهم؟! والشهداء برصاص الأمن، أليسوا دليلاً على إجرامهم؟! أنا حزين وموجوع". وبنفس نبرة الحزن قال زيدان: "مهما عملوا فيا مش هبطل أحب مصر، ومهما حصل أكيد إحنا دلوقتى أحسن من أيام المخلوع، والحمد لله إن مصر هى الباقية مهما عملوا". أحمد: أنتظر عدالة السماء طالما لم تعدل الأرض أحمد إسماعيل 64 سنة سائق تاكسى لم يتمكن من الحديث ل"المصريون"، بسبب حالته النفسية السيئة منذ سماعه حكم المحكمة بتبرئة مساعدى حبيب العادلى الستة. إلا أن ابنه أكد ل"المصريون" أن والده لم يكف عن البكاء والدعاء على الذين حرقوا وفرموا أدلة اتهام الجناة، وأنه ينتظر عدالة السماء طالما لم تعدل الأرض. وأشار نجل إسماعيل إلى أن والده أصيب يوم جمعة الغضب بطلق نارى أصاب عموده الفقرى، وما زال يسكن جسده، حيث رفض الأطباء التدخل الجراحى لخطورة العملية، ومنذ جمعة الغضب يتألم والده وزادت آلامه تبرئة المتهمين وخاصة مساعدى العادلى. الباز: عودوا للميدان حتى يعاقب الجناة أحمد مجدى الباز 23 سنة، وصف المحاكمة بالمسرحية الهزلية، مؤكدًا أنه كان يتوقع تبرئة القتلة جميعًا، وذلك لغياب أدلة إدانتهم التى تم حرقها بأيدى رجال مبارك والعادلى. وأوضح الباز أنه أصيب برصاص حى فى قدمه أدى إلى إصابته بالعجز، ومنذ يوم 28 يناير يرافقه عكازه حتى إلى ميدان التحرير الذى لم يترك أى فعالية إلا وشارك فيها. وأضاف أنه على أتم الاستعداد للتضحية بروحه فى سبيل حرية مصر، وأنه لم يندم على مشاركته فى الثورة، رغم ضياع حقه فى القصاص ممن أصابوه بالعجز، وإن كان ندم على شىء، فعلى الوقت الذى قضاه على أسرة المشافى بعد إصابته يوم جمعة الغضب، وذلك لعدم مشاركته فى الثورة خلال فترة علاجه وناشد الباز كل طوائف الشعب المصرى بالصمود والعودة إلى ميادين تحرير مصر فى كل المحافظات حتى تتحقق مطالب الثورة ويعاقب الجناة. وبنبرة المجنى عليه وجه كلمته لمصر، قائلاً: "ياما شوفت فيكى حاجات وحشة كتير, لكن مش هسيبك أبدًا وهفضل وراكى لحد ما أغيرك وأحررك". كرم.. يرى ويسمع ولكن لا يتحرك ولا يتكلم أما كرم أحمد، فكانت آخر الكلمات التى نطق بها هى: "عيش حرية عدالة اجتماعية"، وما كاد يكمل كلماته حتى أصابه أعداء العدل والحرية برصاصة فى رقبته مزقت أحباله الصوتية يوم جمعة الغضب، ومن يومها لم ينطق كرم إلا مناجيًا ربه بكلمات لم يعلمها إلا هو، ومن يومها أيضًا يسجن داخل سريره يرى ويسمع ولكن لا يتحرك ولا يتكلم. عام ونصف العام تراوده آلامه عن أحلامه بغد أفضل لمعشوقته مصر، ولكنه أبدًا لم يستجب، برغم شدة الألم وحرقة العجز والمرض, فما زال محتفظًا بالعلم الذى كان يحمله يوم أُصيب، وما زال يتابع أخبار مصر بلهفة ويطرب بأحاديث الثورة التى تروى عبر شاشات التليفزيون أو عن طريق أصدقائه الذى يسمعهم ولا يحاكيهم. عمرو عيد، ابن خاله أكد ل"المصريون" أن كرم تابع محاكمة المخلوع ورجاله منذ انعقاد جلستها الأولى وحتى النطق بالحكم فى جلستها الأخيرة، وعقب سماعه تبرئة رجال العادلى بكى بكاءً شديداً وامتنع عن الطعام ليومين متتاليين. محمود: أشعر