مجموعة وليست كبيرة، بل مجموعة من الناس "الفاضيين" يتسلون، ومن حق أى إنسان أن يتسلى بما يراه مناسبًا ليفرج به عن نفسه، بشرط ألا يكون ما يتسلى به يضر بالآخرين، لكن لو كان يتسلى به البعض يأتى بالضرر على شعب بكامله، فإن هؤلاء يستحقون المحاكمة. ما معنى أن يعلن شخص (أو عدة أشخاص) أنه سيختار مجلسًا ليحكم مصر؟ معناه أن هذا الشخص (أو هؤلاء) يهين الشعب المصرى ويحقره، لأنه نصب نفسه وصيًا على أعرق شعب فى العالم، وأنه اختار فلانًا وفلانًا ليحكمه، ولم يتصدَ أحد لصاحب (أو أصحاب) هذه الدعاوى المثيرة للأعصاب، ولم يقدمه أحد للمحاكمة بتهمة إهانة الشعب المصرى. زمان كنا نرفع شعار "الناجح يرفع إيده"، لكن انقلبت الأمور، وأصبح "الساقط" هو الذى يرفع يده، ويملى شروطه، ويقدم قائمة بطلباته، وتلك من عجائب العصر والزمان. المجلس الرئاسى لمن لا يعلم قديم قدم الإمبراطوريات الكبيرة التى ظهرت منذ القدم، مثل الإمبراطوريات الفارسية واليونانية والرومانية والعثمانية وغيرهم، فهذه الدول كانت تضم لنفوذها دولاً أخرى يعيش فيها شعوب تختلف عنها عرقيًا، وتدين بغير دين هذه الدولة، وتتكلم بلغة غير لغتها، وبالتالى كان من الصعب أن تبسط الدولة المستعمرة سطوتها على هذه الدول الصغيرة المحتلة، ولكى يضمن رأس الدولة المحتلة (إمبراطور أو ملك أو سلطان) ولاء هذه الدولة بعد احتلالها يعين على رأسها مجلسَ حكمٍ لا يقل عن ثلاثة، ولابد أن يكون الثلاثة مختلفين، ويكون لكل واحد منهم نفس سلطات الآخرين، رغم وجود رئيس لهم من حيث الظاهر، لكن من معه فى مجلس الحكم يكون له أن يتصل بالإمبراطور أو السلطان مباشرة، ويأتيه الرد منه، وينفذ طلباته دون الرجوع لرئيس مجلس الحكم. وأضرب مثلاً على ذلك، أنه حينما دخل العثمانيون مصر، واستقرت الأمور للسلطان سليم الأول، وقرر العودة للآستانة عاصمة الدولة الكبرى، كان لابد أن يترك على مصر حاكمًا يضمن ولاءه، فلم تكن هناك وسائل اتصال سريع ليعرف من خلالها ما يجرى فى الولاية، ومن الممكن أن ينشق عليه هذا الحاكم ويستأثر بحكم الولاية بعيدًا عن نفوذ السلطان، لذلك كان يعين بجوار الوالى مناصب أخرى لهم نفس سلطات الوالى، كقائد الحامية، وخازن بيت المال، وقاضى القضاة، ولكل واحد من هؤلاء نفس سلطات الوالى، وله أن يراسل السلطان مباشرة، ويتلقى منه الأوامر والتعليمات، فيتحول مجلس الحكم هذا إلى مجموعة من الانتهازيين الذين يتربص بعضهم ببعض، ويكون هدف كل واحد منهم رضاء السلطان وفقط التى ستعود عليه بالنفع، أما مصالح الشعب فتكون خارج دائرة اهتمامهم تمامًا. وحينما قامت أمريكا بغزو العراق عام 2003، كان أول شىء فعلته هو تشكيل "مجلس رئاسى"، ذلك الذى تولاه الجنرال برايمر، ومجلس رئاسى بالمفهوم العصرى هو أن تجمع مجموعة شخصيات من كل التيارات وتضعهم فى مجلس ليحكموا البلد، وفى العراق اختلفوا خلال أيام، وانفصل كل واحد منهم بميليشياته الخاصة، ودخلت البلاد مستنقع الحرب الأهلية. المجلس الرئاسى المقترح فى مصر، من الذى سيختاره؟ وما صفة من سيختاره؟ وهؤلاء الذين سيختارون للشعب حكامه يمثلون من؟ وإلى أى مدى سيتفق أعضاء هذا المجلس على كل ما يطرح عليهم مما يخص شئون البلاد؟ وهل سيستفتى الشعب عليه؟ أم سيتخذ هؤلاء "النخبة" قرارهم بعيدًا عن الشعب؟!! مجموعة من 20 أو 30 فردًا، تسمروا أمام كاميرات الفضائيات، يثرثرون ليلاً ونهارًا، ظنوا أنفسهم أوصياء على الشعب، وأنهم من حقهم أن يختاروا لهذا الشعب من يحكمه، والملايين التى خرجت واصطفت فى طوابير أمام صناديق الانتخابات لا قيمة لهم، هم الأعرف بمصالحهم منهم أنفسهم، ولا يهم إن كان الشعب سيقبل بمن يختارونه أم لا، فالشعب لا يعرف وهم وحدهم الذين يعرفون ويدركون ويفهمون! أليس هؤلاء هم الذين نراهم فى النهار بجميع الصحف، وفى الليل بجميع الفضائيات؟ يحللون ويحرمون، يمنحون الصفات والألقاب على من يشاءون وينزعونها ممن يشاءون؟ نصل إلى مربط الفرس، وهو الإعلام الذى جعل من "شلة" ليس لأى منهم أى رصيد فى العمل السياسى الوطنى، بل شلة من الانتهازيين الوصوليين المتسلقين الابتزازيين، عينوا أنفسهم أوصياء على شعب مصر، ويريدون تحويل المعارك الفكرية بين الأفراد إلى معارك دامية بين فصائل الشعب، وإغراق البلاد فى بحر من الدم. المجلس الذى يتكلمون عنه، يعنى طبقًا لكلامهم مجموعة من الشخصيات تمثل كل التيارات، وبالطبع سيختلف هؤلاء منذ اللحظة الأولى، فيتحول الخلاف بين الأفراد إلى خلاف بين الموالين لكل شخص من أبناء الشعب، فنرى حروبًا دامية بين الموالين للشيوعى عضو المجلس، وبين الموالين لليبرالى عضو المجلس، ويأخذ الانقسام هنا مشروعية.. مشروعية الخراب والدمار. [email protected]