بالجنون منذ سماعى بتبرئة بلطجية العادلى محمود عادل، صاحب أشهر فيسبا فى مصر التى تم حرقها بأيدى رجال الأمن فى ميدان التحرير أثناء احتجاجات نوفمبر من العام الماضى، أكد ل"المصريون" أن كل الطوائف السياسية غير راضية عن المحاكمة الشكلية التى خلت من كل الحقائق بعد طمسها بفعل جهات متعددة فى الدولة، وأدت إلى نتيجة المحاكمة التى لم ترضِ أى مصرى حر. وأوضح عادل أنه أصيب بطلق نارى فى الفخذ الأيمن يوم جمعة الغضب أدى إلى شلل فى القدم أعاقه عن الحركة. ووصف الحكم على مبارك والعادلى ورجالهما بالصدمة الكبيرة قائلاً: أشعر أنى أصبحت ضحية، وقد أصبح فريسة, وقد أموت بالحسرة على مصر وعلى الشهداء وعلى نفسى وحرمانى من شبابى واحتياجى لمن يعاوننى حتى فى دخول دورة المياه، وقد يصيبنى مرض نفسى، أشعر بالجنون يغمرنى منذ سماعى تبرئة بلطجية العادلى، ولكن عزائى الوحيد حينما أرى أى مصرى يطالب بحقوقه فى حرية رافعًا رأسه، أنفاس الحرية هذه تجعلنى أشعر بالحرية تملأنى وكأنى لست عاجزًا، ولذلك مازلت أتردد على ميدان التحرير كلما سمعت صوت الوطن ينادينى. وعبر "المصريون" وجه عادل كلمته لوطنه مصر قائلاً: "اصبرى واحتسبى وربنا هيعوضك خير، زى ما جاب شباب ضحوا علشانك هيجيب لك شباب تانى ونسلك يا مصر مش هينتهى، إنتى يا مصر ولادة ومش هتضيعى أبدًا وأنا أول اللى يفدوكى بأرواحهم". أرواحنا ستطارد شفيق فى جولة الإعادة عبده قاسم، أحد مصابى الثورة: إن قرار المحكمة ببراءة نجلى مبارك ومساعدى العادلى والمؤبد للمخلوع ووزير داخليته يعتبر إهداراً لدماء الشهداء ومصابى ثورة 25 يناير. وأضاف: الحكم يتمثل فى حكم سياسى مدنى، ولكى نسترد حقوقنا نحتاج إلى محاكمة عادلة وقوية، مشيرًا إلى أن من يقوم على حكم البلاد ويعترف بوجود ثورة فإنه يتطلب تشكيل محاكمة ثورية. وأوضح قاسم: عندما اندلعت ثورة 25 يناير التى أطاحت بنظام مستبد وديكتاتور، فلم يسقط سوى دماء الشهداء والمصابين والجرحى فقط، حيث لم يسقط النظام الذى واجهناه فى الانتخابات الرئاسية بشكل واضح بعد عودته من جديد من خلال تزوير إرادة الملايين من الشعب والمحاولات، التى باتت شبه ناجحة فى إجهاض الثورة، لكى يتم القضاء عليها وإخمادها. وعن مقاطعته لجولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية قال قاسم: أرفض الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، مشيرًا إلى أنه ليس شخصية سلبية حتى يصبح دوره كالمتفرج فى الحياة السياسية، مضيفاً أنه لن يعطى صوته لمن تلوثت يده بدماء الشهداء، الذين كانوا بجواره فى ميدان التحرير، حيث دبر موقعة الجمل، مؤكداً أنه سيختار أى مرشح مهما كانت أخطاؤه السياسية وعدم السماح لمرشح الفلول أحمد شفيق من الوصول لكرسى الحكم. واستطرد: أنه سيؤيد الدكتور مرسى فى الإعادة أمام مرشح النظام السابق الفريق شفيق وأنه يدعمه قلباً وقالباً، مشيرًا إلى أن الإخوان شاركوا فى الثورة ودافعوا عن الثوار ضد نظام أفسد الحياة المصرية بصورة عامة، رغم اعترافهم بأخطائهم وتركهم ميدان التحرير بعد تنحى مبارك مباشرة وموافقتهم على الاستفتاء الدستورى فى مارس من العام الماضى. وبرر موقفه باختيار مرشح الجماعة الدكتور مرسى: بأن الإخوان سقط منهم العديد من الشهداء وأيديهم لم تلوث بدماء ولم يسرقوا أموال الشعب بل كانوا داخل المعتقلات، مضيفاً أن جماعة الإخوان فصيل سياسى وطنى منذ 80 عامًا، وقاموا بأعمال تطوعية وخيرية دون مقابل، وحزب الحرية والعدالة المنبثق عن الجماعة يحمل مشروع نهضة حقيقيًا. وأوضح عمرو عويس، أحد مصابى ثورة 25 يناير، وعضو بحزب الحرية والعدالة: أنه يستنكر نتيجة الانتخابات واختيار فئة كبيرة من الشعب المصرى للمرشح أحمد شفيق والذى يمثل رمزاً من رموز الفساد فى نظام الرئيس المخلوع. وأشار إلى أن الإعلام شوه صورة حزب الحرية والعدالة ولم يلق الضوء على إنجازاته السياسية، وركز على تصيد الأخطاء لمجلس الشعب، مؤكدًا أن أعضاء حزب الحرية والعدالة كانوا بجوار الليبراليين والثوار أثناء موقعة الجمل وأحداث محمد محمود وماسبيرو ووزارة الداخلية، مشيرًا إلى أنه أصيب فى أحداث محمد محمود رغم قرار الجماعة بعدم نزول أعضائها. وشدد على أنه من الممكن أن نخلع مرسى إذا لم يسر على المنهج المتفق عليه، لافتًا إلى أنه إذا جاء شفيق فإنه سيعمل على إعادة إنتاج النظام القديم. كلنا ضد رئيس وزرا "موقعة الجمل" ويقول رمضان بيومى عضو مجلس إدارة المجلس القومى لمصابى الثورة: حكم المحكمة على المخلوع يمثل نكسة للشعب المصرى على غرار نكسة 1967، وعبارة عن مهاترات، حيث تم استخدام الطرق القانونية من أجل براءة المتهمين، مستغربًا من براءة مساعدى العادلى، فى نفس وقت إدانة الوزير، حيث إن أدلة الإدانة واحدة، وليس بعيداً أن يصبح اللواء حسن عبد الرحمن، رئيس جهاز أمن الدولة السابق، وزيراً للداخلية بديلاً للوزير الحالى اللواء محمد إبراهيم، مما يعد استهزاءً بدماء الشهداء ومصابى الثورة. واتهم "بيومى" المستشار عبد المجيد محمود، النائب العام، بأنه قام بتسليم أدلة اتهام مبارك ورجال نظامه لوكلاء نيابة شاركوا فى الجريمة، مضيفاً أنه افتقد الثقة الكاملة فى القضاء المصرى لعدم أمانته على حقوق الإنسان، وتعيين قاضٍ من المفترض إحالته للمعاش بهدف ضياع حقوق الشهداء والمصابين، مما يعد كارثة للشعب المصرى. وأوضح أن شفيق حصل على أصوات مؤيديه عن طريق موظفى المصالح الحكومية، ومديريات وقطاعات والمجالس المحلية والتى تمثل سواعد الحزب الوطنى المنحل. وحث بيومى المصريين على انتخاب الدكتور محمد مرسى، قائلاً: حتى لو كان للإخوان أخطاء سياسية، لكنها ليست جنائية، وقد كانوا فى ميدان التحرير وأصيب واستشهد العديد منهم، فسقط من بينهم 32 شهيدًا، فضلاً عن 170 مصابًا. وتابع: شفيق تم اتهامه فى جرائم فساد مالى وسياسى، كما أنه متهم بمساعدة مدبرى فى موقعة الجمل. وأضاف: بعد سكوت الشعب 30 عامًا على ظلم واستبداد حكم مبارك اليوم يؤيدون شفيق ويصبحون مثل النعامة التى دفنت رأسها فى التراب خوفاً من النور، فلابد أن ننظر إلى مستقبلنا ومستقبل أولادنا ولن ننسى دم 775 شهيدًا من الذين كانوا بجوارنا فى الميدان.